22 نوفمبر، 2024 9:32 م
Search
Close this search box.

المعتقلون والسجناء السياسيون في العراق.. العهد الجمهوري الأول.. والعهد الملكي

المعتقلون والسجناء السياسيون في العراق.. العهد الجمهوري الأول.. والعهد الملكي

عندما سقط النظام الملكي لم يكن هناك معتقل أو سجين سياسي واحد في معتقلات وسجون النظام الملكي حتى مساء 13 تموز 1958.. وجاء الحكم الجمهوري الوطني.. وانطلقت الحرية بشكل فوضوي.. دون قوانين ولا حدود.. وإذا بأحزاب المعارضة المنضوية تحت جبهة الاتحاد الوطني.. تُسقط جبهتها منذ اليوم الأول للثورة.. وانطلقت هذه الأحزاب بقوة للوثوب الى السلطة.. بكل طرقها الخاصة حتى بالتآمر.. وبشعار براقة وثورية..
وبدأ الصراع والتخندق بخندقين متقابلين.. خندق الشيوعيين واليساريين.. والخندق الثاني: ضم القوميين العرب والبعثيين والإسلاميين.. وسالت دماء شباب العراق لقمة سائغة لهذه الأحزاب.. ليصل الأمر الى القتال بين الجيش والأكراد في شمال العراق.. وبدا العراق ساحة للفوضى والقتل بكل المسميات.. وانقسمً الشعب.. بل انقسمت حتى العائلة الواحدة بين هذين الخندقين..
وفي الثاني من أيار العام 1962 كنتُ أنا أجمع تواقيع الأساتذة في كلية الآداب في باب المعظم.. على مذكرة لمطالبة رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة الزعيم عبد الكريم قاسم.. بإيقاف القتال وحل المسألة الكردية سلمياً.. وإذا بعناصر الآمن تلقي القبض عليً.. ويقتادوني إلى مديرية الأمن العامة.. فيما أجرى آخرون فوراً تفتيش دارنا.. ووجدوا في ألبوم صوري صورة لجمال عبد الناصر موقع هو عليها.. أخذوها معهم.. وفي اليوم الثاني قدمتً للتحقيق لأجد حالي مع 15 شاباً جميعهم من بغداد.. معتقلين عن القضية الكردية.. المضحك ليس فيهم كردياً واحداً..
المهم: كان يحقق معنا ضابط أمن اسمه صالح فخري زنكنه.. أعرفه شخصياً وعائلياً حيث كان سابقاً جيراننا.. وقال: كل واحد يشتم ويقول مصطفى البارازاني (خائن) يطلق سراحه فوراً.. استغربتُ فهو كردي.. وكان الأجدر أن لا يقوم بهذه المهمة.. كنتُ أنا في آخر الصف.. اثنان فقط لم يشتما البارازاني.. ولم يقولا عليه (خائن).. عزلوهما والبقية أطلق سراحهم.. وقال ليً: (هادي إنت).. قلتُ: أنا لا أعرف البارازاني.. فكيف أقول عليه شيئاً؟.. قال: إذن: اشتم جمال عبد الناصر.. فقلتُ: وهذا لا أعرفه أيضاً.. وأخلاقنا وديننا لا يسمحان لنا (أن نشتم الغافل حتى لو كان كافراً)..
يبدو إن كلامي استفزه.. فالتفتً إلى عناصر الأمن الواقفين إلى جانبه.. فأخذوني إلى داخل غرفة وأشبعوني ضرباً.. وبوكسات.. ولم يتوقفوا حتى سقطتُ أرضاً.. والدماء تسيل من وجهي وأنفي وأسناني.. واقفلوا الباب عليً حتى ظهر اليوم التالي.. وبلا طعام ولا ماء..
بقيتُ معتقلاً 68 يوماً لأقدم إلى المجلس العرفي العسكري الثاني للمحاكمة.. كانت الأدلة الثبوية هي المذكرة الموقعة من قبل 35 أستاذاً.. لكنني فوجئتُ بثلاثة شهود من عناصر الأمن تشهد زوراً عليً بأنني مثير للمشاكل السياسية في كلية الآداب.. وإنهم اعتقلوني عندما كنتُ أثقفُ الطلبة بإثارة الفوضى.. علماً إنني لست طالباً في الكلية.. وهذه هي المرة الأولى التي ادخل بها الكلية مع طالب صديق ليً فيها..
