23 ديسمبر، 2024 8:47 م

القيمة الآدمية العليا..عبور فوق الاثنيات

القيمة الآدمية العليا..عبور فوق الاثنيات

كل من يلبس جلباب أو ثوب الطائفية أو يٌركب المعتقدات والأمزجة والتقاليد الاثنية فوق رأسه ,ويتخذه قاعدة إيمانية وعقائدية لتعاملاته اليومية مع الأخر,ينزع شيئا من أدميته,
لأنه يفقد من خلال تأثره بقناعاته ومعتقداته الأحادية المتطرفة,قدسية النوع والصفة والطبيعة أو التركيبة الكونية الخاصة بالإنسان(وهذه صفة الحركات السلفية  والجهادية المهاجرة إو المقيمة في الدول الأوربية),
 قال تعالى{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ..أية الإسراء 81}وكذلك (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم …أية التين 4)
يقول المفكر ادوارد سعيد في كتابه “الانسنية والنقد الديمقراطي”(يتعين علينا مراجعة مفهوم الهوية الوطنية برمته,فالمسلمون من شمال أفريقيا والأكراد والأتراك والعرب من الشرق الأوسط,وأبناء جزر الهند الغربية والشرقية,إضافة الى رجال ونساء في عدة بلدان افريقية, قد غيروا إلى الأبد الوجه الجمعي لبريطانيا وفرنسا وألمانيا وايطاليا واسبانيا وغيرها من بلدان أوربا,وثمة خلائط مذهلة من القوميات والأعراق والديانات من أزمنة أمريكا أللاتينية المتباينة..تنوعا ضخما في اللغات والثقافات يتعايش معظمها ويتفاعل سلميا مع بعض في مجرى الأحداث الطبيعية,والنقطة هنا انه من كل العتاد الموروث من الفكر السياسي للقرن التاسع عشر,فالهوية القومية الموحدة المتناسقة والمنسجمة هي ألان الفكرة الأكثر تعرضا للمراجعة..)
المراجعة التي تحتاجها المجتمعات الغربية صاحبة فكرة القرية الكونية(مبتدعة النظام العالمي الجديد),هي إمكانية البحث الجدي في تعزيز مفهوم تعدد الثقافات وحتى الأديان,ففي بلاد الشرق مهد الحضارات والأديان العريقة عرفت أرضهم مثل هذه التقاليد, رغم الإخفاقات والأزمات والصدامات التي سبق وان سجلها التاريخ,او قد تحصل في المستقبل,لكن الأقوام والطوائف والأديان المختلفة لازالت متمسكة بمفهوم الوطن ألام (موطن الآباء والأجداد),يبقى حذر الدول الأوربية من تصاعد وتيرة المطالب والتقوقع ألاثني للمسلمين أو بقية الاثنيات الأخرى حذرا مشروع,إن لم يعالج معالجة جذرية,
ولذلك نرى أن الأمة الألمانية أو حكومتها الحالية جادة في مناقشة تلك المتغيرات,على اعتبار أن هذه الدولة العريقة الثقافة والمهتمة بالدراسات الإنسانية والاجتماعية والفلسفية,قادرة على اخذ المبادرة في فتح قنوات العلاقة الثقافية المتبادلة بين الشرق العربي او الإسلامي وبين قلب أوربا الحديدي,بينما نرى نقد فكرة الصدام الحضاري عند سعيد نقدا لاذعا ,يعده ثقافة مبتذلة ومختزلة,عادا مسألة التعريف والعودة إلى الثقافة الأكاديمية الخاصة بعلم الانسنيات أمر جوهري مهم رغم الطريقة والآلية الروتيني التي تتعامل الدولة والمجتمع مه هذه الدراسات الهادئة,
يقول في كتابه الانسنية والنقد الديمقراطي..لايوجد أي تناقض بين ممارسة الانسنية وبين ممارسة المواطنة التشاركية..هدفها هو التمحيص النقدي للأشياء..مشيرا الى وجود أمثلة سلبية عديدة يقدمها لنا تاريخنا ,وتقدمها العبر العامة للتجربة الحداثية على امتداد العالم…تنثر تلك النماذج السلبية عواقب الخرائب والهدر والعذابات الإنسانية غير المحددة,ويشدد ادوارد سعيد على وجود ثلاثة أمور سلبية مؤثرة منها القومية,والحماسة الدينية ,والنزعة الاستئثارية الصادر عن الفكر ألانتمائي,مركزا اهتمامه حول خطورة الحماسة الدينية على اعتباره اخطر مايتهدد المشروع الانسانوي…..
يأتي الاهتمام بما يطرحه الكاتب سعيد هو من خلال تحديد خطوط العلاقة المتقطعة بين مركزية الاهتمام الثقافي الأوربي المنعزل وبين ثقافة الشرق الأوسط(على اعتبار انه ينتمي الى تلك الثقافتين او البيئتين),يقول أيضا: انه لمناسب جدا للمثقف الانسني المعاصر ان ينمي ذلك الشعور بالانتماء إلى عوالم متعددة وتراثيات معقدة متفاعلة..مهمته أن يكون داخليا وخارجيا بالنسبة إلى الأفكار والقيم المتداولة التي هي قيد البحث في مجتمعنا او في مجتمع أناس آخرين او في مجتمع الأخر.
