تحملت خزينة الدولة العراقية أموالا طائلة لتوفير البطاقة التموينية.ولكن كانت منفعتها للشعب ضئيلةً جداً, فأغلب موادها حُجبت ولم يبقَ منها إلا القليل, ولم يكن بالجودة المطلوبة , إضافة الى تأخر توزيعها, وبقائها في المخازن فترة طويلة بظروف خزن سيئة, مع تقاعس الوكلاء في التوزيع أو ربما التلاعب بها. وإن توفر النزر اليسير منها فهو عرضة للتلاعب وقد يجري تبديله بنوعيات رديئة من قبل موظفين عديمي الذمة , أو من بعض الوكلاء الذين أخذ منهم هوس الطمع والجشع مأخذه. فأعمى بصيرتهم وألغى وجدانهم وأمات ضميرهم.كما إن جيشاً من الموظفين وُظِّفوا لأجل ديمومة هذه البطاقة المعطلة, لو نُقلوا بعد تأهيلهم الى دوائر أخرى تشهد زخماً في أعداد المراجعين وقلة الكوادر الوظيفية لكان أجدى وأكثر نفعا,حيث يعاني فيها المواطن من التدافع والتأخر في إنجاز معاملته,كدوائر السفر والجنسية والتسجيل العقاري والأحوال المدنية, رغم معاناة الوصول لهذه الدوائر لطبيعة الوضع الأمني ولصعوبة التنقل لكثرة الموانع والسيطرات, والإختناقات المرورية.كما إن بنايات كبيرة تشغلها وزارة التجارة للخزن والتوزيع رغم رداءة الخزن وسوء التوزيع, والدولة أحوج لها في مجالات أخرى.
لذا كان لزاما البحث عن بديل للبطاقة التومينية , بعد أن عجزت الدولة بمؤسساتها عن تحسين مفعولها, وأداء وزارة التجارة لجعلها وسيلة من وسائل رفع المعاناة عن كاهل الطبقة الضعيفة من الشعب وخاصة العاطلين عن العمل والأرامل والأيتام ومحدودي الدخل.ومن المعروف وليس خاف أن شريحة كبيرة من الشعب العراقي تحت مستوى خط الفقر.والبطاقة التموينية كانت عوناً لأستمرارية الحياة بالحد الأدنى, وداعماً لهذه الشريحة التي لم تجد حلولاً لواقعها المأساوي رغم إمكانيات العراق المالية التي تهدر وقدراته البشرية المعطلة تقريباً.
ومع الأسف الشديد لم تجرِ دراسة جدية لإيجاد الحلول والبدائل بمشاركة خبراء إجتماعيين وإقتصاديين بهذا الأمر. فجاء الحل الحكومي بإلغاء البطاقة التموينية ودفع مبلغ 15ألف دينار لكل فرد تعويضاً عن هذه البطاقة المعطلة شبه المشلولة.وهذا إجراء فيه من الأيجابيات الشيء الكثير ومنها كف يد الفساد وإنعدام الذمة عند مَن يجري صفقات الشراء , والعمولات والرشى التي كان يتقاضاها البعض. ويقلص الحاجة لعدد الموظفين والمخازن والأهدار والتلف جراء سوء الشحن والتخزين ويجنب المواطنين معاناة تعاملهم مع الوكلاء وأمور أخرى المختصون أدرى بها منّا.
ومن حقنا أن نقول إن قرار مجلس الوزراء له سلبياته أيضا لأن الأسعار سترتفع بالتأكيد لعدم تمكن الدولة من السيطرة عليها وعدم قدرتها على إلزام التجار بأسعار معقولة لا ترهق المواطن العراقي المُرهق من تكاليف معيشةٍ لم تكن سابقا موجودة كتوفير الطاقة الكهربائية عن طريق المولدات الأهليه وشراء الماء الصالح للشرب بعد عجز غالبية مشاريع ماء الشرب الحكومية عن توفير ماء صالح للشرب بدرجة مقبولة عالمياً وتكاليف العلاج في العيادات الخاصة لعدم قناعة العراقي بالمنفعة والجدية في مراجعة المستشفيات الحكومية. وإن إدعت الحكومة إنها ستحدد سعر الطحين فلن تتمكن من هذا أبداً وهذا مستحيل التنفيذ لأن الطحين أصناف ومختلف الجودة وسيعاني الناس من ذلك دون جدل وذات الشيء سينسحب على بقية المواد.وأنا شخصيا عملت في هذا المجال قبل ثلاثين سنة ولي خبرة فيه.والتجربة أثبتت عدم قدرة أية سلطة في العراق تنفيذ هذا الوعد.
