سر نجاح المصريين في تسويق ادبائهم وفنانيهم ومثقفيهم وعلمائهم بل وحتى “فولهم ومدمسهم” يكمن في انهم لايملكون عقدة من اي نوع حيال بعضهم البعض. فالكناس عندهم افندي وباش مهندس وصنايعي لايشق له غبار. لذلك برعوا ـ بعكسنا تماما ـ في منح مواطنيهم القابا فخمة مثل عميد الادب العربي “طه حسين” او امير الشعراء “احمد شوقي” او كوكب الشرق “ام كلثوم” او “الزعيم” عادل امام, بينما نحن مازلنا نستكثر على السياب او البياتي او نازك الملائكة لقب رواد الشعر الحر الى الحد الذي كاد اخرون ياخذون اللقب منا لولا اهل الرحم من بعض النقاد العرب ممن ثبتوا السياب على الاقل على راس مدرسة التجديد في الشعر العربي الحديث. وبقطع النظر عن ظهور عمداء اخرين للادب العربي هنا او هناك ومثلهم امراء للشعر او كواكب في ميدان الغناء او زعماء للفن سواء الجاد منه او الكوميدي فقد بات من الصعب انتزاع تلك الالقاب التي تحولت الى ماركات مسجلة باسماء من اشرنا اليهم وهم بالفعل عمالقة, وليس بوسع احد ان يقول عنهم شيئا اخر.
ماكنة الدعاية المصرية لم تكن مجانية بل كانت تستند بالفعل على قاعدة عريضة ورصينة بحيث ياتي اللقب “فت” على صاحبه. بينما الامر في العراق مختلف جدا. فلم تكن لدينا اية ماكنة لا دعائية ولا حتى ماكنة خياطة بل لدينا المثل الشهير الذي نردده منذ قرون وهو “مغنية الحي لاتطرب”. بينما نحن “نطيح حظ” اكبر مطرب ومغني وحتى عالم بحجم غاليلو او نيوتن. هذا المثل استخدمه الزميل العزيز صباح اللامي في مقاله الاخير بـ “المشرق” السبت الماضي وعنوانه “عبد الرحمن المرشدي يسقط عادل امام”.
بكل صراحة العنوان استفزني لكن ليس من باب الدفاع عن عادل امام وهو فنان كبير بكل المقاييس. لكني اقول ان ظهور فنان كبير عندنا لايعني اسقاط فنان كبير عند الاخرين؟ اعتقد ان هذه المعادلة خاطئة وليست عادلة ايضا والاهم انها “ماتجيب نتيجة”. وبودي هنا ان اسرد الحكاية التالية وتتعلق بالصحفي الكبير محمد حسنين هيكل الملقب بـ “الاستاذ”. ففي عام 1989 زار هيكل العراق للمشاركة في مؤتمر تضامني. في فندق الرشيد التقيت هيكل واخبرته رغبتي اجراء مقابلة معه لمجلة “افاق عربية” حيث كنت اعمل.
اثناء الدردشة ابديت اعجابي بكتابه “خريف الغضب”. وهنا قال لي الاستاذ ان هذا الكتاب صدر ضده 15 كتابا في مصر . وما كان مني الا ان قلت له والكتاب السادس عشر صدر في العراق. التفت هيكل نحوي قائلا لي .. اي كتاب؟ قلت له .. “الصحافة العربية .. وسقوط مدرسة هيكل” لكاتب عراقي اسمه عزيز السيد جاسم. طلب مني هيكل ان اجهز له نسخة من هذا الكتاب وبعد فترة صمت قصيرة قال لي. ” لتسقط مدرسة هيكل ولكن اعطوني البديل”.قد يكون هيكل محقا او قد لايكون.. ولكن النتيجة واحدة سواء في الحاجة الى تاسيس مدرسة صحفية جديدة تنتج عمالقة من وزن هيكل او تسويق فنان مثل المرشدي. لكن قبل ان نشرع في عملية تسويق هذا الفنان او ذاك المبدع علينا التوقف اولا عن استيراد .. الفجل والكراث.
[email protected]