نكتفي بهذا القليل المختصر من الاهتمام الإنساني بالخصوصيات البشرية المنتشرة حول العالم,المشاكل التي تعكر صفو الأمن الاجتماعي والوطني للدول القلقة,التي لم تشتهر أي فئة من فئاتها بطبيعة أخلاقية إنسانية متسامية ومترفعة عن بقية المسميات الفئوية الضارة,ليست مسألة إطلاق فسحة الخيارات الثقافية والاجتماعية للدول المتعددة الثقافات او الاثنيات,والنظر بالحلول عبر فتح نافذة او باب فدرلة الدولة(تشريع النظام الفيدرالي) ,او تقسيمها إلى أقاليم وأنظمة للحكم الذاتي ,وإنما تتم وفق برنامج ثقافي رسمي وشعبي عام للمصالحة الذاتية بين تلك الثقافات والاثنيات المختلفة,وذلك بتراجع الاهتمام الرسمي بتلك التقسيمات البينية الداخلية,وإنقاذ الأجيال القادمة من براثن تلك المنغصات الاجتماعية,تكون المبادرة الوطنية الثقافية بيد الأغلبية الاجتماعية(الأغلبية الطائفية او العرقية والاثنية) او السياسية,
تقدم التنازلات المطلوبة لبقية الأقليات التي تعرف إنها لن تتفوق لا سياسيا, ولا ثقافيا ,او حتى اجتماعية على تلك المكونات,على العكس من التصرفات الاستفزازية التي أقدمت عليها معظم الدول الأوربية في مسألة التعاطي مع خطر العمليات او الجماعات الإرهابية المتواجدة على أراضيها,مما جعلها ترتكب أخطاء اجتماعية وسياسية عكرت مزاج المجتمع ككل,ومزعزعة لفكرة عدالة النظام الديمقراطي الغربي,
بنظرتها المتخلفة الى المجتمع او الأقليات المسلمة المتواجدة في دولهم,مشيرة بأصابع الاتهام إلى الأسباب الجوهرية المتعلقة بالثقافة والخلفية الاثنية والحضارية المسؤولة عن تلك النتائج والأحداث المصاحبة لها.
ترتفع عندنا القيمة الآدمية الاعتبارية في نظر الفكر الأكاديمي او التراثي للإنسان,بعد ان تختلط التجارب الشخصية الواقعية وتتشارك بالرؤية الكونية للمجتمعات والأمم وحضاراتها,فتجد رغم التجاهل الأوربي للمنجز الشرقي ,ومساهماته في صناعة او تكون ثقافة او حضارة العالم الكونية البدائية او الابتدائية(على الرغم ان البعض يقول لانملك أي مساهمة في بناء العالم المتحضر الحالي,دون الإشارة الى دور إمبراطورية العرب في اسبانيا),
نظرات فلسفية إنسانية تتجاوز البيئات والحدود والثقافات,بل أصبح عدد كبير منهم يٌنظر ويٌفكك لثقافة الأخر ,وفقا لوجهة نظره ,وخلفيته الثقافية والاجتماعية(كما يحصل في كتابات الرحالة الأجانب والمستشرقين في بلاد العرب),
وهذه هي نكبات المجتمعات الشرقي أوسطية,فهي لاتحترم خصوصياتها الثقافية والحضارية,فضلا عن الحقب السياسية المأساوية(الاستعمار والأنظمة العميلة),وصعود أنظمة شمولية فاسدة ومتخلفة ,صادرت الحقوق والحريات,وأغلقت نوافذ الإبداع والتطور والازدهار
خلاصة القول  ان تجربة الاغتراب والاختلاط والتعايش مع البيئات والمجتمعات الغربية او الأجنبية,ولدت حالة إنسانية عالمية تمتع بها العديد من مثقفي ومفكري هذا الاغتراب,على اعتبار ان فكرة وثقافة اندماج اللاجئ الغريب الهارب من جحيم وطنه في تلك المجتمعات, أعطت له فرصة الانتقال إلى مرحلة أعلى وأسمى في بناء وتقييم العلاقة الآدمية(بعيدة عن الاعتبارات الاثنية) بين المجتمعات والشعوب المختلفة ,رغم الاختلاف الديني والطائفي والعرقي,
وهذه احدى بركات النظام العلماني الحديث,بينما لازلت دول الأم عاجزة عن بناء وانسنة  ثقافة اجتماعية عصرية متناغمة مع الثقافات الإنسانية العالمية,ليس لها إلا التفريغ الديني المتطرف ,وصب جحيمه فوق رؤوس الأجيال التائهة في بحر الأمواج الالكترونية ,مع ان العيب ليس في الديانات السماوية ,وإنما في المصالح الشخصية والفئوية الدينية المرتبطة بعالم السياسة والوجاهة ,وكذلك الاقتصاد والمال
(تفزع وترتعد  للتعامل الوحشي المقدم في بعض المستشفيات العربية,بينما لاتجد لمسات الرحمة إلا في أيادي الأطباء والممرضين او الممرضات الأجانب,احد الأصدقاء يقول ذهبت في زيارة الى العراق,وشاءت الأقدار ان اخذ ابني المريض   وهو من ذو الإعاقة الذهنية الى عيادة احد الأطباء,وعندما دخلت على الطبيب قال لي بالحرف هذا ابنك مخبل يعني مجنون..خرجت بباب العيادة وبدأت أنحب وابكي ,لاني في ست سنوات في الغربة لم اسمع أحدا ينعت ابني بهذا الوصف الساذج)…………..تكملة في مناسبات قادمة… ان شاء الباري عز وجل