المهم: قال ليً رئيس المجلس العرفي: (هناك شيخ في الجنوب قام بقتل الجنود.. وأحرق القرى.. والزرع.. وشرد الفلاحين.. وأثار الفوضى في المنطقة.. هذا خائن لو مو خائن؟.. أجبته: إذا ارتكب كل هذه الإعمال حقاً (فيجب أن يحاسب عن أعماله).. فقال: الملا مصطفى البارازاني: قتل الجنود وأحرق القرى والزرع وشرد الفلاحين وأثار الفوضى في المنطقة.. خائن لو مو خائن ؟).. مضيفاً: إذا قلتً: (خائن.. تطلع كبل لبيتكم.. وإذا أجبتكً بغير ذلك حكمكً ثلاث سنوات)..
قلتُ له: أستاذ إذا مصطفى البرزاني قام بكل هذه الإعمال يقدم للقضاء ويحاسب على أعماله.. فقال يعني (خائن لو مو خائن؟).. قلت له أستاذ أني طالب.. ولست حاكماً حتى أقرر خائن أو مو خائن؟؟ وأضفتُ قائلاً: سيادة الحاكم: ما قمتُ به أنا قانوني.. وهي مذكرة مقدمة لرئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة بإيقاف القتال وحل المسألة حلاً سلمياً.. فالمسألة أكبر من شخص واحد كمصطفى البرزاني أو غيره.. المسألة تخص جيشنا وشعبنا!!
وعلى الفور أصدر حكمه بالحبس الشديد ثلاث سنوات.. قضيتُها في سجون بغداد.. والرمادي.. ونقرة السلمان.. وسجن بعقوبة.. وخلال ثلاث عهود جمهورية (تسعة أشهر الأخيرة من عهد عبد الكريم قاسم.. وكل عهد البعث الأول.. وثلثي عهد عبد السلام عارف).. وبعدها بقيتُ محتجزاً سبعة شهور أخرى..
ثلاثة سنوات ونصف من عمري.. كانت والدتي رحمها الله تأتي لزيارتي كل شهر.. ولم تنقطع عني زيارة واحدة.. حتى عندما نقلتُ إلى سجن نقرة السلمان.. وفي ظروف الإرهاب.. لم تنقطع عن زيارتي أبداً..
ـ اليوم ما يثير الدهشة إنني لم أعتبر ومعي كل المعتقلين والسجناء السياسيين في عهد عبد الكريم قاسم.. من (قوميين وإسلاميين وشيوعيين وديمقراطيين) حتى الآن لم نحسب سجناء سياسيون.. وفق قوانين السجناء السياسيين الحالية.. هل يعقل ذلك؟؟ !!.. يحسب للذي هربً من الخدمة العسكرية.. سجيناً سياسياً؟ ومن كان سجيناً سياسياً فعلاً.. لا تشمله كل القوانين الحالية!!
ملاحظة: أرجو أن تقارنوا بين العهد الملكي والعهود الجمهورية !!) :
ـ في العهد الملكي.. الذي يسمونه (الحكم الرجعي العميل) عندما سمعً نوري السعيد رئيس الوزراء آنذاك من إذاعة القاهرة.. إن فتياناً عراقيين معتقلين.. لمشاركتهم في تظاهرات خلال العدوان الثلاثي على مصر 1956العام.. جاءنا بنفسه عصر نفس اليوم.. ومعه وزير الداخلية سعيد القزاز.. ومتصرف بغداد عبد الجبار فهمي.. وأطلق سراحنا فوراً.. ويسمون الحكم (الرجعي العميل)..
ـ في العهد الجمهوري الأول.. الذي يسمونه (الحكم الوطني).. شاب جمع تواقيع بمذكرة أصولية وعلنية.. معنونة لرئيس الوزراء.. يعتقل ويعذب ويهان..
ـ ثم يسجن ثلاث سنوات على جملة واحدة (خائن لو مو خائن؟).. لا علاقة له بقضيته!!
ـ وبعد انقضاء حكمه يبقى محتجزاً.. من دون وجه حق ولا قانون سبعة أشهر أخرى.. حكم قرقوش؟ يمكن أحسن منه!!
ـ الحقيقة والوقائع.. تثبت إن النظام الملكي سقط النظام.. ولم يوجد معتقل أو سجين سياسي معارض واحد..
ـ في العهد الجمهوري الوطني الأول.. ساعة سقوطه في 8 شباط 1963.. عدد المعتقلين والسجناء في سجونه ومعتقلاته: من الشيوعيين واليساريين 6750.. ومن القوميين والبعثيين والرجعيين (أي إسلاميين)4270.. وأكثر من14 ألف كردي محتجز”1″.. أعيدوا كتابة تاريخ العراق المعاصر موثقاً بالحقائق بلا تنظير..
________
1ـ هذه الأرقام عن المعتقلين والسجناء السياسيين موثقة في أرشيف مديرية الأمن العامة السابقة..

أحدث المقالات