كما إن طرق ووسائل توزيع المبالغ النقدية سيطالها الفساد المالي أيضا. وستذهب أموال طائلة لجيوب السراق والمحتالين ,كما حدث لأموال الرعاية الأجتماعية, وكما يحصل الآن من ذهاب رواتب آلاف المنتسبين للقوات المسلحة لجيوب البعض, لوجود أسماء وهمية أو أفراد ليس لهم وجود أو حضور .كما إن نسبة كبيرة من أفراد هذه القوات يستلمون نصف رواتبهم والباقي لجيوب رؤساءهم لكي يسمحوا لهم بعدم التواجد في الواجب الفعلي, مما أرهق من يتواجد فعلاً وإلتزم بالواجب الوطني والأخلاقي . فجعل هذه القوات ضعيفة لأن الفساد شابها ودمر قدراتها.
وأطلت النزاعات الحزبية الكيدية برأسها في هذه القضية وإنبرت العديد من الكتل التي تسمي نفسها بالسياسية بالأعتراض.كما إعترضت على قانون البنى التحتية وعطلته لأنها لاتجيد غير الرفض والتعطيل. ولم تطرح الحلول البديلة .ولم تكلف نفسها بإجراء الدراسات الموضوعية لتطرحها كبدائل. وكما عودتنا الكتل السياسية فإنها تجرُّ البلاد من أزمة الى أخرى.
ولم يَعد لهاهَمٌ إلا هذا . ونحن كمواطنين وبخبرتنا البسيطة ندلو بدلونا في هذا الأمر, علَّنا نجد أذناً صاغية لما نقول لأننا نرى فيه المصلحة, و فيه غلق باب جدل ونزاع جديد هلل له دعاة المشاكل وبث الفرقة لأي سبب, وإعتادوا الصراعات الكيدية خدمةً لمصالح كتلوية أو طائفية أوعرقية عمياء بعد أن إبتعدوا عن كل المفاهيم والأخلاق الوطنية والمصلحة العامة فنقول :
الحل هو في منح الخيار لرب العائلة إن كان يريد تعويضاً مالياً أو الأستمرار بنظام توزيع البطاقة التموينية لمدة سنة. وبعد هذا يجري تقييم للحل. وهذا سيتقلص عدد المستمرين في نظام البطاقة وسيُمكن الوزارة من إستيراد مواد أقل وستكون أفضل ,على ان يصحب هذا نظام تخزين وتوزيع أفضل .وسيكون هنا فائض في أعداد الموظفين و المباني التي يمكن إستغلالها لأمور أخرى.مع إهتمام وزارة التجارة بإستيراد مواد البطاقة لتبيعها على موظفي الدولة والمتقاعدين من خلال وزاراتهم بأسعار معتدلة, كما كان يجري سابقا في الأسواق المركزية أو بشكل آخر بعد دراسة مستفيضة موضوعية لهذه المسألة الهامة.
ومن الأفضل جعل مبلغ التعويض 25 ألف دينار لكل فرد. وليكن جزء من هذا المبلغ ضمن منهج توزيع فائض عائدات النفط على المواطنين,أو من الأموال المستردة أو التي تسترد من أموال الشعب التي نهبها المفسدون, لكي لا يذوب مبلغ التعويض البسيط ال 15 ألف دينار الذي إقترحته الحكومة بسرعة في لجج إرتفاع أسعار المواد الغذائية المرتقب.
كما نقترح أن يكون لرب الأسرة الحق بالعودة عن خياره إن شاء ذلك, ولكن بعد فترة لا تقل عن ستة أشهر, ليتسنى للوزارة تهيئة حصته .لأن العودة بشكل مباشر يسبب إرباكاً .مع ضورة إيجاد صيغ دقيقة تمنع المتلاعين من التزوير ونهب أموال الدولة من هذا الباب.
المهم إن قرار تعويض المواطن بمبلغ عن مفردات الحصة التموينية فيه بعض الصواب.ويستحق الثناء. ولكنه بلا مخطط ولا دراسة ولا حلول معقولة وجرى ضمن أروقة رئاسة مجلس الوزراء, وبأستشارة ذات المستشارين الذين لم نجنِ منهم خيراً, لعدم خبرتهم وتأهيلهم, وهو بحاجة لأعادة الدراسة وطرح القضية على الشعب بوسائل الأعلام والأستماع لآراء خبراء من خارج حلقة المستشارين التابعين لديوان مجلس الوزراء لكي لا يسبب الحل تدهوراً معاشياً خطيراً, وإضطراباً في الأسواق.أما إن بقيَّ الحل كما طرحته الحكومة ففيه غبن للفقراء ومعاقبة لهم على فقرهم.
وسؤالنا الأخير للكتل المعترضة على الحل الحكومي, وهم بالتأكيد يعلمون إن في كل العالم هناك رأياُ للمعارضة وحلولا بديلة لما تطرحه الحكومة ولكل معارضة في العالم حكومة ظل في أدراجها حلولا لكل قضية ورأيا ً في كل مشكلة .فأين حلولهم وما هيَّ طروحاتهم؟؟ فهل تعلَّموا شيئا من الآخرين ؟ أم إنهم ينتظرون الأشارة من هذه الجهة الإقليمية أوتلك الدولية التي لا تريد لنا خيرا ,وحينها يتفوهون بما يستنكره الناس لعدم معقوليته؟؟