15 نوفمبر، 2024 6:12 ص
Search
Close this search box.

ماذا كتب أشهر الروائيين عن الرواية (27) هيفاء بيطار: الكتابة شعلة إلهية

ماذا كتب أشهر الروائيين عن الرواية (27) هيفاء بيطار: الكتابة شعلة إلهية

خاص: كتبت- سماح عادل

في الجزء الثاني من كتاب” طقوس الروائيين.. أين ومتى وكيف يكتبون” للكاتب “عبد الناصر الداوود” نتعرف على طقوس عدد من الكتاب العرب والغربيين.

أمير تاج السر..

روائي سوداني، صدر له 14 كتاب في الرواية والسيرة والشعر، أولى رواياته” كرماكول” وله روايات “مهر الصياح” و” صائد اليرقات” و”توترات القبطي “، يقول عن طقوسه: ” في العادة عندما يداهمني نص ما أو أعثر على بداية أظل منشغلا بها فترة ثم أبدأ كتابتها، أكتب نهارا ما بين الثامنة صباحا والواحدة ظهرا وبما أني أعمل طبيبا أسعى في فترة الكتابة إلى تغيير مناوبتي إلى الفترة المسائية، وبذلك أحس أن يومي كله مشغول، أحس بالتعب والإرهاق وأحاول أن أتوقف عن الكتابة ولا استطيع، في العادة بعد البداية تكون الأفكار انسيابية وسريعة واستغرب أحيانا أنني أنجز فصلا كاملا دون وعي، أكتب حوالي ألف كلمة في اليوم ربما تزيد لكنها لا تنقص بأي حال من الأحوال، بعدها أراجع كتابتي أي ما أنجزته خلال اليوم حوالي ساعة ثم أبدأ في الكتابة من جديد، في العادة أكمل الرواية حتى نهايتها بصبر وبعمل يومي ولا انقطع مهما كانت الظروف، حتى ينتهي النص، الفترة التي اقضيها قد تطول وقد تقصر بحسب حجم النص وأين سينتهي. هناك أعمال انتهت في شهر وأعمال انتهت في شهرين أو ثلاثة، تختلف كل تجربة عن الأخرى ودائما ما يأتي النص بمفاتيحه وطريقة كتابته، لا أكتب أي شيء في الليل وحتى لو جاءتني أفكار لا أهتم بها على الإطلاق، ربما أنتبه لها إذا بقيت في ذهني حتى الصباح.

أكتب في العادة في فندق متوسط في الدوحة، لا يهمني الضجيج ولا أنتبه له وإذا قطع أحدهم أفكاري بالتحية أرد عليه وأواصل، أحيانا أكتب في مكتبي الذي أعددته داخل بيتي لكن لا تأتيني الكتابة متدفقة كما يحدث في ركن الفندق. أكتب بالحاسب منذ 1997 واعتمد على جهازي المحمول فهو يساعدني على الكتابة بصورة مدهشة، وفي العادة أشرب شاي وقهوة أثناء الكتابة ولا أستمع لأي موسيقى لأنها تشتت ذهني، حين انتهي من رواية أسارع بنشرها عند ناشري حتى لا ينتهي تذوقها لدي وحتى لا تموت عندي.. ويتبعني الخوف أن  لا استطيع إكمال عمل بدأته وأبذل جهدا كبيرا حتى أكمله.

بشير مفتي..

روائي جزائري من أعماله رواية “أرخبيل الذباب” و”شاهد العتمة” و”خرائط لشهوة الليل” يقول “بشير مفتي” عن طقوسه: “عندما أبدأ في كتابة رواية أتجند لها تقريبا وأتحايل على كل ظروفي الضاغطة لأكتب واستمر في عملي حتى أضع لها نقطة النهاية، وقد تمنعني الظروف من أن التزم يوميا بما بدأته فانقطع عنه وأعود له ولكن الخيط يبقى في ذهني، فممارسة الكتابة تتم أحيانا بداخل ذهن الكاتب وليس فقط عندما يقوم بتدوين ما يكتبه. في سابق عهدي كتبت في أماكن مختلفة المقاهي، مكتبة الجامعة ثم صرت أكتب في بيتي فقط، انتقلت في روايتي الرابعة إلى الحاسوب وهو يوفر وقتا أثناء التصحيح والمراجعة. والقهوة والسجائر ضرورية.

