23 ديسمبر، 2024 1:24 م

حديث خاص مع الأستاذ “عبدالأمير العبادي”

حديث خاص مع الأستاذ “عبدالأمير العبادي”

إلى حضرة الأستاذ عبدالأمير العبادي المحترم
من العميد الركن- المؤرخ- الدكتور صبحي ناظم توفيق

تحية طيبة لشخصكم المعروف بالأنامل البارعة والفكر الممتاز والطروحات المبدعة والمقالات الرائعة التي بلغ تعداد المنشورة منها العشرات بعناوين أخّاذة تُحسَدُ عليها.
فإسمح لي بمخاطبتك لإيرادك إسمي وسط مقالتك الموسومة:- ((لا يادكتور حميد عبدالله الحرس القومي دموي))، والمنشورة على صفحات هذا الموقع الأغر اليوم (الأربعاء-20/12/2017) الجاري.
لقد إستجلَبتَ إسمي في أسطر عديدة لحديثك الموجّه لزميلنا العزيز “الدكتور حميد العبدالله” وقتما قلتَ نصاً:-
((حتما ستعيد الاسطوانة المشروخة التي تحدث بها (المؤرخ) صبحي ناظم توفيق عن الشيوعين مزوراً الحقائق التي اشار لها “حنا بطاطو وليث الزبيدي ومكرم جمال” وغيرهم، متناسياً أن التركمان كانوا من من المسببين -وإلى اليوم- بعدم إستقرار المنطقة لتبعيّتهم القومية وإصطفاهم مع البعث وبعض القوى الرجعية للوقوف ضد الثورة، وما يثبت ذلك إشتغاله مع عبدالسلام عارف المشرف والمؤسس للحرس القومي))
إذن هناك أكثر من طرح يهمّني شخصياً وبشكل مباشر لا أسكت عنها:-
أنك وضعت صفتي (المؤرخ) بين قوسين في قصد مظنون فيه… لذلك أعلِمك أني (((مؤرخ))) فعلاً ولدي (عشرة) كتب تأريخية منشورة، (ستة) منها وثائقية، تُضاف إليها العشرات من البحوث والدراسات والمقالات المنشورة والإستضافات ذات الصبغات التأريخية لدى القنوات الفضائية.
أنا -يا أستاذ- لم أُزوّر الحقائق ((عن الشيوعين والتي أشار لها الأساتذة “حنا بطاطو وليث الزبيدي ومكرم جمال” وغيرهم))، وليس بإقتداري تزويرها أو المسّ بها… بل كنتُ شاهد عيان على أحداث دموية مروّعة عشتُ أيامها ولياليها بساعاتها خلال النصف الثاني من عام (1958) والنصف الأول من (1959)، وفي حين إعتمد أولئك الأساتذة الثلاثة على وثائق لا ولم أمتلكها -وسوف لن أمتلكها- فلم يُتَح لي ما فُرِشَ أمام ناظرَيهم من مخزونات فضلاً عمّا سمعوه من هذا وذاك، فقد إعتمدتُ -أنا- على ما سجّلته من مشاهد كارثية خلال الأيام الثلاثة لـ”مجزرة كركوك” التي خُطِّطَت تفاصيلها ونُفِّذَت بكل قسوة على أيدي الشيوعيين والبارتيين واليساريين بحق أهلي وأقربائي ومواطني مدينتي الحبيبة، في وقت كنتَ -أنتَ- طفلاً لم يتعدَّ عمرك (أربع) سنوات متنعماً في “البصرة” الفيحاء -المسيطر عليها شيوعياً- بعيداً بواقع (800) كلم عن مجريات مثل هذه الأحداث.
ولقد وصفتني شخصياً بعبارتك:- ((متناسياً أن التركمان كانوا من من المسببين -وإلى اليوم- بعدم إستقرار المنطقة لتبعيّتهم القومية وإصطفاهم مع البعث وبعض القوى الرجعية للوقوف ضد الثورة))!!! فأردّ عليك بما يأتي:-
