19 ديسمبر، 2024 10:16 م

اعرف عدوك حقيقة وليس من حكايات جدتي

اعرف عدوك حقيقة وليس من حكايات جدتي

دائما ما اكرر قناعة خاصة بأن الحرب على ايران كانت فخاً رُسِمَ للعراق من قبل امريكا لتدمير موارده البشرية والاقتصادية وجعله دولة ضعيفة، تخرجه من دول المواجهة مع اسرائيل مستغلين طموحات صدام وآماله بالزعامة العربية بل حتى بابعد من ذلك كما كان يأمل ليكون كعبد الناصر وتيتو ونهرو في قيادة دول عدم الانحياز. وقد قدمت امريكا له اغراءً عظيما باصطفاف عربي خلفه وبانت حقيقة هذا الاصطفاف الوهمي بعد انتهاء الحرب، حيث تحول الى طوق محكم اقتادوا به صداما نفسه الى المشنقة بعد ان قدموا كل شيء لامريكا وحلفها الغربي لغزو العراق في 2003 وعملوا على تدمير العراق بموت بطيء منذ عام 1991 حتى حلول ساعة الضربة القاضية.
ولا يزال البعض ممن يرى جزءً صغيراً جدا من الصورة يظن ان الحرب سببها طموحات ايرانية جسدتها افكار تصدير الثورة كما روج لها الاعلام حينها ولا يزال البعض يرددها، وبناءا على ذلك في نظر هذا البعض ان ايران هي من تتحمل سبب اندلاع هذه الحرب وما حصل فيها من مآسي وفظائع والآم.
هذا المقطع يؤكد رغبة ايران بتجنب الحرب على لسان صلاح عمر العلي وهو واحد من القيادات التاريخية لحزب البعث، وتاريخ صلاح عمر الحزبي ابعد واعمق بكثير من تاريخ صدام وكل من حكم العراق مع صدام من الصبية والمراهقين الطائشين. لعل هذا المقطع يظهر جانباً من الحقيقة في رغبة ايران بتجنب الحرب ولم تلق هذه الرغبة للاسف التجاوب، لان احلام الزعامة كانت كبيرة والدعم الدولي كان عظيما وكان كل شيء يغري بمهاجمة ايران الضعيفة والخارجة من مشكلة داخلية كبيرة وكل شيء كان يبدو في صالح مغامرة صدام بسحق ايران.
الان وبعد 37 سنة من اندلاع هذه الحرب لو تأملنا نتائجها لعرفنا بوضوح شديد ان المتضرر الاكبر منها هو العراق، بينما كل الدول الاخرى في المنطقة بما فيها ايران تجاوزتها وتخلصت من اثارها الا العراق الذي لا يزال يعاني بشدة من عواقبها الكارثية. وان من اهم نتائجها ان اسرائيل صارت بعدها بزوال العراق من خط مواجهتها اكثر امنا، بل واشد جرأة في التعاطي مع محيطها. ومن يدرس تاريخ العراق الحديث قبل وبعد تأسيس اسرائيل يعرف ان كل الحكومات العراقية على تنوعها الايدلوجي لم يتجرأ اي احد من هذه الحكومات على ابداء اي نوع من المرونة مع اسرائيل بل انها كلها كانت تشترك في قاسم واحد وهو شدة عداوتها لاسرائيل وكان هذا العداء ولا يزال لليوم شعورا شعبيا جارفا في العراق، لا تقوى اي حكومة مهما كانت مرتبطة بأي جهة خارجية على مواجهته، وحتى لو كانت حكومة مرتبطة ببريطانيا التي اعطت الوعد بتأسيس اسرائيل كما كان ذلك واضحا في كل حكومات العهد الملكي.
وحتى لا يُفهم ان هذا المقال كتب لتبرئة ايران او للدفاع عنها، اقول ان القصد منه، هو ان نعرف من هو عدونا الحقيقي وكيف يفكر تفكيرا استراتيجيا لتحطمينا. وعلينا ان ننظر بعمق لهذه الحروب والازمات التي تشعل بين فترة واخرى وحتى نعرف ان الاهداف الاستراتيجية ابعد بكثير جدا مما يعلن عنه. وحتى لا نصير ضحايا مرة اخرى للجزء الظاهر من الصورة ونغفل العمق الحقيقي لها.
ولعل اوضح الامثلة التي اسوقها للتدليل على هذه الاهداف الاستراتيجية هي الحرب الاهلية في سوريا فبعد ست سنوات من حرب اطاحت بالدولة السورية وشتتها وشعبها الى شظايا متناثرة،كان سبب اندلاع هذه الحرب هدف سوق له الاعلام الغربي والعربي معه هو رغبة شعبية باسقاط حكم بشار الاسد واندفعت دول بقوة لدعم المحتجين بكل اسباب اشتداد الحرب حتى امنوا وصولها الى مرحلة تحرق سوريا تماما وظن السوريون لوهلة ان الدول العربية والعالم يساندهم للاطاحة بحكم بشار الاسد الدكتاتوري بعد مؤتمرات باذخة ودعم وتسليح وتمويل سخي. عادوا اليوم ليروا ان هذه الدول العظمى رفعت هذا الشرط من سياستها وعادت تقبل بنفس بشار الاسد طرفا تتفاوض معه، بل ولا تشترط ازاحته من الحكم كما عبرت فرنسا وغيرها عن ذلك صراحة وصار الحديث الامريكي ان لا حل عسكري لحل الازمة السورية بل الحل سياسي. ولكن متى ظهرت هذه الدعوات؟ بعد ان اندثرت سوريا تماما من خط المواجهة وبشكل واضح جدا بحيث اصبحت سوريا نفسها هدفا سهلا للغارات والهجمات الاسرائلية ولا رادع لها ولا يوجد حتى ادنى تفكير برد الضربة لها.
صارت اسرائيل بعد الحرب السورية ليست اكثر امانا وحسب بل صارت تتحدث ليس عن مواجهة اسرائلية عربية كما في السابق ولا عن تطبيع عربي اسرائيلي كما كما فعل السادات وحسين ملك الاردن بل اضحت اليوم تتحدث عن تحالف عسكري مع دول عربية بمواجهة عدو مشترك.
اصبح الحديث اليوم عن قضية فلسطين وعن العداء للصهيونية كمن يتحدث عن امور عفا عنها الزمن او كمن لا يزال ساذجا يصدق بحكايات جدتي.
منطقة المرفقات

أحدث المقالات

أحدث المقالات