ونحن نعيش أياما تأريخية سطرتها دماء الشهداء وتضحيات أبناء البلد الشجعان في النصر على كل موجات الشر الهمجية التي عبثت وما زالت تعبث في حياتنا ومستقبلنا وجعلت جميع العراقيين يدفعون ثمنا غاليا لكنها لم تستطع كسر شوكة وعزيمة ابناء هذا البلد العظيم , بل جعلتهم يتوحدون ويصرون على عبور كل المحن والاختبارات الصعبة وسطروا أروع الملاحم والبطولات التي لا تليق الا بهم.
ونحن ننفض غبار الخراب والدمار الذي سببته عصابات الارهاب والاجرام ونشهد النصر الكبير الذي صار مضرب مثل لكل شعوب الارض, فأن هناك من يحاول أن يخرب علينا فرحة هذا النصر على داعش وأخواتها وبناتها, ويحاول الاساءة الى هذه اللوحة الجميلة ولذلك نحن بإنتظار معركة لا تقل أهمية وشراسة عن معركة ألارهاب ضد عصابات الفساد وتجار الدم ومافيات الرعب والخراب, فلا يمكن السكوت عنها بعد الان , بل ومن الواجب على الجميع وكل من موقعه فضحها والاشارة اليها بكل جرأة ووضوح وبلا تردد, وعلى الدولة توفير كل سبل الدعم والحماية لمن يقوم بالتصدي لهذا الخطر الذي يداهم الجميع ,ولن يكون أحدنا في مأمن من هذا الوباء الخطير العابث .
على الدولة أن تتبنى خطة واضحة المعالم ذات مدى بعيد تعتمد الضرب بيد من حديد لكل تلك البؤر الإجرامية التي تعتمد القتل والترهيب والتهديد منهجا لها, وعليها حماية مواطنيها الشرفاء الذين يفضحون منظومة الفساد وأهله بكل قوة, وعلينا أفرادا ومؤسسات أن نتجرأ بقول الحق وأن لا تأخذنا فيه لومة لائم, وأن يكون قول نبينا العظيم نصب اعيننا (لا ينبغي لإمرئ شهد مقاماً فيه حق إلا تكلم به، فإنه لن يقدم أجله، ولن يحرمه رزقاً ). وما أحوجنا اليوم الى دولة قوية يستظل بظلها المظلوم والضعيف ويهاب عدلها وقوتها الظالم والفاسد. كيف سيشعر بالأمان في هذا البلد من تدفعه غيرته الى كشف بعض ملفات الفساد وهو يتعرض للتهديد والتنكيل والدولة والمجتمع تأخذ دور المتفرج ؟ وكيف سيتجرأ غيره على محاربة الفساد وهو ينظر الى من سبقه وهو يخوض الحرب ضد الفساد وحيدا دون مؤازرة ؟ وألى متى ستبقى زمر الشر وخفافيش الظلام تعبث بأمن المواطن وتبث الرعب وتمارس أقذر انواع الأساليب الاجرامية ضد كل من يحاول أن يكشف وجهها الكالح القبيح؟. وإني هنا لا أكتب موضوعا إنشائيا بل أشير إلى طبيب تخدير من محافظة بابل إسمه علاء الطالقاني الذي دفعه إحساسه العالي بالمسؤولية الى كشف ملفات الفساد وألاشارة الى الفاسدين الذين نهبوا البلاد ورفض أن يكون شاهد زور أو شيطانا أخرسا على ما يحصل.
كان الدكتور علاء ينتظر من الدولة بكل مفاصلها أن تقف معه وتنصره وتحميه وتقدم له كل ما يديم ويعزز موقفه وتدعمه وأن تأخذ على عاتقها كشف كل ملفات الفساد التي تثار حولها الشبهات وأن لا تترك الأمر خوفا من سطوة تلك العصابات وتهديداتها, وبدل أن يجد دكتور علاء باقات الزهور من المجتمع والدولة لشجاعته وتفانيه في خدمة أبناء بلده, فقد وجد رصاصة موضوعة في ظرف أمام منزله !! وبهذا يكون قد فهم الرسالة الواضحة الفاضحة التي تعبر عن مدى إجرام وحجم الكارثة التي تنتظر أي مواطن فيما لوفكر بمحاربة ملفات الفساد وكشف بعض الملابسات.
في هذا الزمن نحن أحوج ما يكون إلى شجاعة الرأي مهما كان الثمن وعدم الخوف والتردد, ليظهر الحق من بين هذا الركام، وإذا كانت الشجاعة مطلوبة في ساحات الجهاد، فهي أيضا مرغوبة في ساحات كشف الفاسدين ونشر قذاراتهم. وليعلم الجميع أنَّ أعظم تغيير يكون بكلمة حق صادقة تجاه الباطل وأهله , كلمة الحق التي صرنا نخاف من قولها أما خوفا أو مجاملة, رغم أن الحق إسما من أسماء الله تعالى ( ذلك بأن الله هو الحق ). ويقول الكاتب ( همنغواي ) متحدثاً عن الخوف أثناء الحروب : ” من أراد أن يعيش في إبان الحرب كما ينبغي فلينزع من ذهنه كل فكرة عن الخطر المحتمل ،فلن يكون الأمر سيئاً إلا ساعة وقوعه ، ليس قبل ذلك ولا بعده ” . وعلينا جميعا أن نقرّ أن الناس بحاجة إلى أبطال يقولون الحقيقة عارية واضحة يصدعون بها, لا يخافون في الله لومة لائم، وهذا يساعد على نزع الأغلال والبعد عن الخوف والمحاباة. إنّ الناس بحاجة إلى هؤلاء لكثرة الساكتين عن الحق، ولكثرة المداهنين , وما أحوجنا اليوم الى رجال كدكتور علاء وأمثاله الذين يضيفون لحياتنا نكهة وإحتراما رغم أنهم يدفعون الثمن نيابة عن الجميع وبدل أن يُكافئ الرجل وجد نفسه منقولا الى مستشفى ثان!!!.