متى وبأية مناسبة تسبب تركمان العراق في عدم إستقرار المنطقة؟؟ وهل ثاروا أو تآمروا أو خططوا لإنقلاب أو إعتصموا أو حملوا السلاح ضد الدولة العراقية منذ تأسيسها ولحد اليوم؟؟ وهل قطعوا الطرق ونهبوا وسلبوا وخطفوا؟؟ وهل قتلوا آلافاً من جنود الجيش العراقي وأفراداً من قواته المسلّحة؟؟ وهل هاجموا مؤسسات الدولة ودوائرها وسرقوها أو نهبوها؟؟؟ وهل أحدثوا فوضى في ديارهم وموطنهم أو أي بقعة من العراق؟؟ وهل حاولوا التمدد والتوغل في أرض غيرهم؟؟ وهل طالبوا بإستقلال أو حكم ذاتي وإقليم فيدرالي؟؟ وهل إنضمّوا إلى فصائل إرهابية فجّرت وقتلت مئات الآلاف من الأبرياء بالجملة؟؟ وهل شكّلوا فصائل مسلّحة وميليشيات؟؟ وهل دمّروا مدناً ونواحٍ وقرىً وإستباحوها وإنتهكوا الأعراض بالجملة؟؟
فلماذا هذا الإجحاف غير المبرر من لدنك؟؟؟؟؟؟؟؟
وأية ((ثورة)) تشير إليها؟؟ أهي ثورة الفوضى والدمار وعدم الإستقرار والمذابح والمجازر والتمثيل بالجثث وتعليقها على الأعمدة وقذفها في الشوارع والأزقة والمقابر الجماعية، والتي لم يألفها “العراق”؟؟؟… فإذا كانت ((ثورة 14/تموز/1958)) -العظيمة في أنظاركم- قد حققت كل هذه ((المنجزات العظيمة)) فمن حق التركمان -لو كانوا قد وقفوا ضدها- أن يتشرفوا بذلك حتى لو إصطفّوا إلى جانب ((الشيطان)) حيالها.
وإذا كنتَ تقصد بعبارة ((تبعيّتهم القومية)) بإرتباط التركمان بقوميتهم التُركية، فلا ضَير ولا يُنكَر كونهم مرتبطين بأمّتهم العريقة بعرق واحد وأولاد عمومة… ولكن ذلك شرفٌ يفتخرون به ويزهون، بل ويصرّون أنهم لم يتبعوا أو يكونوا عملاء يوماً ما لـ”موسكو” ولا “واشنطن” ولا “لندن” ولا “باريس” ولا “تل آبيب” ولا “طهران”… وفي حين لا يؤمن معظم التركمان بالعشائرية والقبائلية كونهم حَضَريّين ومَدَنيّين، فإنك أنتَ -ما دمتَ تحمل لقب “العبادي”- تقدّر إرتباطات الدم والجذور والأصول أكثر من التركمان بكثير.
أما عبارتك نحو التركمان بـ((إصطفاهم مع البعث وبعض القوى الرجعية للوقوف ضد الثورة)) فبها نأيتَ تماماً عن واقع “تركمان العراق” لبُعدك الجغرافي عنهم وعدم معايشتك لإياهم في مواطنهم… ففي الوقت الذي لا تُنكَر مقاومتهم للشيوعيين والبارتيين واليساريين حفاظاً على مواطنهم وأنفسهم، ولكنهم لم يصطفوا مع البعث بشكل مطلَق حتى بعد سيطرة هذا الحزب على سدة الحكم، سواء بعد (14/رمضان-8/شباط/1963) ولا حتى بعد (17/تموز/1968) مما أغاظ حكومة البعث ضدّهم فأقدمت على جملة خطوات جادة لتذويبهم ومئات الإجراءات لإيذائهم وتعريب مناطقهم، وذلك على عكس ((الغالبية الساحقة)) من أهل وسط العراق وغربيّه وجنوبيّه الذين تقلّبوا العديد منهم من شيوعيين إلى بعثيين إلى قوميّين ثم عادوا بعثيين مرة أخرى ولغاية غزو العراق وإحتلاله عام (2003).
