22 ديسمبر، 2024 6:03 م

الانسان والانسانية في مقولات اريك فروم

الانسان والانسانية في مقولات اريك فروم

كنت اظن ان لم يخلق الله مثلنا في ايماننا و في المُثل التي نؤمن بها و ان العالم كله حطب لجهنم اما نحن فسوف نحاسب حساباً يسيرا ثم نساق الى الجنة.
و اظن هذا الفهم جاء نتيجة الحشو الثقافي المستمر في ادمغتنا الذي مارسته عوائلنا و محيطنا الاجتماعي.
و بطبيعة الحال فأن هذه النظرة الخاطئة جعلتنا منغلقين و منكبين على انفسنا لا نرى العالم الرحيب الذي خلقه الله برحمته و اودع في الانسان اسراره و صنع تنوعاته الفكرية و النفسية حتى لكأنها كبصمة الابهام لا تتشابه بين شخصين في هذا العالم مطلقاً.
لقد قرأت للكاتب اريك فروم حتى ظننته ناسكاً او قديساً او عالماً دينيا و ليس عالم نفس شهير و جعلتني كتاباته افكر كثيراً في الحكم على الاخرين خارج المحيط الذي اسبح فيه.
كتاباته هي دعوة انسانية تستبطن الدعوة الى العودة الى الله في شكل همس لطيف يمازج بين العلم بنسخته الاكاديمية و الصوفية المتقنة
و اشد ما اثارني في كتاباته هو دعوته الانسانية الى استكشاف الحب في ضمير الانسان و جعله احد اهم القيم التي ترتكز عليها الانسانية استكشاف هذه القيمة التي معها سيعم السلام و تكبت النزعة العدوانية و الشرورية لدى الانسان .
حتى ان اريك يصاب بنوبة قلبية لأن مكارثي المرشح للرئاسة الامريكية و المناهض لحرب فيتنام خسر الانتخابات امام نيكسون الذي كان يرى استمرار الحرب
فقد كان اريك مندفعاً في الدعوة لحركة البديل الانساني و يرى ان الحروب تعبير عن العدوانية التي يجب مجابهتها بأشاعة الحب بين بني الانسان .
و كان يفسر مفردة الغريب على انها تستبطن عدوانية نتيجة تحيز الشخص في مجتمع قبلي او قومي و سيطرة هذا التحيز على عقليته ما يجعله ينظر الى الاخر على انه غريب وبالتالي ينظر اليه كعدو محتمل ينبغي الحذر منه و هو هنا يحاول تحطيم هذا الاطار وفتح عقل الانسان على عالم الانسانية الرحيب.
كما يتكلم عن غربة الانسان نتيجة تحكم الالة فيه و انه اصبح شيئاً من الاشياء في ظل سيطرة الاقطاعيات الصناعية و ان القيمة العليا له و المركزية التي حظي بها بعد عصر التنوير تلاشت بفعل كونه اصبح عبداً للالة بدلاً من ان يكون سيدها فاصبحت وثنه الذي يسجد له دونما وعي او بوعي حتى.
و لا تنفك محاولات هذا المفكر العظيم عن محاولة تفجير الكوامن الانسانية الخيرة و اعتبارها الحل لجميع مشاكل الانسان فهو يؤكد على ان لاوعينا يحوي طاقة عظيمة و امكانات كبيرة لو تسنى لنا التواصل بصورة صحيحة مع هذا العالم الخفي في ذواتنا.
و لا تقف ديانته اليهودية او مركزه الاكاديمي بوجه رسالته الانسانية فيرسل الى البابا رسالة في العام 1966 راجياً منه استخدام سلطته و تأثيره العالمي في عقد مؤتمر يناقش المخاطر المحدقة ببقاء الانسانية و يبقى يتواصل مع مجموعة من الاكاديميين و السياسيين للعمل من اجل نجاح هذا المؤتمر و يضع افكاراً عامة له الا انه لا يستلم اي رد من البابا
هكذا يلتهب قلب اريك حباً للانسانية وعطفاً عليها فيقدم القراءات الناصعة و الافكار الخلاقة و التحليلات العميقة و الدقيقة للنفس الانسانية وتجلياتها المختلفة.
و ما احوجنا الى توسعة افقنا لنرى هذه النماذج في العالم ونمد ايدينا لها لنصنع عالم اقل شراً و اكثر اطمئناناً.

[email protected]