رواية “بخور السراب” استغرقت كتابتها 3 أشهر كانت كتابتها صعبة لأننا كنا نعيش في الجزائر ظروفا خاصة، حرب أهلية بمعنى الكلمة وكانت هذه الظروف تشحنني بالرغبة في التدوين والكتابة على ما كنت أراه وأشهده، ولهذا لم تصاحبها طقوس معينة بقدر ما صاحبتها مخاوف كثيرة من القتل، لقد كان المثقفون يقتلون في هذه الفترة من أجل مواقفهم وأفكارهم وكان الأمر يبدو لي عبثيا للغاية. نادرا ما ترضيني الرواية التي أكتبها دائما أشعر بالنقص ربما لهذا استمر في كتابة رواية جديدة ربما إيمانا مني بأنني في العمل القادم سأحقق ما عجزت عن تحقيقه في العمل الذي أتممت كتابته.

عندما أكتب تتصارع أمامي أكثر من فكرة ذلك لأن الرواية تقوم أصلا على الصراع من هنا يأتي جانبها الدرامي جانب التوتر فيها، الرواية عمل واسع مفتوح لا متناه متعدد وبالتالي هي أرض لصراع الأفكار وتنقضاتها وهي مد وجزر بين الحقيقة والخيال، أنا أحرص على أن تكون حكاية رئيسة يتابعها القارئ من الأول حتى الأخير، ولكن بين الأول والأخير يمكن أن تجد كل شيء.

أثناء الكتابة أشعر في البداية بالمتعة ولكنها ليست دائمة بمعنى أنك أحيانا تضطر إلى مواصلة بناء روايتك حتى لو لم تجد تلك المتعة الأولى، المتعة ضرورية للتحفيز على الكتابة ولهذا أحرص على أن أشعر بها أثناء عملية التفريغ. أما الصراع فقليلا ما أشعر به صحيح أن الكتابة تخلق توترا غريبا وأحيانا حيرة بمعنى أن لا تعرف ما صلابة ما كتبته. أحيانا أتوقف  وآخذ قسطا من الراحة والتأمل لأعود بعدها أكثر حيوية ونشاطا.

بول اوستر..

روائي أمريكي وكاتب سيناريوهات وشاعر ومترجم، كما عمل في الإخراج السينمائي، من أعماله “ثلاثية نيويورك”، و”كتاب الأوهام”.

يقول “بول اوستر” في لقاء أجري معه: ” أكتب بقلم رصاص في دفتر وفي آخر اليوم إذا ما حققت شيئا أطبعه على آلتي الكاتبة القديمة، تسير الأمور في إيقاع روتيني، استيقظ كل صباح وأشرب الشاي وأقرأ الجريدة ثم أبدأ الكتابة في الثامنة صباحا فأعمل حتى وقت الغداء في الواحدة، أتوقف عن الكتابة قليلا وأتمشي أحيانا ثم أعود وأعمل إلى نحو الخامسة، وبينما أتصارع مع الكلمات في الصباح فأناضل لكي أقول ما أريد قوله لأنها، أي الكلمات، تكرهني وتصدني أعرف تماما ما يجب فعله عندما أعود إليها بعد الغداء، فأصحح وأرى الأمور بوضوح أكبر، واستطيع التحاور مع شخصياتي في شكل أوضح.

أحتاج إلى صمت كامل أثناء الكتابة، خصصت لنفسي غرف في الطبقة السفلي من منزلي، غرفة صغيرة، عندما أدخل في العمل يكف العالم الخارجي عن الوجود وأصبح في مكان آخر، لكني قادر أيضا على الكتابة في أمكنة مختلفة، كما أنني اندمج في شخصيات رواياتي وارتبط بها، يجب أن يكون الكاتب قادرا على أن يسكن شخصياته، أن يصبح هذه الشخصية أو تلك عندما يكتب.

خيري شلبي..

روائي مصري، له 70 كتابا بين الرواية والقصة والكتب المختلفة، وترجمت أعماله للغات عديدة، من ورايته “الأوباش” و”الوتد” و”بطن البقرة” يقول “خيري شلبي” عن طقوسه: ” أكتب غالبا في الليل حيث الهدوء التام، ولا عدد محدد للساعات، أظل أكتب حتى أشعر بالتعب، البيت هو المكان المفضل لي للكتابة، أنا فلاح لا أتعامل مع الحاسوب ولكن لدي مجموعة كبيرة من الأقلام الحبر وأميل إلى اللون الأسود منها. بعد نهاية الكتابة أترك ما كتبت فترة طويلة قد تصل إلى عدة شهور لأجري تعديلات كثيرة عليها حتى أصل إلى النسخة التي أرضى عنها، وقد اكتشف في نهاية التعديلات أن النسخة الجديدة تختلف عن نسخة الكتابة الأولى.

