تتلاعب الاقدار بصناع السياسات العرب وهي ينقلون من مربع الى اخر على رقعة شطرنج الشرق الأوسط الكبير، وسبق وان قلت على هذا العمود ان سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تمثل التحول الجديد في تجاوز الأخطاء التي رسمت في استراتيجيات القرن الأمريكي الحادي والعشرين، التي وضعت من مراكز الأبحاث الامريكية بتكليف من الكونغرس أواسط التسعينات وانتهت عام 2000 الى اعلان مشروع القرن الأمريكي الجديد، القائمة على ان سقوط الشيوعية العن انتصار الرأسمالية الأميركية، ويتطلب القرن الحادي والعشرين مواجهة الخطر الإسلامي وان استراتيجية الاحتواء المزدوج التي رسمها عتاة المحافظين الجدد مثل مارتن انديك وغيره، لم تعد تنفع في سياق المطلوب لتدمير الدول العربية والإسلامية ،اليوم يطرح السؤال الأصعب ما المطلوب فعله في مواجهة قرار الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل؟؟
وفقا لمبدأ ترامب( صناعة المعرفة) مقابل (السلام الكلي) مع إسرائيل، هكذا عقدت صفقة القرن ضمن رؤية 2030 مع السعودية ، كون الإنجاز الحقيقي للرئيس ترامب يتجسد في تقليل فجوة عجز الدين الأمريكي العام بالحد المقبول الذي يوفر الرفاهية للمواطن الأمريكي، بوصفه دافع الضرائب الذي على سيد البيت الأبيض خدمته وفقا لأي برنامج انتخابي متعارف عليه في انتخاب رئيس الولايات المتحدة الامريكية ، وهكذا كان خطاب الرئيس ترامب بعد توقيعه على صفقة السعودية بقيمة 450 مليار دولار، وهناك صفقة أخرى بقية 500 مليار دولار لإنشاء منطقة صناعية جديدة على الحدود الاردنية المصرية الفلسطينية احد ابرز معالم توسيع رقعة الوجود المنفعي للسلطة الفلسطينية بموافقة اسرائيل.
الجديد في الموضوع ان هذه الرؤى الاستراتيجية تتجاوز معضلة الاعتراف بإسرائيل مقابل ديكور عام لهذا الاعتراف بوجود دولة فلسطينية بلا سيادة، هكذا كان طرح مناحيم بيغن في كامب ديفيد مع السادات، وهو ما يطرحه ترامب على العرب اليوم، لكم بول البعير ولإسرائيل صناعة المعرفة فأما تركبوا قطار السلام الامريكي او تعودوا الى بداوة الصحراء من جديد وعصر النفط في افول مترقب.
في تسعينات القرن الماضي اعتاد الكثير من الزعماء العرب وكبار الصحفيين على وصف الإدارة الامريكية بكونها ( نمر من ورق) بل الكثير توقع انهيار الولايات المتحدة وتجزئتها الى دول متعددة وفقا لمعادلة الدين العام الذي تموله واشنطن بالعجز في موازنة المدفوعات مقابل تدوير أرباح البترودولار، لكن مثل هذه التحليلات تلاشت بعد احتلال العراق وتحول الحديث عن اركان القوة الامريكية القائمة على مثلث صناعة الطاقة، والتسليح الرقمي، وقوة الدولار مقابل بقية العملات ، حتى ان الاتحاد الأوربي عجز عن فرض اليورو كعملة تنافس الدولار، بل ان التهديدات الصينية بجعل اليوان مقابل الدولار كعملة منافسة تواجه مخاطر كبرى جعلت بكين تؤجل بين واخر الحديث عن هذه المنافسة .
في المقابل تبرز عقدة تطبيق قرارات الأمم المتحدة 181 و332 فيما عرف بحل الدولتين الذي ترفضه إسرائيل مقابل الاعتراف بوجود سلطة فلسطينية منقوصة السيادة في مناطق منزوعة السلاح ،فسارع ترامب الى ضمان الصفقة الأمريكية مع ولي عهد السعودية بقرار الاعتراف بالقدس عاصمة ابدية لإسرائيل ،تطوي صفحة تاريخية انهت مائة عام من وعد بلفور، وبدأت صفحات أخرى من عهد ترامب لا تواجه حروبا تقليدية، بل تحديات الاستعباد الصناعي الرقمي الذي ما زالت الفجوة بين الدول العربية وإسرائيل تتجاوز جيلين او اكثر وتبقى بحاجة دائمة الى قطرات الإنعاش الأمريكي التي تجدد صناعة المعرفة بتوظيف جديد لأرباح الصناعات المتجددة ما بعد عصر النفط ،هكذا تعقد صفقات القرن الحادي والعشرين، ما دامت صناعة المعرفة بلا مقدسات، فان السلام مع إسرائيل لا يحتاج الى التطبيع.