لست من الذين ينظرون لتطورات الاحداث في البلد بعين واحدة بل ادقق في تفاصيلها وحيثياتها للوصول الى رؤية تستند الى الحقائق و احترام الرأي الاخر مهما كانت ابعاده ونواياه واهدافه واغراضه لبناء ارضيه و قنوات تفاعل ناضجة مشتركة.
مالفت نظري خلال الشهر الحالي الرفض المتصاعد والتظاهرات التي انطلقت في المحافظات بأتجاه رفض مشروع الشراكة بين وزارة الكهرباء وشركات القطاع الخاص التي تبنته الوزارة وابرمت تعاقداته في اطار ايجاد الحلول الفنية اللازمة لتردي وصول التيار الكهربائي للمواطنين والمشتركين التي استعصى حلها بالرغم من المعالجات الانية و رصد التخصيصات المالية الكبيرة للصرف على هذا القطاع الحيوي وتحسينه ليرتقي الى طموحات الحكومة ومؤسساتها من جانب ونيل رضى المواطن من جانب اخر .
اعود الى واقع اللجوء الى الاستثمار في قطاع الكهرباء وشراكة الوزارة مع شركات القطاع الخاص التي ستتولى توزيع الطاقة المنتجة ومبرراته و تتركز في محصلتها بعدم تحسن وصول الكهرباء للمواطن وعزوفه عن دفع فواتير صرفيات الكهرباء الذي افقد الوزارة روافدها المالية المتأتية من مبالغ قوائم فواتير الكهرباء والتجاوز على منظومة الشبكة الكهربائية والعبث بها دون رادع قانوني او اخلاقي … فاقول نعم من حق المواطن التمتع بهذه الخدمة والكهرباء وخاصة عندما تزداد الحاجة اليها خلال ايام الصيف اللاهب في بلدنا ولكن ليس بالتجاوز اللامعقول على الشبكة ومد الاسلاك لتشغيل اجهزة التكييف والاجهزة الاخرى خارج القراءات الصحيحة لميزانية الصرف الموجودة في كل بيت للمواطن والمشتركين التي تسببت في تخريب الاسلاك الكهربائية وتهالكها بسبب قدمها وعدم القدرة على اصلاح الاعطال من قبل مراكز الصيانة.
كل هذه العوامل مجتمعة دعت الحكومة الى دراسة هذه الظاهرة التي تفشت وترسخت في سلوك المواطن و اصبح من الصعب اقناعه بتفادي هذا الضرر الكبير في بنية منظومة الكهرباء بأكملها باعتبارها تمثل مؤسسة من مؤسسات المال العام … وتمخضت عن اللجوء الى معاونة شركات القطاع الخاص في تحسين واقع الكهرباء في قطاع التوزيع كمرحلة اولى من خلال الشراكة القائمة على العقود المبرمة مع تلك الشركات التي بدأت باكورة عملها في تشرين الثاني من العام الماضي او قبله في بعض مناطق بغداد وحققت نجاحاً متبايناً بين الرضا والرفض … وتوسعت هذه الشراكة لتشمل بعض المحافظات وخاصة المحافظات الفقيرة في جنوبي العراق التي لم تلق قبولاً لاسباب متعددة كثيرة .
لكن الذي اريد ان اؤكد عليه ان وزارة الكهرباء قد اخطأت كثيراً في انها ارتمت باحضان هذا المشروع بقوة قبل ان تمهد الارضية الخصبة الصالحة لقبوله وافهام المواطن الطيب في تلك المحافظات بأهميته وان نتائجه ستكون لمنفعته ويتحمل اعلام الوزارة بالذات القسط الاكبر من هذا الاخفاق والفشل الذريع الذي توزعت نتائجه على الكل في تعويق المشروع وقبوله لدى المواطنين ونحتاج الى وقت طويل لازاله ترسباته من ذهنية المواطن البسيط الفقير الذي يتأمل العيش الكريم كما ان استخدام التعابير المتلاحقة لايجاد تسمية لا تفزع المواطن مثل طامة كبرى فمرة تسمى هذا الامر ” الخصخصة ” ومرة اخرى بتسمية ” التعاقد ” او ” الخدمة والجباية ” الى ان استقرت خلال الاسبوع الحالي على مفردة الشراكة وهي الاكثر قبولاً للوصول الى ذهنية المواطن.
كما ان اقحام المواطن بمواقف استفزازية ساهمت بها بعض شركات القطاع الخاص دون مبرر نتيجة قلة خبرة التجربة لعبت دوراً اخر في رفض المشروع … فكيف يقبل المواطن قائمة صرفيات الكهرباء بمبالغ عالية ولم يتمتع بشيء من نعمة الكهرباء بالرغم من انها كانت على نطاق ضيق وجرى تهويلها بشكل ملفت وتغيير قناعاته بأنه يدفع من راتبه وقوت عياله دون ان يحصل على شي يقنعه ويدفع من راتبه مرة اخرى الى مالكي المولدات الذين لجأ اليهم بسبب تردي وصول الكهرباء اليه.