أثناء الكتابة كنت أدخن الشيشة، كان هذا في الماضي أما الآن فاكتفي بالسجائر مع كوب قهوة تركية سوداء، وعلى أنغام موسيقي شرقية جميلة، الرواية أشبه بعملية الولادة التي يجب أن يسبها حمل لذا تجدني أحمل الفكرة حتى تنضج أكثر، ثم وفي وقت المناسب أخرجها حروفا، ومع ذلك كنت أحيانا أرمي النسخة الأخيرة، فعدد ما مزقته من أعمال يفوق ما نشرته وفي الحقيقة كنت كثيرا ما أعيد كتابة عمل لمجرد أنه لم يعجبني عندما أكتب أشعر أني في خصام دائم مع الجميع، شعور لا أخرج منه إلا بعد آخر سطر لي في الرواية.

سردار اوزكان..

روائي تركي، روايته الأولى “الوردة الضائعة” حققت نجاحا كبيرا وترجمت إلى 39 لغة، يقول عن طقوسه: “الوقت المفضل لي للكتابة هو الصباح الباكر جدا، استيقظ في السادسة فعندما نستيقظ تكون عقولنا صافية وقريبة إلى وضع الحلم، وهكذا أجد نفسي قريبا من الخيال قبل أن تلوث عقولنا بالمحبطات وأحداث بقية العالم، أكتب في البيت حيث لدي منظر بحري رائع لكن أحيانا أكتب في المقاهي بجانب البحر. استخدم الحاسوب في الكتابة يساعدني على التنقيح، لكني أسجل ملاحظاتي كلها بالقلم، لدي مفكرات مليئة بالملاحظات أجهزها عندما أنوي كتابة عمل جديد. أثناء الكتابة أتناول القهوة السوداء أما قبلها فاستمع إلى موسيقى لاتينية عموما أو يونانية أعتقد أنها تعطيني دافعا فنيا أكثر.

رواية الوردة الضائعة أخذت مني ثلاث سنوات كاملة، المسودة الأولى أخذت ما بين أربعة إلى خمسة أشهر والبقية كانت إعادة كتابة وتصفية، دائما ما أعيد كتابة المسودة الأولى، في كل الأحوال تكون الفكرة والقصة موجودة عندما انتهي من الكتابة لكني أعيد صياغة الكتابة من البداية بالطريقة التي أريدها، ولا يكون ذلك إلا بعد أن تتضح عندي الشخصيات والقصة من خلال تفاصيل الرواية،  كتابة المسودة الأولى تثير جدا اكتشافك، على أية حال اشعر أن القصة ستذهب في اتجاهات خاطئة أو أنني لن انهيها، دائما أشعر بالخوف وأحيانا أخاف من أنني سأموت قبل إنهاء الكتاب.

 علي المقري..

روائي يمني، من رواياته “اليهودي الحالي” و”حرمه” و”طعم أسود” يقول “علي المقري” عن طقوسه: “عادة يبدأ وقت الكتابة في الخامسة عصرا ويستمر أحيانا إلى ما بعد منتصف الليل، هذا لا يعني أنه الوقت الذي يناسبني دائما بل هو الوقت الذي يتوافق حاليا مع الظروف الخاصة بي، إذ يقل فيه حجم الصخب، عدد ساعات الكتابة ما بين 14 ساعة  أقل أو أكثر إذا لم توجد مشكلات متعلقة بقدراتي الصحية أو بالمسألة الكتابية، كأن يتمرد أحد الشخوص في الرواية من المسارات والسياقات المرسومة له سلفا، فيموت فجأة مثلا أو يرفض الموت.

بالنسبة لكتابة الشعر عادة تكون بعد سهر وأرق تستدعيها هواجس اللحظات التي تسبق النوم، غالبا ما يحدث ذلك في الظلام بعد أن أطفيء النور استعدادا للنوم، أتحسس أية ورقة أو قصاصة أو هامش فراغ في جريدة لأكتب وسط ظلام تام محاولا تنظيم الأسطر عشوائيا وتوضيح الكلمات بقدر الإمكان، حين انتهي قد أضيء الكهرباء وأقرأ ما كتبت فأكمل النواقص في شكل الكلمات، أحيانا أنام بهدوء مؤجلا التدقيق إلى وقت آخر.

