لطالما سألت نفسي .. لماذا نعيش كل هذه المشاعر والأخلاق في موسم الأربعين فقط ؟ ولمَ لا نعيشها على الدوام ؟ فالكل يشهد بأننا نبذل ونقدم ما تعجز الدولة عن توفيره ، والجميل أن هذا البذل نابع من طيب ذات وإمتنان . فلا نحسب حسابا للآخر .. ولا نسأل عن إنتماءه .. ولا عن نسبه أو إستحقاقه .. ترانا نحبه حُبّا جَمّا .. ونثق فيه ثقةَ واحدٍ منّا .. فعلامَ لا يطول هذا الشعور ؟! جميل أن يخرج أحدنا ولا يفكر أو يهتم بمأكله أو ملبسه أو نفقته لأنه مطمئن من وجود من يوفر له طلباته وإحتياجاته . وجميل أيضا أن تستضيف البيوت العراقية أناسا لا تعرفهم من قبل ، ومن مختلف الأماكن ، لتقضي معها وقتا لطيفا مباركا ، تفوح منه عطور المودة والإخاء ، والأجمل من ذلك أن يتشاطروا فيما بينهم هموم الآخرين والإحساس بهم . ومن مؤشرات الوعي والدراية .. ودواعي الفخر للبرايا .. الإجتماع على الخير والصلاح .. لا سيما في موسم الإصلاح . الذي لأجله وبسببه خرجوا وإجتمعوا . فلولا عاشوراء لم يكن الأربعين .. ولولا الإصلاح لم تكن عاشوراء . وبالتالي فإن الحكمة تقضي بضرورة إستثمار الفرص لتحقيق الأهداف لأن الوجود معلل بالغاية و ما يفوت قد لا يعوض . ويا ترى أي فرصة أنسب من هذه الفرصة ؟ وأي هدف أسمى من هذا الهدف ؟ فرصة الأربعين فرصة ذهبية ، فيفترض ان تكون النفوس متوجهة صوب ربها .. والأجساد مهيأة لخدمة عقيدتها .. والإمكانات مُعدَّة لنصرة مبادئها . فمالنا والتفريط ؟ ومالنا وسوء الإستثمار ؟ ألا يحب أحدنا أن لا ينقضي هذا الشعور الأربعيني ؟ فكيف لنا أن نطيل هذا الموسم ؟ الجواب يعني أن تستمر النفوس في مسيرة تهذيبها .. وتستمر الأمة على إستثمار وعيها .. ولا تتوانى عن إصلاح حالها . والإصلاح يبدأ من الفرد مرورا بالأسرة والمجتمع وصولا إلى السلطة التي تعد الحجر الأساسي والعامل الأهم في إستقرار الحياة التي تعكس إفرازاتها على سلوك الفرد . وكما يقال الناس على دين ملوكها فإذا كانوا ظلمة كانوا ظلمة ، وإذا كانوا صلحاء أيضا كانوا صلحاء . إذن لا بد من ردم الظلم والظالمين ومساندة الخير والخيرين .. حتى يبقى عراق العراقيين .. فلا تفرطوا في فرصة الأربعين .. وما دمنا نتحدث عن الإصلاح بإعتباره مسؤولية وأمانة في أعناق الجميع جدير بنا أن نتذكر الماضي ونشخص الأمور لنستفيد من ذلك في صناعة الحاضر والمستقبل . وكما يقال المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين ، فكم لدغنا ولدغنا ؟ فهل يا ترى نحن مؤمنون ؟ وبكل وضوح لكل ذي لب كيف ينهج الساسة النفعيين السبل الوصولية غير مكترثين للآخرين ولا للمبادئ حافظين . فها هم اليوم يعزفون من جديد على أوتارهم الممزقة ليخدعوا بنعيبهم من يشاء الخديعة والاستخفاف . فهل تعلمون إنهم يراهنون على سذاجتنا ويعتبرون ذلك ضمان نجاحهم ؟ نعم والله هكذا يفكرون ومنه ينطلقون . فكلكم سمعتموهم مرارا وتكرار يتشدقون بالتدين والتمذهب وبينهم وبين ذلك بعد المشرقين . و لا أعلم كيف هي وطنيتهم التي يتبجحون بها ؟ أبسلبهم لخيرات العراق ؟ أم بإراقتهم لدماء الأبرياء ؟ أم بعمالتهم التي باتت أشهر من نار على علم ؟ أم بحرمانهم الشعب لأبسط الحقوق ؟ والكل يعلم بعدم وجود أي مرفق في العراق يدعو إلى الطمأنينة وراحة البال وعلى جميع الأصعدة السياسية والإقتصادية والخدمية وغيرها ؟ أين النفط وأين الزراعة وأين الصناعة وأين التعليم وأين الإعمار وأين الكهرباء وأين الأمن وأين وأين وأين .. في بلد الميزانية الإنفجارية ؟؟؟ ستسألنا الأجيال ماذا صنعتم وكيف وقفتم أزاء المفسدين ؟ فما عسانا أن نجيب أبنائنا ؟ فهل نجيبهم ورؤوسنا مطأطئة ؟ ! فمزّقوا صمتكم وشَمّروا عن إرادتكم ولا يهدأ لكم بال ولا يقرُّ لكم قرار إلا بخلاص العراق وشعب العراق من الفساد والمفسدين ، ولنصدق حينما نقول لبيك يا حسين حتى نكون نعم الضيوف ونعم المُضَيّفين .