ولمّا كان اليوم الخامس عشر على الوثيقة الثوريّة التي أصدرها حزب الدعوة ببراءته من القيادي صلاح عبد الرزاق. ومرور عشرة أيام على ظهور الرجل ” التقيّ ” محافظ بغداد الأسبق وهو يردّ على قرار فصله بالآية الكريمة “يا أيها الذين آمنوا إنْ جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبيّنوا…” .. لم نعرف حتى هذه اللحظة من هو الفاسق، وأين اختفى صلاح عبد الرزاق، وما مصير الأموال التي ” لفلفها” من المحافظة،الذي نعرفه فقط أنّ بهاء الأعرجي سيدخل في قائمة المالكي الانتخابيّة تحت شعار محاربة الفاسدين!
تشير تقارير طبيّة أنّ نصف العراقيين مصابون بمرض القولون العصبي، وإذا أردتَ أن تعرف السبب عليك أن تقرأ أخبار الأحزاب السياسيّة التي تريد أن تحارب الفساد، حزب الدعوة : الحرب القادمة بعد الانتصار على داعش هي الحرب على الفساد.. تيار الحكمة : لامكان للفساد في العراق بعد الآن.. اتحاد القوى : كلّ الجهود من أجل القضاء على داء الفساد.. هل تريدون المزيد طالعوا الصحف وستجدون أنّ فلاح السوداني أصيب بجلطة بسبب رفضه للفساد الذي استشرى في العراق.
ربما يقول البعض يارجل ” امسح بوزك ” فلن تؤثّر كلمة واحدة ممّا تكتبه على خيارات المواطنين في انتخاب قادتنا ” المجاهدين “، وأنّ الجماهير كما أخبرنا المرحوم غوستاف لوبون، تفقد صوابها من أجل طائفتها وقوميّتها، فيتحوّل الفرد إلى رقم في قائمة كبيرة مهمّتها إنجاح السياسي الذي يُعبّر عن ” أحلام جماعتنا “. هل تتذكّرون الحشود التي استقبلت إبراهيم الجعفري في المطار وترجمت حرفيّاً نظريّة سيكولوجيّة الجماهير، المشهد يتكرّر حين نشاهد شيوخ عشائر يهزجون لنوّاب ومسؤولين يطالبون بإعادة انتخابهم من جديد، للأسف الذين يشتكون من اللصّ الكبير يحاولون أن يعيدوا للواجهة لصوصاً صغاراً.
المجتمعات المتقدّمة تتّخذ من أخطاء الماضي دليلاً، وهي لا تترك الصناديق تُقرّر فقط، بل وضعت قضاءً مستقلاً يحاكمها، لا يخضع لمصلحة السياسي ولا لنفوذ الأحزاب القويّة، فالجميع تحت مجهر حادّ من النقد والتقويم اسمه الإعلام، فلو غمز رئيس ببراءة لامرأة جميلة، فسيجد الإعلام يصيح به ماذا فعلت؟ ولن تُغلق الصحيفة ولا يُقدَّم الصحفي للتحقيق.
وأنا أقرأ ” هتافات ” الحرب على الفساد تذكّرت الشاعر والخطيب المرحوم الشيخ محمد علي اليعقوبي وهو يسخر من حملة وزارة الداخليّة في الأربعينيّات لمكافحة الجراد :
ألا قلْ للوزارةِ وهي تبغي
مكافحةَ الجرادِ عن البلادِ
فهلّا كافحتَ في الحكم قوماً
أضرّ على البلادِ من الجرادِ