17 نوفمبر، 2024 6:24 م
Search
Close this search box.

هل انتم مستعدون لمواجهة الحياة بدون ارض

هل انتم مستعدون لمواجهة الحياة بدون ارض

على هامش البيانات الختامية لمؤتمر الاطراف 23 بشأن المناخ والذي احتضنته مدينة بون الالمانية للفترة من 6-17 تشرين الثاني نوفمبر 2017، طرح الطفل توماسي نولاسالا من جمهورية فيجي سؤالاً على الوفود الدولية المشاركة في المؤتمر قائلاً: ” هل انتم مستعدون لمواجهة الحياة بدون ارض”، اذ يأتي سؤاله هذا من استشعاره للخطر الكبير الذي تواجهه بلاده (جزر فيجي) والعديد من الدول الجزرية حول العالم والذي يتمثل بخطر الغرق الذي يتوعد سكان تلك البلاد نتيجة للتغيرات المناخية وارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات بسبب ذوبان الكتل الجليدية في القطبين المنجمدين، بالاضافة الى الاثار السلبية والمخاطر الاخرى المتمثلة بارتفاع درجة حرارة الارض وكثرة الاعاصير والفيضانات وموجات الجفاف، الامر الذي يتطلب ايجاد حلول سريعة وفاعلة لمواجهة تلك المخاطر ولحماية الشعوب الفقيرة والنامية.
وكان باينيماراما رئيس الوزراء الفيجي ورئيس الدورة 23 لمؤتمر الاطراف قد طلب من جميع الاطراف ان تواصل تركيزها على الخروج بنتيجة ناجحة من هذا المؤتمر، كما اكد انطونيو غوتيرس، الامين العام للامم المتحدة، ان البلدان الجزرية الصغيرة الناميةهي اولى البلدان المتضررة من تغير المناخ، فعلينا ان “نصغي لصوتها”. وفيما يتعلق بمشاريع البنية التحتية الكبيرة قال: ” اذا لم تكن تلك المشروعات متوافقة مع المعايير البيئية فلا ينبغي السماح بتنفيذها”، وحث الدول المانحة على احياء الصندوق الاخضر للمناخ.
وقال الرئيس الالماني فرانك شتاينماير، ان واقع تغير المناخ امر مأساوي وملَح، واشار الى وجوب متابعة اتفاق باريس بالافعال والاجراءات، وان الهيكل متعدد الاطراف لا غنى عنه من اجل مستقبل سلمي ومستدام.
الوقود الاحفوري وتأثيره على مناخ الارض
اعتمدت البشرية لعدة عقود مضت على الوقود الاحفوري وتسبب بتغيرات مناخية كبيرة لكوكب الارض، فقد لعب الوقود الاحفوري دورا كبيرا في تطور الثورة الصناعية وتلبية احتياجات البشر للطاقة، ونظرا للاعتماد الكبير عليه وتسخيره في مجال الطاقة فإن هذا الامر قد ترك آثارا سلبية على البيئة، اذ يعد احتراق الوقود الاحفوري احد اهم عوامل تلوث الهواء والتسبب بالاحتباس الحراري الناتج بدوره عن غازات تغلف المجال الجوي للارض وتمنع انعكاس الحرارة الصادرة عن الارض من انتقالها الى خارج فضاء الكوكب، مما يسبب ارتفاعا في درجات حرارة الارض ويزيد من شدة التصحروالجفاف وقلة سقوط الامطار في بعض المناطق وفيضانات واعاصير في مناطق اخرى من العالم. وكانت مجموعة من العلماء والاقتصاديين قد دعت في بيان تزامن مع “يوم الارض” في شهر نيسان ابريل 2014 الى ضرورة ان تبقى ثلاثة ارباع احتياطيات الوقود الاحفوري في باطن الارض اذا ما اريد للانسانية ان تتجنب اسوأ تأثيرات تغير المناخ!.
الوقود الاحفوري .. والتنمية الاقتصادية
مع تزايد التغير في المناخ وتزايد حدته أصبحت الدول تواجه مشكلة التوفيق بين كل من موارد الطاقة، حماية البيئة والتنمية الاقتصادية والتي تعتبر واحدة من أكبر اهتمامات وتحديات عالمنا المعاصر من أجل تحقيق تنمية مستدامة للمجتمعات البشرية وأجيالها المتعاقبة، اذ لا يخفى الدور الأساسي لكافة الموارد الطبيعية سواء المتجددة منها أو الناضبة في دعم التنمية الاقتصادية، حيث تمثل تلك الموارد مدخلات ولوازم إنتاج أساسية لكافة القطاعات الاقتصادية التي تشارك في توليد الناتج والدخل القومي ومن ثم رفع معدلات النمو الاقتصادي بصفة عامة. ويعتبر البترول أحد أهم هذه العوامل سواء للدول المنتجة له أو للدول الصناعية الكبرى المستهلك الأساسي له.
وهنا وجدت الدول سواء الصناعية المستوردة والمستهلكة للبترول أو الدول المصدرة للبترول وخاصة العربية منها نفسها أمام معادلة صعبة الحل وهي كيفية المحافظة على البيئة والتقليل من الانبعاثات الغازية والتي يتهم الوقود الأحفوري بإطلاقها، وبين كيفية تحقيق التنمية ومواكبة التطور، رغم وجود البدائل المستدامة من انواع الطاقات النظيفة والمتجددة كطاقة الشمس والرياح والمياه، الا ان هناك افكارا سائدة منها ارتفاع اسعار تصنيع وتنفيذ هذه المشاريع، فضلا عن الاعتماد الكبير على الفحم والبترول في تسيير عجلة التنمية الاقتصادية والصناعية.