احترم وجهة النظر المعارضة لمشروع الشراكة و وجهة نظر الوزارة في تبريراتها ولكن دعونا نجلس لحوار هادئ بعيداً عن اجواء الشحن السياسي ومناكفاته واساليب تجييش الشارع لاغراض معروفة وليست بعيدة عن فهم الواقع للوصول الى الحالة الانضج … فيجب ان نلتقي تحت قاعدة فهم مشترك وارضية خصبة فأقول هل ان الرفض هو لمشروع شراكة وزارة الكهرباء مع القطاع الخاص بأكمله او الاعتراض على تلك الشركات نفسها والقائمين عليها او الاعتراض على اداء الوزارة و وجوب ان تقود منظومة الكهرباء بدءاً من الانتاج والتوزيع بكل تفاصيلها.
فأفترض ان المعترضين على مشروع الشراكة على حق وان الطبقة الفقيرة بالمجتمع هي المتضرر الاكبر من مشروع الشراكة … كما ان الوزارة لها الحق في اختيار اساليب وسبل الارتقاء بعملها وكلا الحالتين محترمة.
ووفقاً لجداول الصرفيات الذي نشره مكتب الاعلام والاتصال الحكومي التابع لوزارة الكهرباء ولا نعرف مدى دقته وتطابقه مع رأي المهندسين والخبراء الذين يأكدون ان صرفيات استهلاك الكهرباء تؤخذ وفق حسابات صرف كيلوواط / ساعة … فأن جدول الصرف للاستهلاك المنزلي حصراً يتحدد وفق الاتي :
استهلاك (10) امبيرات لمدة 24 ساعة متواصلة بمبلغ (10) الاف دينار شهرياً و (15) امبير لنفس الفترة بمبلغ (20) الف دينار شهرياً و (20) امبير بمبلغ (40) الف دينار شهرياً ومن (25-40) امبير بمبلغ (80) الف دينار شهرياً …
ومن استقراء الجدول اجد انه جدولاً منصفاً اذا التزمت الوزارة به مقارنه مع ما يدفعه المواطن والمستهلك لاصحاب المولدات الاهليه … ولا استطيع الجزم ان وتيرة استهلاك المواطن في المناطق الفقيرة اليومي يتجاوز (10) امبير يومياً على مدى 24 ساعة ويمكن ان تتصاعد خلال اشهر الصيف … اي ان مبالغ صرفياته لاجور الكهرباء لا تتعدى اكثر من مبلغ عشرة الاف دينار قياساً الى مستواه المعاشي .
هذا من جانب … ومن جانب اخر فأن وزارة الكهرباء قد اشترطت في تعاقداتها مع شركات القطاع الخاص التي ليس لي بها ناقة او جمل ولست بصدد الدفاع عنها فهم اقدر بالدفاع عن انفسهم مني اشترطت ان تتولى هذه الشركات صيانة وتأهيل منظومة الشبكة وانارة الاحياء والشوارع القديمة والحديثة بمصابيح اقتصادية وانشاء شبكات جديدة في الاحياء الجديدة والمستحدثة وتشغيل عدد من الخريجين العاطلين من ابناء تلك المحافظات في مفاصلها الادارية والفنية كجزء من مسؤولياتها في امتصاص زخم العاطلين وخلق فرص عمل امام الشباب بالاضافة الى تحملها دفع رواتب ومخصصات المهندسين والفنيين العاملين في الوزارة المعارة خدامتهم الى تلك الشركات والذي سيخفف بدوره العبء المالي وتضخم صرفيات الرواتب والذي ستتحمله الشركات المستثمرة وفق مشروع الخدمة والجباية التي ستحصل بموجبه على نسبة قدرها (12,5) بالمئة من مجموع المبالغ المستحصلة من قوائم صرفيات الكهرباء للمواطنين والمشتركين وهي منافع جيدة وفعالة ومؤثرة في اداء الوزارة وتحسين التيار الكهربائي ومنظومة الشبكة .
واريد ان اقول لمعالجة اسباب الرفض والتنمر الذي حصل بسببه يجب ان تدرس الحكومة و وزارة الكهرباء سبل ارضاء المواطن وتطيب خواطره وتخفيف جزء من معاناة الايام الصيفية الصعبة التي تحملها باعادة النظر سريعاً بالتسعيرة المقررة بالاستماع الى الاراء الاقصادية والفنية والخبراء وياحبذا ان تكون في مفردات التسعيرة المحصورة ما بين (10-20) امبير يومياً والتي تشمل اكبر عدد من المواطنين و اصدار قرار باطفاء كل ديون الكهرباء والتي ترتبت بذمة المواطن والمشترك خلال الفترات السابقة او ايجاد معيار بالتحصيل لا يؤثر على دخله وقوت عياله واطفاله كأن يكون مبلغ من (3-5) الف دينار ديون سابقة في كل قائمة ولمدة عام فقط. وهو اجراء عقلاني بالرغم من تأثيراته السلبية التي ستتحملها الحكومة والوزارة باعتباره اطفاء لديون المال العام.
ان احترام رأي الشعب في اختيار نمط عيشه وترتيب حياته مهمة اساسية تقع على عاتق الحكومة بكافة مؤسساتها والاستماع الى طروحاته ومعاناته يمثل مهمة و ركيزة اساسية في بناء الثقة و نسغاً صاعداً فعالاً في الشجرة المثمرة لكي لا نخسر هذه الشريحة الفقيرة صاحبة المصلحة الحقيقية التي ترسخت جذورها في ارض خصبة وهم اناس طيبون يمتازون بكل قيم و معاني النخوة والشهامة والنبل والكرم وقبول الاخر اذا احسن التعامل معهم ورفع الظلم والالم الذي لازم حياتهم طويلاً ..