23 ديسمبر، 2024 12:50 م

العبادي وما يزيد عن حدّه

العبادي وما يزيد عن حدّه

أظنُّ أنّ موقف رئيس الوزراء حيدر العبادي حيال الأزمة مع حكومة إقليم كردستان قد تجاوز كثيراً الحدود المقبولة، و”ما زاد عن حدّه” انقلب ضدّه، كما قالت العرب، وهذا ما نخشاه في الحال القائمة الآن بين بغداد وأربيل.
في غير مناسبة تعمّد السيد العبادي إهمال، أو التقليل من، دور قوات البيشمركة في مواجهة داعش وتحرير المناطق التي احتلّها، وبلغ الأمر ذروته بفعل ذلك حتى في بيان النصر على داعش الذي ألقاه يوم السبت الماضي، وهذا ما يُمكن أن يعطي الانطباع بوجود نزعة شوفينية لدى السيد العبادي، لأنّ فعله هذا يمثّل تجاوزاً كبيراً على تضحيات كبيرة لمؤسسة لعبت الدور الحيوي في ضمان الأمن والاستقرار في جزء كبير من العراق، فضلاً عن مساهمتها غير القابلة للإنكار في محاربة داعش وتحقيق النصر عليه. وزاد من الأثر السلبي لخطأ رئيس الوزراء أنّ مقرّبين منه برّروه وسوّغوه واستثمروه في النكاية بالبيشمركة، بل إنّ بعض السفهاء من “المحللين” تجرّأوا بنفي كل دور للبيشمركة في حرب التحرير من داعش!
لا شيء يُمكن أن يُبرّر الخطأ الحاصل، وقيام مكتب رئيس الوزراء لاحقاً بإضافة البيشمركة إلى النسخة المنشورة على الموقع الإلكتروني لرئاسة الوزراء لبيان النصر لا يخفّف من فداحة الأمر. كان من الواجب أن يتحلّى مكتب رئيس الوزراء، وحتى السيد العبادي نفسه، بالشجاعة وبالمسؤولية الوطنية للاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه، فالاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه من شيم وخصال رجال الدولة الحقيقيين الوطنيين ومؤسسات الدولة الوطنية الرصينة.
ما الذي يريده السيد العبادي ومكتبه بالضبط من هذا الموقف المتشدِّد حيال الإقليم وشعبه؟.. هل حقاً يريد صون وحدة العراق؟ .. هذا لا يكون باستعداء قوميّة رئيسة في البلاد ولا بمعاقبتها جماعيّاً عن “خطأ” ارتكبه سياسيّون منها.
بسياسة مثل السياسة التي ينتهجها رئيس الوزراء حيال القومية الكردية، إنما يدفع السيد العبادي بالكرد دفعاً للتعصّب والتشدّد، ما يُمكن أن يخلق بيئة مناسبة لنشوء تيّارات قومية غير عقلانية بين الكرد، وهذا ما عنينا بالخشية من وقوعه في الإشارة إلى قول العرب “ما زاد عن حدّه انقلب ضدّه”.
من أسوأ الأشياء ألّا يعتبر السيد العبادي بتجارب سابقيه من حكّام هذا البلد وألّا يتفحّص عواقبها. صدام حسين ذهب إلى أقصى الحدود المتطرفة في التعامل مع الشعب الكردي، بالأنفال ومقابر الصحراء الجماعية والأسلحة الكيمياوية، بيد أنّ صدام حسين انتهى نهاية مُجلجلة في خزيها، فيما بقي الشعب الكردي عصيّاً على الإبادة. ولماذا نذهب بعيداً، فسلف السيد العبادي كان قد انتهج سياسة غير سليمة حيال السُّنّة، فكانت النتيجة أن انخلقت بيئة مناسبة للإرهاب المنفلت الذي بلغ ذروته باجتياح داعش واحتلاله ثلث مساحة البلاد، بكل ما ترتّب على ذلك العمل من ضحايا جسيمة في الأنفس ودمار مادّي يفوق التصور وويلات ومحن يندر نظيرها في تاريخ البلاد.
لا ينبغي التردّد في نقد أخطاء العبادي، ففي نقدٍ كهذا مصلحة للعراق وله شخصيّاً أيضاً، حتى لا يذهب بعيداً أكثر.