أكتب في البيت في غرفة مخصصة لذلك أكتب بالقلم على الورق وبعد انتهاء الكتاب أقوم بصفه على الحاسوب بأصبع واحدة كما تعودت.  لا تتعلق المسألة لدي بلحظة الكتابة نفسها بل باستعدادات سابقة تشمل الكثير من النواحي ومنها نوع الغذاء والشراب، لا يهم ما أسمع أثناء الكتابة فأحيانا أسمع موسيقى وأحيانا أفتح التليفيزيون أو أشاهد فيلما ثم أبدأ بالكتابة أثناء ذلك، فيظل التلفيزيون مفتوحا فيما أكتب. أظل في حال إعادة كتابة على مستوى التنقيح والتدقيق وقبل أن اعتمد الصياغة الأخيرة ولهذا أتخلص من صفحات وفقرات أو أضيف أخرى، إن أجواء الرواية تغطي كل وقتي بما في ذلك وقت النوم إذ تتداخل مع أحلامي أيضا.

ليلى العثمان..

روائية كويتية،  من روايتها  “المرأة والقطة” و”امرأة في إناء”، تقول عن طقوس الكتابة: ” في الماضي كان الليل هو الوقت المناسب للكتابة ففيه الصمت والهدوء التام حين يخلد أطفالي إلى النوم، ثم أصبح لدي متسع من الوقت صباحا حين دخلوا المدارس فتوزع العمل بين الفترتين الصباحية والمسائية، أما اليوم وبعد أن كبروا أصبحت امتلك كل الوقت، المزاج هو ما يفرض وقت الكتابة لأن الكتابة هي الملاذ الآمن والصدر الحنون الذي نرتمي في جنته مسحورين وطائعين. أحب الكتابة في بيتي وعلى مكتبي لأنه المكان الوحيد الذي أترك فيه أوراقي مفرودة لا ألملمها.

العادة الوحيدة التي تساعدني على تدفق الكتابة هي السيجارة وأثناءها أشرب قهوة أو شايا، أما الموسيقى فهي ضرورية وتساعد على راحة الأعصاب وصفاء العقل، قبل الطباعة أعيد كثيرا لأنني أظل مسكونة بالخوف من القارئ، وأريد أن يكون العمل جيدا أما بعد صدور الكتاب فإنني في طباعته التالية أصحح ما به من أخطاء مطبعية. ما قبل الكتابة وأثناء الكتابة تتصارع عدة أفكار رغم أن الفكرة الأساسية أن تكون معدة سابقا، لكن هذا لا يعني أن لا تتداخل فكرة أو أفكار أخرى لمشهد أو حوار أو موقف لأحد الأبطال فلا أطردها أو أرفضها أن أحسستها تضيف إلى العمل شيئا جديدا لمصلحته. إن الكتابة هي أصعب المهام وأمتعها في نفس الوقت وهي الشيء الوحيد الذي يشعرني بأنني حرة وسعيدة وأنني من خلالها أسعد غيري من عشاق القراءة كما أشعر بالرضا أنني من خلالها أخدم قضايا بلدي ووطني الكبير.

مكاوي سعيد..

روائي مصري وسيناريست من رواياته “فئران السفينة” و”تغريدة البجعة” يقول عن طقوسه: ” لم ترتبط الكتابة في ذهني بطقوس أتبعها وأحرص على عدم مخالفتها وقد يرجع ذلك لأني لم أخطط مطلقا في حياتي أن أكون كاتبا. رغم أن الكتابة مصدر رزقي الوحيد حاليا إلا أنني أصر على أني ما زلت كاتبا هاويا ولا أكتب إلا للرغبة في الكتابة، ولا تغريني كافة المغريات حتى التي بدأت تنهال على مؤخرا وتجعلني أكتب دونما رغبة.

أميل للكتابة على المقاهي أجلس على أي مقهى شبه خال وأخرج أدواتي وأدون أفكاري على الورق وكان يفاجئني دائما أن صبيان المقاهي عندما يقدمون لي المشروبات يضعونها على الطاولة بهدوء ثم ينسلون بلا صوت، كان احترامهم الشديد لما يخطه قلمي يفتتني آنذاك. لا أكتب ليلا أبدا والليل عندي للقراءة أكتب في الصباح من العاشرة حتى الثانية بعد الظهر، أيضا لا أكتب في شهور الصيف وكلما اشتدت البرودة كانت رغبتي في الكتابة أشد. كثيرا ما أعيد ما أكتبه وأحيانا أمزق أعمالا شبه نهائية. الكتاب الذي يطبع يصبح خارج يدي ولن استطيع تلافي مشكلاته التقنية والفنية لذا أحرص كثيرا على التروي قبل النشر. كلما هممت بالكتابة تتصارع الأفكار المغايرة لصرف الانتباه عن ما اكتبه. أثناء الكتابة تنابني مشاعر شتى ما بين المتعة والإحباط والتكاسل والزهق لكن كلما انتهيت من فصل تغلبت المتعة علي الأفكار السلبية ومضيت قدما.