وأُؤكّد لمقامك أن قلّة من التركمان من إنتمى للبعث في أوجّ سطوته بالحكم خلافاً لمن إستجلبهم هذا الحزب إلى صفوفه من أعراق العراق وطوائفه وأطيافه الأخرى… فلا أدري من أين أتيتَ بهذه الفرية يا أستاذنا الكبير!!!؟؟
والآن فلنعرج على شخصي وقتما تسترسل في مقالتك بقولك:- ((وما يثبت ذلك إشتغاله مع عبدالسلام عارف المشرف والمؤسس للحرس القومي)) لأثير أزاءها ما يأتي:-
ما هذا الربط الساذج بين عبارتك ((تسبب التركمان بعدم استقرار المنطقة لتبعيتهم القومية واصطفاهم مع البعث وبعض القوى الرجعية للوقوف ضد الثورة)) وبين ((إشتغالي مع الرئيس “عبدالسلام عارف”)) ضابطاً في الحرس الجمهوري؟؟؟
ويبدو أنك لا تعرف شيئاً عن العسكرية وقوانينها!! فهل من ضابط تخرّج لتوّه في الكلية العسكرية -أو حتى لدى كونه بأعلى الرتب- أن يرفض أمر مدير الإدارة بوزارة الدفاع ولا يلتحق بالوحدة العسكرية الـمُنَسَّب إليها، في وقت لم يكن جيشنا العراقي المنضبط بمثابة ((جيش محمد العاكول))؟؟!!
وأُضيف لمعلوماتك -التي تبدو متواضعة وسطحية في هذا الشأن- أن “عبدالسلام عارف” بعد سيطرة البعث على الحكم في (8/شباط/1963) ولـ(تسعة) أشهر متلاحقات كان مجرد “رئيس جمهورية” بالإسم معدوم الصلاحيات، وأن “الحرس القومي” قد تقرّر تأسيسه عند التخطيط لتلك الحركة التي لم يكن “عبدالسلام عارف” على علم بها ولا ضلعاً فيها لغاية الساعة الثامنة من صباح ذلك اليوم… وأنه لـمّا تلمّس ما آل إليه العراق من فوضى وعدم إستقرار على أيدي قادة البعث وحرسهم القومي، فقد بادر لإنقاذ الوطن من براثن ((حرب بَينيّة)) يخوضها مسلّحو جناحا الحزب المتصارعان على الكراسي… أما مقر “قيادة الحرس القومي” -تحت إمرة “المقدم الطيار منذر الونداوي”- فقد كان أول الأهداف التي قُصِفَ بالطائرات في “بغداد” وهاجمته وحدة من الجيش في الصباح الباكر ليوم (18/ت2-نوفمبر/1963) –((وكنتُ في حينه تلميذاً بالصف المتقدم من الكلية العسكرية))… كما قضت الخطة الإنقلابية على تجريد كل أفراد الحرس القومي من أسلحتهم وإعتقالهم كأسبقية أولى وقتل من يقاوم منهم.
وقد شَتـّتَ “عبدالسلام عارف” كوادر “البعث” وتنظيماته -العسكرية والمدنية- شذراً مَذَراً، وأبقاهم موقوفين أشهراً عديدة قبل أن يأمر بنقلهم إلى مناطق نائية وإبعاد ضباطهم من الصنوف الخطرة، كالقوة الجوية والدبابات والمدرعات… ولولا وفاته بحادث الطائرة مساء (13/نيسان/1966) لـما عاد “البعث” إلى سدّة الحكم مرة ثانية.
ذلك هو “عبدالسلام عارف” الذي خدمتُ في حرسه الجمهوري وحماية نظامه -ولكن بصفتي ضابطاً في الجيش العراقي- لعامين متتاليين بإخلاص -ولو كان على مضض- قبل أن أتقدّم بعريضة رجاء لمدير إدارة الجيش لنقلي إلى إحدى الوحدات العاملة في شمالي الوطن… وتمّ ذلك.

وختاماً أرجو قبول فائق إحترامي لقلمك الذي تنقصه الكثير من المعلومات مع الأسف.