ولربما شعرت بعض الدول بخطورة الاعتماد على الوقود الاحفوري كمصدر اساسي للطاقة واعتباره كمصدر للدخل الوطني كحال الكثير من الدول العربية، الا اننا نجد اليوم رؤىً مختلفة ونوايا ومشاريع لتنويع مصادر الدخل وإدخال مصادر جديدة للطاقة، فهناك مشاريع طموحة في بعض البلدان العربية كالمملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة والمملكة الاردنية الهاشمية ومملكة المغرب التي تعد الرائدة عربيا في مجال الطاقات النظيفة.
مستقبل الحياة على كوكب الارض
يعد ارتفاع درجة حرارة الأرض تهديدا بيئيا واقتصاديا يتصف بشموليته واتساع نطاقه على العكس من الكوارث والتهديدات البيئية الأخرى التي واجهتها البشرية من قبل وتعتبر هذه المشكلة محلية وإقليمية وعالمية كما أنها لا تقتصر في اتساعها على المدى الجغرافي والمكاني فقط بل أنها تشمل الزمن أيضا بمعنى أنها تمتد للأجيال القادمة. لما تخلقه هذه الظاهرة من آثار ضارة تؤدي إلى نهاية العالم على المدى البعيد، مثل ندرة المياه وتصحر الأراضي هذا بالإضافة إلى أن ارتفاع متوسط درجة الحرارة الى درجتين مئويتين ستحدث زيادة هائلة في فقد الكائنات الحية وفي الأحداث المناخية الشديدة مثل العواصف والجفاف والفيضانات مما يهدد حياة الملايين. ولكن المشكلة لا تقف عند هذا الحد لأن الظاهرة التي تحدث هذه الآثار الضارة تنتج أساسا عن طريق العديد من الصناعات والقطاعات التي تعمل على انبعاث هذه الغازات السامة والمكونة لظاهرة الاحتباس الحراري، الأمر الذي يوضح لنا أن المشكلة تكون مزدوجة لأنه كلما اتجهنا لزيادة الإنتاج تزيد في نفس الوقت معدلات تلوث البيئة. إن الإستخدام المكثف والمبالغ للطاقة التقليدية والتي تعتمد على “الوقود الأحفوري” البترول ومشتقاته والفحم والغاز الطبيعي تسبب بأضرار بالغة الخطورة إلى الإنسان و البيئة و جميع الكائنات الحية، وأدى إلى تلوث بيئي لم يشهد له مثيل وإلى الإحتباس الحراري وإرتفاع درجة حرارة الأرض والأمطار الحامضية وإلى العديد من الكوارث البيئية التي بدأت ولايعرف متى تنتهي بالإضافة إلى المشاكل الصحية والتي يصعب تعدادها و حصرها، مما أدى إلى البحث عن مصادر للطاقة البديلة والنظيفة والتي تحقق التنمية المستدامة ولا تؤثر سلبا على صحة الإنسان و البيئة وهذا ما يتحقق في الإعتماد على مصادر الطاقة المتجددة التى تتولد بصورة طبيعية وبصفة مستدامة ودون أن ينتج عنها أي نوع من أنواع النفايات الضارة.
الحل لوقف تغير المناخ
بما ان حرق الوقود الاحفوري هو المصدر الاساسي لغازات الدفيئة ينبغي ان نقلص اعتمادنا على النفط كمصدر اساسي للطاقة. والحلول البديلة موجودة: الطاقة المتجددة “المسالمة” وترشيد استخدام الطاقة.
تقدم الطبيعة مجموعة من الخيارات البديلة من اجل انتاج الطاقة. ومع توخي ترشيد استعمال الطاقة، تؤمن موارد الطاقة المتجددة كالشمس والهواء والامواج والكتلة الحيوية مصادر فاعلة وموثوقة وتحترم البيئة لتوليد الطاقة التي نحتاجها وبالكميات التي نرغبها. لن يتطلب تطبيق هذه الحلول اي تنازل من المواطنين عن انماط حياتهم، بل سيخولهم الدخول الى عصر جديد من الطاقة يأتي عليهم بالازدهار الاقتصادي وفرص العمل والتطور التكنولوجي والحماية البيئية. يأتي هذا ضمن توجهات ورؤى للعديد من دول العالم المتقدمة والنامية يهدف لتطوير سياسات الاستفادة من كافة أنواع الطاقة المتجددة واستثمارها، وذلك كسبيل للحفاظ على صحة الإنسان من ناحية والمحافظة على البيئة من ناحية أخرى، بالإضافة إلى إيجاد مصادر وأشكال أخرى من الطاقة تكون لها إمكانية الاستمرار والتجدد، والتوفر بتكاليف أقل، في مواجهة الطلب الكبير على الطاقة و النمو الاقتصادي السريع والمتزايد، وهو الأمر الذي من شأنه أن يحسّن نوعية حياة الإنسان و يحسّن أيضا البيئة العالمية والمحلية.

أحدث المقالات