عندما نتحدث عن مصيبة العراق الحقيقية, فانه يمكن أن يشخصها الطبيب والفلاح والشحاذ والأستاذ, أن الفساد والذي انتشر في كل مفاصل الدولة, وأصبح دولة داخل دولة يتحكم في مصير البلد, وفشلت كل الحكومات في الحد منه, بل أن بعضهم كان جزء منه, والى اليوم ملفات الفساد مفتوحة بحق قيادات كبيرة تم إهمالها, ولم تقم الحكومات بأي جهد حقيقي لحرب الفساد, فقط أطلاق الشعارات لتخدير الأمة وللمزايدة فقط.
بل أن الطبقة السياسية لولا الفساد لما دامت أيام تمكنها من الكرسي, فالفساد صاحب فضل كبير على الطبقة السياسية, بالمقابل هي عمدت على حمايته وتنميته لتدوم أيام ثرائها.
اعتمد النظام الذي تشكل بعد عام 2003 على مبدأ مهم وهو “الرشاوى”, وقد كرسه الاحتلال الأمريكي عبر فسح المجال له ليدخل كل مفاصل الحياة, فيعم الفساد القطاع الحكومي والقطاع الخاص من خلال خطوط الاتصال فيما بينهما, عبر آلية الرشوة والتي لها أنواع عديدة, في مقابل الحصول على منافع حكومية, حيث يتم دفع الرشاوى لتخطي القواعد والنظم والتعليمات والإجراءات الحكومية, لتكون المنافع من نصيب ثلة فاسدة مرتشية مقربة من الطبقة السياسية.
سنتحدث هنا عن بعض أشكال الفساد السياسي في العراق, التي حصلت ومازالت تحصل الى اليوم في ظل موت الرقابة ونوم القانون:
●بعض إشكال الفساد السياسي في العراق
أولا: الرشاوى تبرز في مجال المناقصات والمزايدات بغرض الفوز بعرض حكومي على حساب النواحي الفنية والمواصفات, فمن يدفع أكثر يفوز بالعروض الحكومية حتى لو كان صفرا من ناحية العمل والتنفيذ, فالمهم دفع الرشوة, هذا النظام تم دعمه من قبل أحزاب السلطة!
ثانيا: عندما تبيع الدولة ارض, فان الرشاوى تدفع لتكون اقل من سعرها السوقي, مقابل رشوة مناسبة وفقط لطبقة مرتشين مقربين من الطبقة السياسية, وكل شيء يجري تحت مظلة القانون والسلطة وبعلم اذرع الساسة.
ثالثا: دفع الرشاوى ونسب معينة لشخصيات نافذة للحصول على النقد الأجنبي, بأسعار تقل عن أسعار السوق, وهذه مصيبة كبيرة تجري من دون رقابة فعالة, فالمستفيد هو من يملك مفاتيح الرقابة, فيتعطل القانون وتموت الرقابة والمحاسبة, ويمر كل هذا الفساد ومنذ سنين طويلة.
● الفساد عبر الخصخصة
أما الخصخصة فهي باب كبير للفساد, كما حصل في الكثير من دول المنطقة التي طبقت الخصخصة “سيئة الصيت”, فالاعتماد على وسيط لإتمام العمل, وهي بالأغلب شركات مقربة ومزكاة من الأحزاب الحاكمة, وهو باب كبير للفساد, في ظل غياب القانون وتنامي وحش الفساد, بيع الدولة لبعض مؤسسات الدولة فهو يخلق فرص كبيرة للفساد, بحسب تواجد شبكة منظمة ومحمية لإخضاع كل شيء للفساد وتوزيع نسب الإرباح بين الكبار, وهذا الأمر يتسبب بضياع أموال الدولة ونمو وحش الفساد.
فالخصخصة تحتاج لوجود قانون منفذ ومحمي, وسلطة خاضعة للقانون, مع تواجد مجتمع واعي, وكل هذا غير موجود مما يحول الخصخصة الى بوابة للفساد الكبير, واعتقد ليس العلة في الموظفين الصغار ولا في المجرمين, لكن العلة تكمن في الطبقة السياسية وأحزاب السلطة والبرجوازيين والذين يجدون في ضعف القانون ودوام الفساد استمرار مكاسبها.
● المناصب الحكومية والمزاد السياسي
بعد كل موسم انتخابي ينشط سوق لبيع المناصب الهامة والتي تدر الأموال أو تعطي نفوذ, والتي تدر إيرادا خفيا عبارة عن رشاوى ضخمة وبشكل شبه يومي ومستمر, ففي الدولة الفاسدة يصبح لكل موقع ثمن, وبحسب التنافس الحزبي على المواقع وحصص من الكعكة يصبح للحصص ثمن معين ومقايضات وتبادل بين الأحزاب, ومن يأتي للمناصب يكون شخص مدرك أن المنصب مغنم وفرصة للثراء وتعويض ما تم صرفه لأجل كسب المنصب ثم عليه أن يقبل مطالب الحزب الذي سهل له الأمر.
فتحول المنصب الى كرسي لنشر الفساد, ويكون محمي مناي مسائلة او رقابة لان كل شيء بمظلة الأحزاب الحاكمة.
● دعوة
هذا تشخيص لبعض أبواب الفساد السياسي في العراق, التي لم يتم غلقها الى اليوم, وتشكل أهم أركان ضياع الدولة, وسبب هشاشة البناء المؤسساتي في العراق, نتمنى أن تصحوا ضمائر الساسة وتجعل من مصلحة الوطن والأمة مقدمة على مصالحها, وان تخاف الله فتحفظ حقوق الأمة والوطن.