ما سمعناه في الأيام السابقة من السيد حيدر العبادي كان مثيراً، حيث حاول أن يراكم الغيوم ليحجب الرؤيا ويسابق الأحداث ويصور للبعض أن الكثير من الأمور بين أربيل وبغداد قد حسمت، والبقية الباقية في طريقها إلى الحل، والغيوم ستنقشع، وأعلن عن التدقيق في قوائم موظفي الإقليم. طبعاً، دون أن تصل القوائم الى بغداد. وتساءل : هل حكومة الإقليم تمثل كل سكان الإقليم؟ وهل حكومة الإقليم تسيطر على كل أراضي الإقليم وتستطيع تحريك القوات الى كل المناطق؟
الجميع يدرك إن الأوضاع في العراق لا تحتمل الاتساخ الزائد بوحل العنصرية والطائفية، أو سكب المزيد من الزيت على نار الصراعات، لأنها إذا هاجت ستدمر كل شيء. لذلك لا نريد أن نفتعل معركة كلامية مع الشيعي لأنه شيعي، ولكننا نرفض من يتهمنا بنفس طائفي صريح ويحاول أن يطعن في الثوابت الكوردستانية ويقوض الأمن والسلم في كوردستان. وهذا الأمر يستوجب إلقاء نظرة مقارنة موضوعية وهادئة، لما قاله السيد العبادي.
السيد العبادي ليس مطمئناً على مستقبله السياسي، لأنه على يقين بأن الآخرين سيتخلون عنه بسهولة. وتؤرقه أسئلة كثيرة تدور في خلده ويعاني منها على الدوام، حيث لايدري ماذا يقول لو قيل له : هل حكومتك تمثل كل العراقيين؟ وهل تستطيع تحريك القوات الى كل المناطق؟. لذلك لكي يتخلص من الإحراج والقلق والإرهاق يستبق طرح الأسئلة. فحكومة بغداد، بإعتراف الجميع، حكومة شيعية فقط وبإمتياز، تدار غالبية الوزارات التي كانت من حصة السنة والكورد بالوكالة من قبل الشيعة.
أما بخصوص حكومة الإقليم، فإنها أخذت شرعيتها من البرلمان والشعب الكوردستاني وليست بحاجة الى إعطائها الشرعية من قبل الآخرين، وسوف تستمر بصورة قانونية لدورتين تشريعيتن ولديها السلطة الكاملة على كافة الأمور في إقليم كوردستان. وبشأن تحريك القوات، فإن العراقيين جميعاً، كورداً وعرباً، شيعة وسنة، يعرفون إن السيد العبادي لايسيطر حتى على الحراس المحيطين ببيته ومقر حكومته، وإن أردوا عدم الكسر بخاطره أو لنقل تعظيمه، فإن سلطته في أكثر تقدير لاتتجاوز المنطقة الخضراء. والجميع على دراية بأن العراق يدار من الخارج وغالبية المسؤولين بمثابة قناصل.
السيد العبادي يريد أن يفوز في الإنتخابات القادمة وبأي شكل، ومطالبه للإقليم تنحصر في التخريجة التي ممكن أن تحفظ له ماء وجهه. ولكن بمواقفه الخاطئة يترك لإعلامه فرصة تخديع الآخرين وإيهامهم بالنصر على الكورد، مع الأخذ في الإعتبار بأنه في الوقت الذي يطالب الإقليم بالرضوخ لمطالبه، يتنازل في الظلام خطوة تلو الأخرى لإيران وتركيا وأمريكا والسعودية، ويتعهد بتنفيذ المطلوب في الغرف المغلقة، وأما في أيام الثلاثاء فيرفع الشعارات ويزايد ويكابر. وفي قرارة نفسه يدرك أن الإستفتاء، كما قال رئيس حكومة الاقليم : (عملية سلمية جداً وكان تعبيراً لآراء الشعب بشأن حق تقرير المصير، ولا يوجد أحد في إقليم كوردستان وأي طرف سياسي يرى أنه إرتكب خطأ حينما شارك في الإستفتاء، كان الأمر مجرد عملية ديمقراطية للتعبيرعن الإرادة، ولسنا نادمين على إجراءه وأن حق تقرير المصير سيظل باقياً مثلما هو)..
كما ظهر السيد العبادي فرحاً مبتسماً متباهياً مفتخراً على شاشات التلفزيون، وهو يعتبر الهجمات العسكرية على كوردستان وقتل وتشريد أهالي كركوك، وطوزخورماتو والمناطق الاخرى، ونهب الممتلكات والمحلات التجارية وتهديم وتفجير المنازل والأسواق من قبل القوات العراقية، وبالذات الحشد الشيعي التركماني، إنتصاراً كبيراً لايقل أهمية عن الإنتصار على داعش، في حين يعلم الجميع أن الجرائم المرتكبة في تلك المناطق تصل الى مستوى جرائم حرب يندى لها جبين الإنسانية. وكان من الضروري أن يراجع السيد العبادي حساباته الوهمية وستراتيجيته الخاطئة تجاه الكورد ويدين ما أرتكب بحقهم ويتعهد بمحاسبة المجرمين، لا أن يشيد بهم. هذا إذا إعتبر نفسه رئيساً للعراقيين، والكورد جزء منهم.
وفي كلمته بمناسبة ما يسمى الإعلان عن أنتهاء داعش، بدلاً من أن يشكر شعب كوردستان وقوات البيشمركه ويكافئهم على أدائهم الوطني والأنساني المتزن في أحلك الظروف، ورغم أن البيشمركه ليسوا بحاجة الى أن يشيد بهم العبادي وغيره لأن غالبية شعوب ورؤساء وملوك ووزراء الخارجية والدفاع في العالم قد أشادوا ببطولاتهم وصمودهم الأسطوري الخارق، أنكر الجميل وتجاهل ذكر إسم البيشمركه ودورهم البطولي في كسر هيبة داعش.
وأخيراُ نقول : على السيد العبادي أن يتنازل عن النصر المزعوم والغرور، ويبعد عن نفسه الحاقدين والإنتهازيين المتملقين وسياسي الصدفة، لأن بوجود هؤلاء يصبح القتال بين الكورد والشيعة وارداً. وأن القتال يحقق رغبات العنصريين فقط وربما يطفىء مخاوف الايرانيين والاتراك الذين يخشون من قادم الأيام الصعبة بعدما علموا بمضمون وقانونية ودستورية الإستفتاء الذي جرى في 25/9/2017، ولكنه لا يلغي الاستفتاء ولايمنع رغبة الشعب الكوردي بالاستقلال.