لم تمظي سوى ايام قليلة على الاعلان عن الحملة ضد الفساد حتى تحول الارتياح الذي شاع بين الناس الى قلق من ان الحملة قد لا تكون شاملة وجذرية،لاسيما بعد ان وعدوا انها ستطال كبار المسؤولين الفاسدين الذين اسمائهم على كل شفة ولسان منذ عام 2003 يفضحهم الثراء الفاحش والحياة الباذخة التي يعيشونها بعد ان كانوا في وضع مزر ويتحسرون على الدرهم مثلما يقال .
القلق مشروع ، فالحكومة التي فاجئتنا بالاعلان عن حملتها ضد الفساد كنا نمني النفس ان تشرك شعبنا كله في محاربة الذين نهبوا ثرواته لتضيف قوةعلى قوتها ووفق خطط معروفة،
ولكن اتضح انه ليس لديها ستراتيجية واضحة وقرارها اتخذ في الدائرة الضيقة منها ولا تختلف عن سابقتها من حملات ما لم تستعجل في بناء سياسات مجربة ومعلومة وتعيد حساباتها والا سيكون مصيرها، مثل عام مكافحة الفساد الذي بشرنا به نوري المالكي فهرب الفاسدون الذين فاحت روائحهم الكريهه فقزم الى يوم يستشهد به عل الفشل والتواطؤ ،وليس احسن حالا عام العبادي الذي نادى به بعد توليه المسؤولية مكررا اخطاء سابقه بعدم اعداد العدة ، وان اختلفابالارادة ،ومع ذلك نمني انفسنا ونلمس عملا في ظروف مواتية جدا .
مما يثير القلق انه لغاية الان الاليات غيرواضحة والمحققون الدوليون لم يصلوا الى البلاد ويباشروا عملهم اي ان الحكومة ستاخذ وقتا طويلا حتى تقدم لنا فاسدا مما يتيح للفاسدين توفير مستلزمات عملهم المضاد وتسويف الحرب عليهم وخلق الكوابح والعراقيل لافشالها .
ان الحكومة بالاعلا ن قبل تهيئة عدتها تركت المجال الى الفاسدين لترتيب اوضاعهم واخفاء اثار جرائمهم والادلة عليها بالاضافة الى تمكينهم من الهروب وهي التي لم تشكل المحكمة وتستكمل التشريعات ولم تعقد الاتفاقات مع الدول الاجنبية لتسليم من ارتكب الجرم اليها ، ولنا اكثر من مثال على ذلك وفي مختلف الدول .
والاخطر من ذلك الحكومة الى الان لم تستقرعلى راي بشان امام ايا من المحاكم ستعرض من يتم اعتقاله ومحاكمته هل يحاكم في المحاكم الاعتيادية ام تشكل محكمة جنائية خاصة على غرار محاكمة مسؤولي النظام السلبق ؟
الناس قلقون من التاثيرات على القضاء والاحكام التي يصدرها في بعض القضايا لا تتناسب مع الجرم المرتكب فهم لمسوا احكاما اصبحت مادة للتندر ،فهي تتشدد على “الكلينكس ” وتكون مائعة على سارقي المليارات .
ان الفساد اصبح ثقافة ويعتبره المتجردون من القيم شطاره في دولة ضعف القانون او تعطل فيها الى درجة كبيرة جدا وسجنائها القادرين على “التوريق” يتمتعون بوسائل الرفاهية والخدمات الخاصة .
لا يقتصر القلق على الناس وانما يصل الى بعض كبار المسؤولين في الدولة الذين يبدون الخوف على القضاة المكلفين بمحاكمة هؤلاء المجرمين االمتغولين وليس لديهم الثقة بان القضاة سيصدرون الاحكام العادلة والمناسبة لذلك عبروا عن مخاوفهم ولتبديدها بالدعوة الى تشكيل محكمة دولية كي يتخلص القضاء من ترغيب وترهيب المجاميع المسلحة والقوى النافذة التي تشارك الفاسدين بالغانم وتحاول انقاذهم بكل السبل .
في البلد تراكمت ملفات الفساد وهي معروفة ومتداولة وشواهدها بادية للعيان ، فان الخطوة التي تؤكدعلى الجدية البدء بها فورا واحالة مقترفيها الى القضاء وتحديد حركتهم ومنعهم من التصرف بما نهبوه، ومن جانب اخر العمل على الاسراع بتعديل التشريعات وسن الجديد منها وتشديد العقوبات وعقد الاتفاقات مع الدول لاسترداد كل من ارتكب جرما في بلادنا وفر اليها ، وما الى ذلك من مستلزمات تجفف منابع الفساد وبما فيها اصلاح النظام السياسي المنتج للفساد اصلا وبالتالي جعل ارتكابه امرا يقرب من المحال او يمتلك امكانات كشفه وعدم افلات مرتكبه من الحساب العسير .