“فلسطين قضيتُنا، أخرجونا واحنا نحرر فلسطين”. كانت تلك العبارة آخر ما تشدق به قادة الإخوان على لسان مرشدهم محمد بديع، وذلك في إطار محاولات بائسة لحشد بقايا التعاطف، كمن يطلب الإستغفار في لحظات الإحتضار.
كعادته وبإسلوب قائم على المناورة البهلوانية، يخاطب بديع بقايا مؤيديه بالداخل وفلوله بالخارج.
عبارة بديع استحضرت إلى الأذهان أهازيج لطالما ردَّدَها أنصارُ الجماعةِ على مدارِ عقودِهم الثمانيةِ مثل “خيبر خيبر يا يهود… جيشُ محمد سوفَ يعود”. تلك العبارات التي انتظمت في حشود استعراضية، إنطلقت في إطار فعاليات تنظيمية للجماعة، لكنها غابت طوال فترة وجود الإخوان بالسلطة على مدار اثنى عشرَ شهر (ما بين يوليو 2012 و يوليو 2013) لتحل محلها مظاهرات التأييد لرئيس فرضته تعقيدات المشهد السياسي المصاحب للحالة الثورة التي مرت بها المجتمعُ المصريُ في تلك الأثناء.
من بين ما استحضرت عبارات بديع مواقف فعلية عبرت عن حقيقة موقف الجماعة من القضية الفلسطينية بل ومنظومة الأمن القومي العربي بشكل عام بعيدا عن لغة الشعرات.
فبتاريخ 19 يوليو 2012 أرسل محمد مرسي خطاباً لـ “شيمون بيريز” رئيس الكيان الصهيوني جاء بين سطوره “عزيزي وصديقي العظيم، لما لي من شديد الرغبةِ في أن أُطَوِرَ علاقات المحبةِ التي تربُط لحسنِ الحظِ بلدينا، فقد اخترتُ السيد السفير/ عاطف محمد سالم سيد الأهل ليكون سفيراً فوق العادةِ، ومفوضاً من قبلي لدى فخامتكم”. واختتم مرسي خطابه لبيريز بعبارة “صديقكم الوفي”.
وفي 21 نوفمبر 2012 تم الإعلان عن اتفاقٍ للتهدئةِ بين حماس والكيان الصهيوني كان من بين بنوده، أولا) ألا تقوم إسرائيل بوقفِ كل الأعمال العدائيةِ في قطاع غزة براً وجواً. ثانيا) تقوم الفصائل الفلسطينية بوف كل الاعمال العدائية من قطاع غزة تجاه إسرائيل بما في ذلك إطلاق الصواريخ والهجمات عبر الحدود.
والجدير بالذكر أن حماس التزمت طوال الفترة التالية بعدم القيام بأي سلوك عدائي تجاه إسرائيل، فلم يتم رصد أي قذيفة ولا حتى حجراً سقطتَ على اسرائيل من جانب حماس طوال فترة حكم الاخوان في مصر وذلك تحت ذرائع مختلفة دعمتها آلة الدعاية المؤيدة للإخوان بغرض دعم حالة الإسترخاء بين الجماهير لصرف انتباهها عن ممارسات الإحتلال الصهيوني، والقضية الفلسطينية بكاملها لصالح التوجه العدائي للدولة المصرية، وبذل كافة الإمكانيات والمساعي داخلياً وخارجياً، حتى وإن تطلب ذلك توفير الغطاء السياسي والدعم الخارجي بكافة أشكاليات لعمليات الإرهاب التي استهدفت استقرار مصر.
هنا لم نسمع من الجماعة أية إشارات ناقدة عن التعاون التركي الإسرائيلي في عهد الخليفة المزعوم “طيب أردوغان” ولاسيما على مستوى معدلات التبادل التجاري التي تتراوح ما بين 4-5 مليارات دولار سنويا بين أنقرة وتل أبيب مع زيادة ملحوظة خلال السنوات الخمس الأخيرة رغم التوتر السياسي المزعوم، ولا حتى أية إشارة إلى المناورات العسكرية المشتركة بين أنقرة وتل أبيب والمعروفة بـ “نسر الأناضول”.
توارت أهازيج الجهاد الإخوانية أمام تنامي مؤشرات التعاون التركي الإسرائيلي والتي بلغت ذروتُها مع لقاء وزير الطاقة الإسرائيلي “يوفال شتاينتس”، مع نظيره التركي “بيرات البيرق” (وهو صهر أردوغان) خلال مؤتمر الطاقة العالمي باستنبول في شهر يوليو الماضي، وذلك على الرغم من تشنجات أردوغان الظاهرة نحو تل أبيب، حيث تم الإعلان عن تسريع أوجه التعاون بشأن تصدير الغاز الإسرائيلي لأوروبا عن طريق تركيا وإنشاء أنبوب غاز مشترك قبالة شواطئ البحر الأبيض المتوسط.
طبيعي أن يتغافل العقلُ الإخوانيُ ومن خلفِه آلةُ الدعايةِ المنطلقة من أنقرة لمثل تلك العلاقات الكارثية على الأمن القومي العربي كافة وليس القضية الفلسطينية فحسب. إلا أن المثير حقا أن تجد مثل تلك السلوكيات البهلوانية سبيلا نحو عقول باتت مفتونة ببريق تلك الترهات.
أخيراً، اين كان جهاد بديع وإخوانه وقت الحرب الإسرائيلية على غزة؟ لماذا لم يشهر سيوفَه واكتفى بجهود الدبلوماسية وعبارات الصداقة والوفاء التي زخر بها خطاب مرسي لبيريز؟