في ظل المتغيرات الجديدة والوقائع والمعطيات على الأرض، والقراءة الدقيقة للأحداث التي طرأت على الساحة الكوردستانية والعراقية، والخرق الفاضح للدستور في بغداد، والتجاوز المستمر لمبادىء الشراكة التي بنيت عليها العملية السياسية في العراق بعد إسقاط صدام، وإعتماداً على ما عندنا من إرث سياسي، وتقديراً لخطورة الظرف الذي نعيشه والتحديات الكبيرة والكثيرة التي تواجهنا، تحاول حكومة إقليم كوردستان حل الأزمات والمشكلات السياسية والاقتصادية سواءً داخل الإقليم أو مع حكومة بغداد، والتغلب عليها من خلال التمسّك بخيار الحوار العقلاني. وبحكم مسؤولياتها القانونية والدستورية، بدأت بإجراء مراجعة شاملة وعامة للظروف التي سبقت ظهور الأزمات، لتحديد القواسم المشتركة بينها وأسباب ظهورها، قريباً من الواقع وبعيداً عن التنظير، لتكللها بنصر شامخ، وفي هذا الشأن الحيوي تريد أن تكون للبرلمان والأحزاب السياسية والقضاء ومنظمات المجتمع المدني والمواطنين عموماً أدواراً إيجابية في هذه المهمة المصيرية. وتعول بشكل خاص على البرلمان الكوردستاني لتقييم التحديات الرئيسية وتشريع القوانين التي تثبت ترسيخ مفهوم المواطنة التي يدعو اليها الجميع عبر مجموعة إجراءات ومفاهيم يستوعبها المواطن ويعمل على تطبيقها بحس وطني نابع من الشعور بالمسؤولية والتباهي بها، وكذلك على القضاء بحيث لايحابي ولايسامح، ويساند القانون ويطبقه من خلال الأحكام الضرورية بمهنية. كما تعول على العلاقة الإيجابية بين الإحزاب السياسية الكوردستانية، لأنها ستكون في صالح الحكومة وخصوصاً فيما يتعلق بالقرارات السياسية والإقتصادية التي لها تأثير كبير على تحقيق طموحات شعبنا. هذه العملية معقدة الى درجة يمكن أن نصفها بالمعركة الصعبة التي تستوجب الإرادة السياسية الصلبة التي تنهي الخلافات البينية والتي لا تتهاون أو تتوقف أو تؤجل الإجراءات القانونية اللازمة، للعمل كفريق منسجم فعال، لمواجهة وتجاوز التحديات، عبر إصدار مجموعة قرارات وأوامر وتعليمات تحقق العدالة الإجتماعية بين جميع افراد الشعب دون تمييز.
على مدى التأريخ لم تكن إزدياد شدة الأزمات وإستفحالها سبباً كافياً لتدمير المجتمعات وإنهيارها، وخاصة تلك القادرة على تنظيم مسيرتها ومقاومة تصدعاتها بقيمها ومثلها العليا والراغبة في مواجهتها، والأمثلة تثبت أنه كلما كان الفكر السائد في المجتمع متقدماً، إزدادت قدرته على تجاوزها.
وفي كوردستان تتفق أغلب التقارير وإفادات المطلعين على الأوضاع، وكذلك الذين واكبوا الأحداث التي أدت الى ظهور الأزمات على أن الازمات نجمت نتيجة لسوء الإدارة وأخطاء النظامين المالي والاقتصادي والفساد الموجود فيهما بدرجات مختلفة، وقراءة الأمور بشكل خاطىء بسبب مصالح فئوية وحزبية، كتعيين الكثيرين في الدوائر الحكومية وبدرجات عالية، والانفجار السكاني بسبب نزوح مئات الألاف اليه من بقية مناطق العراق، والقطع المفاجيء لحصة الإقليم من الموازنة الاتحادية والهبوط العالمي الحاد لأسعار النفط، والحرب مع الارهاب، إضافةً الى التهديدات الخارجية والإجراءات غير الدستورية وغير الأخلاقية، كغلق المنافذ الحدودية وفرض الحصار ومنع حركة الطيران في مطارات الإقليم، ومحاولات فرض أمر واقع خارج عن الإرادة الداخلية، والحرب مع الارهاب، وهناك أزمة من صنيعة حزب سياسي معين، يحاول إختلاق المشكلات السياسية والقانونية الداخلية، وأن يستغل الأوضاع بهدف الكسب السياسي غير المشروع، ليؤثر فيها ويتفاعل مع معطياتها وظروفها.
على العموم، الأزمات عندنا مختلفة ومتشعبة، لكن جميعها معلومة الصلات، ونمتلك عنها معلومات كافية، لذلك نستطيع تجاوزها، لو عقدنا العزم على تجاوزها وساندنا حكومة الإقليم بجد، من خلال التعامل معها بمرونة وحرص وحكمة، وإذا لزم الأمر بقسوة وشدة لتخفيفها وللحد من نموها وإتساعها، والبدء بتكتيكات تتجسد بتفتيتها وتحطيم مقوماتها، والتأثير في تفكير المسببين لها. والمرونة في معالجة الازمة تتطلب، تقدير الموقف وإتجاهه الاساسي، ودراسة مكوناتها والقوى الواقفة خلفها، وعلاقاتها بالأزمات الأخرى وتهديداتها المستقبلية، وتفنيد كل أنواع الشائعات التي تدافع عن مسببيها، وعدم التنحي بعيداً عن الأزمة، والتحرك مع سرعة إندفاعها، لأجل خفضها أو في الاقل توجيهها نحو جهة أخرى أو إتجاهات فرعية تبعدها عن أهدافها الاساسية.
وأخيراً نقول: المواطنون في إقليم كوردستان، من كافة الشرائح الإجتماعية والسياسية وفي جميع المواقع، متعطشون لمعرفة الحقائق عن مجريات الأحداث بين حكومتي بغداد وأربيل، وتوجهات ونيات الاولى أزاء مطالب الأقليم الدستورية والشرعية، ومستقبل الديمقراطية في البلاد، ومتعطشون أيضاً لمعرفة نتائج مشاورات حكومة الاقليم مع الاطراف السياسية الكوردستانية، لمعرفة هدف وإستعداد كل طرف للمساهمة في إعادة اللحمة للوضع السياسي من أجل مجابهة التهديدات والتحديات، لفرز الصالح عم الطالح. ومتعطشون أيضاً للإطلاع على رغبة حكومتهم في العمل الجاد لتأمين الحقوق الدستورية للأقليم والوصول الى صيغة موحدة لمخاطبة حكومة بغداد، وإيجاد حل مناسب لجميع المشكلات العالقة عن طريق الحوار والتفاهم، كما ينتظرون من سلطات الاقليم وضع إستراتيجية وطنية وقومية وخطة أقتصادية ناجحة تسعى لممارستها وتنفيذها، بأعتماد آلية منصفة تتم بموجبها تقديم المزيد من الخدمات التي ترتقي الى مستوى التضحيات التي قدموها خلال السنوات والعقود الماضية.