هيفاء بيطار..

روائية سورية، من روايتها “الهوى” و”أبواب مواربة” تقول عن طقوسها في الكتابة: “وقتي المناسب للكتابة هو الفجر غالبا ما يوقظني من النوم هوى الكتابة أقوم من فراشي كالمسيرة، أجلس إلى أوراقي وحبري الأسود وأحب الصمت التام. المكان المناسب للكتابة هو الصالون الفسيح أجلس على الكرسي خلف الطاولة، وأنا أكتب أشعر أنني أتدفق على الورق، إن كتابتي من نوع من ينهل من بحر يمكن بساعة واحدة أن أكتب عشر سنوات ثم أعيد قراءتها بعد أيام، ونادرا ما أغير فيها وهذا خطأ بنظر كثيرين، لكنني من النوع الذي يعتمد على طزاجه الحقيقة، نادرا ما أعدت كتابة رواية أجري فقط تعديلات بسيطة. لا تتصارع أبدا الأفكار في ذهني وأنا اكتب لأنني سلفا أكون عارفة الهيكل الرئيس للعمل، بمعنى يظل الخط الرئيس للعمل سواء كان رواية أو قصة قصيرة واضحا في ذهني.

أشعر وأنا أكتب بحماسة خفية وسعادة من نوع خاص، هي سعادة تحقيق الذات كما لو أن الكتابة تقربني من نفسي، أكثر ما أكون ذاتي وأنا أكتب وحين تمر الأيام ولا أكتب أشعر بضياع واكتئاب كما لو أن هذه الأيام ذهبت هدرا. الكتابة تشبه السير في دغل غابة معتم وعملية الكتابة ذاتها تساعد على تبلور الأفكار، مثلا لم أعرف أنني سأنهي الرواية بتلك الطريقة أي بالحوار بين الطابق السفلي الذي يمثل الغريزة وبين الطابق العلوي الذي يمثل الكرامة وعزة النفس حتى النهاية، لمعت هذه الفكرة بذهني فجأة وانشطرت إلى امرأة من طابقين فجاء العنوان والنهاية.

في الكتابة أطيع أنا بحالة طاعة دائمة وتعبد لتلك الشعلة الإلهية التي توقظني وتدفعني للجلوس إلى أفكاري، كأعمي يتلمس طريقه في الظلام لكنه عارف أنه لن يتيه، ولائي دوما للكتابة تلك التي تحيي ولائي للكلمة لأنه في البدء كانت الكلمة

وليد إخلاصي..

كاتب سوري، من أعماله “أحضان السيدة الجميلة” و”أحزان الرماد”، يقول عن طقوسه “كنت في سنواتي الأولى وقبل نصف قرن ـذهب إلى المقهى وأكتب في زاوية منه، وبعد فترة قصيرة تحولت إلى الكتابة في المنزل ولم يكن لي وقت محدد، فأنا رهن الأفكار التي تهم علي لتتحرك غريزة الكتابة، بعامة لم أكن منتظما في عملية الكتابة. بالرغم من إعادة كتابة العمل لأكثر من مرة فإن شعورا يلازمني في حياتي الأدبية بأن ما أكتبه بحاجة إلى شيء ما افتقده، لذا اعتبر جميع ما كنت كتبته مجرد بروفات، قد تؤهلني لعمل شيء أفضل.

إن فكرة العمل الأدبي ترد دون إرادة مني إلا أنه أثناء الكتابة هناك عوامل مرافقة هي أشبه ما تكون بالتنظيم الهندسي فتتدخل بوعي مني. فترات الكتابة قد تكون استغراقا وهي نوع من الانسلاخ عن المحيط الذي أعيش فيه وكثيرا ما يلازمني شعور بالغربة، أو أنها المفاجأة. عندما انتهي من قسم من الرواية أو منها كليا أحس بالخوف من إن كان سيصبح مقبولا من الآخرين، لذا فقد اعتدت عدم قراءة أي نص يطبع لي في كتاب أو مجلة كي لا اضطر إلى اكتشاف عيوب أو ضعف مما سيثير الحزن داخلي.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة