“اخوان سنّة وشيعة وهذا الوطن ما نبيعه”.. “العراق وطننا والحشد حشدنا”.. “السيستاني قائدنا”.. هذه الشعارات (العبارات)، رددها مواطنون من اهالي مدينة الرمادي، في مهرجان الوحدة الوطنية، الذي اقيم في التاسع من شهر كانون الاول-ديسمبر الجاري بساحة الاحتفالات في مركز المدينة.
اقيم المهرجان المذكور في ذات اليوم الذي اعلن فيه رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي، اعلان النصر النهائي والشامل على تنظيم داعش الارهابي، برفع العلم العراقي في كل مدن ومناطق العراق، لاسيما تلك التي استبيحت قبل ثلاثة اعوام ونصف من قبل عصابات ذلك التنظيم الاجرامي.
ان تصدح مثل تلك الشعارات في البصرة او النجف او كربلاء او الديوانية، فهذا امر طبيعي جدا، لكن ان تنطلق من حناجر ابناء الرمادي، ومن مركز المدينة، فهذا يمثل رسالة بالغة الاهمية في دلالاتها ومعانيها، لاسيما وان المكان الذي انطلقت وارتفعت منه تلك الشعارات، كان واحدا من بين عدة اماكن شهدت في عام 2013 اعتصامات ضد الحكومة، بصورة مشابهة لاحداث ما سمي بالربيع العربي في بعض البلدان العربية، وكان من بين الشعارات التي رفعها قادة التظاهرات والاعتصامات في ذلك الحين هي “احنه-أي نحن-تنظيم اسمنا القاعدة”. وواضح جدا ان ذلك الشعار كان يستبطن تحديا صارخا للدولة العراقية، ويشير بما لايقبل الشك، الى ان التنظيمات الارهابية مثل القاعدة وداعش، تمتلك وجودا حقيقيا ومؤثرا في الانبار.
واليوم حينما نقارن بين ما الت اليه شعارات ساحات الاعتصام من نتائج واثار كارثية على الانبار واهلها، وبين الاحداث والوقائع التي شكلت ذلك المشهد اللافت في ساحة الاحتفالات بالرمادي قبل اسبوع، نستنتج ان الارهاب القاعدي والارهاب الداعشي، ومن وقف ورائهما وساندهما، الحقا الدمار والخراب بالانبار، وان فتوى المرجع السيستاني، وبطولات الحشد الشعبي، وقوة الجيش العراقي ومختلف المؤسسات الامنية، ومؤازرة ابناء العشائر، هي التي انقذت الانبار، وخلصتها من سطوة الارهاب التكفيري.
لم تظهر ساحات الاعتصام، بكل ما شهدته من خطابات وشعارات تحريضية طائفية، مصادفة، وانما كان كل شيء مخطط ومحسوب، من حيث توزيع الادوار والمهام، وتوفير الامكانيات المالية واللوجيستية والبشرية، وتشخيص الدوافع والاهداف.
وشعار “احنه تنظيم اسمنا القاعدة”، لايحتاج الى كثير من الشرح والتفسير والتحليل، وشعار “قادمون يابغداد”، هو الاخر لم يكن بحاجة الى البحث المعمق والطويل في خلفياته وابعاده ومراميه، فكلا الشعارين، ومعهما شعارات اخرى مماثلة، خلاصتهما “ان تنظيم القاعدة، سيصل الى بغداد ويحتلها ويسقط الدولة والحكومة فيها، كما سيطر على الانبار”.
وفي ذروة الحماسة والاندفاع، بفعل الضخ المالي والاعلامي والاستخباراتي الخارجي، السعودي والاماراتي والقطري والتركي، توهم هؤلاء الذين كانوا يرتقون منصات ساحات الاعتصام، انهم باتوا قاب قوسين او ادنى من العاصمة بغداد، ولم يدر في خلدهم ان تلك الساحات المشؤومة ستوصل البعض منهم الى السجون ومنصات الاعدام، والبعض الاخر الى الاختباء والتشرد والضياع، والبعض الاخر للهروب الى اربيل واسطنبول وعمّان، تاركين خلفهم مشهدا مأساويا بعدما فتحوا كل الابواب للدواعش لاستباحة مدنهم، وتدنيس اعراضهم، ونهب ممتلكاتهم، لتأتي فيما بعد قوات ما يسمى بالتحالف الدولي لتكمل اجندة تدمير وتخريب مدنهم، وتشريد اهاليها، تحت ذريعة محاربة تنظيم داعش.
ولعل التقارير الكثيرة التي تحدثت عن حجم الدمار الهائل الذي خلفته العمليات العسكرية لقوات التحالف الدولي في الرمادي الصيف الماضي، لم تكن بعيدة عن الواقع، ولم تكن مفبركة وزائفة، خصوصا وان قسما كبيرا منها نشرته وبثته وسائل اعلام غربية، اميركية وبريطانية وفرنسية.
وقد وصل ابناء الانبار، بحكم ما تعرضوا اليه من ماسي وكوارث، الى نتيجة مفادها، ان من ادّعوا تمثيلهم سياسيا، هم انفسهم من كانوا شركاء في التامر عليهم وتدميرهم، وبالتالي ادركوا-اي ابناء الانبار-ان خلاصهم من الارهاب الداعشي بالكامل لايمكن ان يتحقق الا من خلال القوات العسكرية والامنية الحكومية، باسناد قوات الحشد الشعبي، والحشد العشائري المحلي، لانهم شاهدوا وراقبوا عن كثب واقع المعارك التي كان للحشد الشعبي مشاركة رئيسية ودور محوري فيها، في مدن بيجي وسامراء وبلد وتلعفر والحويجة والفلوجة، وغيرها.
وبينما كان الانباريون يعيشون في ظل اجواء الرعب والخوف والقلق حينما انطلقت تجمعات وتظاهرات ساحات الاعتصام في صيف عام 2013، فأنهم احتفلوا بالخلاص من داعش في شتاء 2017، وهم يدركون ويعرفون تماما من الذي خلصهم من ذلك التنظيم الارهابي الدموي، ولو لم يدركوا تلك الحقيقة، لما رفعوا شعار “اخوان سنة وشيعة وهذا الوطن ما نبيعه” والشعارات الاخرى المشابهة له، ولما فتحوا احضانهم لاخوانهم من مدن الجنوب والفرات الاوسط.
في واقع الامر كانت تجربة الانبار والمحافظات الغربية مؤلمة مع القاعدة وداعش، وتتحمل بعض النخب السياسية والاجتماعية والعشائرية هناك جزءا غير قليل من المسؤولية، لانها تماهت مع الجماعات والتنظيمات الارهابية المسلحة وهادنتها، اما خوفا او طمعا، وفي النهاية، فأن تلك النخب خسرت كل شيء، وهي تحاول اليوم استعادة بعض مما خسرته، وما مساعي عرقلة اجراء الانتخابات البرلمانية العامة في موعدها المقرر(12 ايار-مايو 2018)، الا محاولات لتجنب المزيد من خيبات الامل والخسارات والانكسارات.