23 نوفمبر، 2024 1:53 ص
Search
Close this search box.

وقفة مع أنفسنا

وقفة مع أنفسنا

لاشك أن كثيرا من السلبيات يقابلها كثير من الإيجابيات نحملها جميعنا في نفوسنا، نعكسها بطبيعة الحال كتصرف أو فعل أو رد فعل في سلوكياتنا، وبذا يكون حريا بنا جميعا وضع أنفسنا في موازين عدة، أولها ميزان المصارحة والمكاشفة مع النفس أولا، ومع الغير ثانيا، فنكون إذاك قد وضعنا أقدامنا في بداية الدرب السليم، أو غيرنا مسارها باتجاهه إن كانت في الدرب الخاطئ، وقطعا علينا التسليم بأن كلنا “خطاؤون وخير الخطائين التوابون”.
هناك حقيقة لاأظن أحدا يكذّبها، أننا نحن العراقيين غارقون في سلبياتنا.. شئنا أم أبينا.. اعترفنا أم لم نعترف.. والحديث عنها يبدأ منذ عقود ولاأظنه ينتهي هذه الليلة أو ضحى الغد، وماقصدي بـ “نحن” إلا المواطنين، وليس متقلدي المناصب العليا في البلد، ولاسيما أصحاب القرار وأولي البت فيه، فنحن -المواطنون- أصحاب البلد الشرعيون، ويرث بعدنا أولادنا وأحفادنا هذا الحق، أما أصحاب العروش والكراسي، فهم زائلون بزوالها.. ولهم بعدها الرحمة او اللعنة كل بجريرته وبما عمل. ولو أمعنا في كثير من السلبيات التي آلت اليها أحوال البلد، للمسنا أن المسبب الأول فيها هو “نحن”، ولعل قائمة سلبياتنا يتصدرها خطؤنا التأريخي، ذاك الذي اقترفناه مرات ثلاث، حين أقبلنا بشغف على صناديق الاقتراع، ووضعنا علامة صح أمام أسماء شخوص غير أكفاء، وانتقينا مسميات لقوائم وكتل وفق وحدات قياس ومعايير تقييم لم نوفق بالاعتماد عليها، وهاهو حصاد مابذرناه يعود وبالا علينا، فهل يدفعنا هذا الى الاستسلام والخنوع تحت طائلة حساب الضمير؟ وهل يصح الاستلقاء على ظهورنا في ظل الرضوخ لما ارتكبناه بحق أنفسنا كتعبير عن جلد الذات؟.
يحكى ان الجنرال نابليون بونابرت يرد بثلاث على ثلاث: من قال لا أقدر، قال له: حاول. ومن قال لا اعرف، قال له: تعلم. ومن قال مستحيل، قال له: جرب. انا كعراقي.. أراني والعراقيين أعمق إرثا من نابليون وشعبه الفرنسي، ففي تاريخنا حكماء وواعظون كثر، سبقوا اولئك الفرنسيين بأقوالهم في مايحث على التحلي بالأخلاق الحميدة، والطبائع الطيبة والتعامل السمح مع بعضنا، فهناك في تاريخنا العريق من قال:
عامل الناس بخلق رقيق
والقَ من تلقى بوجه طليق
فاذا انت قليل العدا
واذا انت كثير الصديق
وباتباع النصيحة هذه نكون “نحن” قد غلبنا أرباب الحكم في بلدنا، وصححنا شيئا من سلبياتنا في تعامل بعضنا مع البعض، ونقدم حينها درسا بليغا لساستنا في “المصالحة الوطنية” التي نخروا بتكرار ترديدها آذاننا، في وقت يوجب عليهم أن يكونوا قدوتنا في التصالح الوطني. لذا أتقدّم من منبري هذا بدعوة عامة للجميع، أول من أدعوه لها من العراقيين نفسي: لنفعِّل خصالنا الحميدة والجميلة الموجودة حتما في نفوسنا التي جُبلت عليها بالفطرة، بدءًا من رقيق الكلام ودماثة الخلق والجود والعطاء، والتسامح في تعاملنا اليومي مع بعضنا في البيت والشارع ومحال عملنا، ومن تعثر في اولى خطواته فليتذكر شاعرنا العربي -وليس الفرنسي- الذي قال:
لاتيأسن اذا كبوتم مرة
ان النجاح حليف كل مثابر
ولتتكرر المحاولة لمن قال لا أقدر، أما من يقول لا أعرف.. فخير معلم له سيرة أجدادنا وأخلاقهم وحكاياهم، في كل مدن العراق وأزقته وبيوته المفعمة بروح التآصر والحب والألفة. ومن قال: مستحيل.. فهو من يريد وضع العصي في دواليب مركبة تقدمنا، وعلينا رده وردعه وإبعاده عن قافلتنا لتسير بأمان وسلام. ورحم الله نابليون وكل من قال قولا سليما.

أحدث المقالات

أحدث المقالات