15 نوفمبر، 2024 7:01 ص
Search
Close this search box.

فعالية الدبلوماسية العراقية

فعالية الدبلوماسية العراقية

ليس متأخراً الحديث عما جرى في المحافل الدولية من نشاط للدبلوماسية العراقية، فمن حق الجميع معرفة ما دار ويدور في هذه المحافل طالما يخدم ذلك العراق ومكانته في العالم .. ثمة تعتيم عربي واقليمي على الدور العراقي، عشناه عندما اعددنا لانعقاد القمة العربية في بغداد ، واستمر ذلك ونحن نعد العدة للقمة العربية اللاتينية وهي برئاسة العراق ..

    لقد لعب الاعلام العربي الذي لاحصة للعراق فيه على الرغم من تعدد وسائل الاعلام العراقية ، نقول لعب دوراً سلبياً للغاية في تناول اخبار العراق، فاظهر وعظم كل ابعاد الصورة العنفية والخلافية، وعتم ، ما استطاع ، كل جهد ايجابي في خضم ذلك . نحاول في السطور التالية تسليط الاضواء على بعض النشاطات السياسية العراقية .
*     *     *
     ينطوي النشاط الدبلوماسي على مهمة محددة تفرضها السياسة الخارجية لبلد ما وتجسدها مجموعة القرارات التي تحدد أهداف الدولة الخارجية متضمنة آلية تنفيذ هذه القرارات. يعرف مارسيل ميرل في كتابه ” سيسيولوجيا العلاقات الدولية” السياسة الخارجية بانها ذلك الجزء من النشاط الحكومي الموجه نحو الخارج، أي الذي يعالج بعكس السياسة الداخلية العلاقات بين الدول . وكما هو معروف فإن محور السياسة الخارجية هو التركيز على الدولة. أما العلاقات الدولية فتعنى بكافة أشكال التفاعل بين وحدات المجتمع الدولي سواء كانت تلك الوحدات دولا أم اتحادات نقابية أو منظمات دولية او شركات عالمية، وهي تشمل التجارة الدولية والقيم والمفاهيم والأخلاقيات الدولية.

    كتبت هذه الاسطر كي اوضح فحوى واسلوب عمل سياستنا الخارجية ومآلاتها، مع الاخذ بنظر الاعتبار بان هذه السياسة لا تعتمد في تحركاتها ودائرة اهتماماتها على الجانب النظري رغم اهميته، ولكنها والحق يقال ابرعت في تجسيده في كل نشاطاتها في السنوات الاخيرة وفي علاقاتها العربية والاقليمية والدولية .

    ودبلوماسيتنا العراقية عرفت مراحل متعددة من ازمانها ففي الزمن الملكي كانت تستمد قوتها من حنكة صانعيها ومن تحالفاتها الخارجية، وفي العهد الجمهوري تفاوتت ممارساتها ما بين الاستفادة من ارثها ومن تحالفاتها الجديدة، اما في عهد صدام حسين فقد كانت خليطا ما بين ضغوطات قوة العنف المستخدم داخليا وخارجيا ودبلوماسية دفتر الشيكات.

     وتختلف الدبلوماسية العراقية في عهد التغيير (منذ عام 2003 وحتى يومنا هذا ) عن السابق بانها تعتمد على قوة الاقناع والتواصل الدولي وتوثيق العلاقات العربية والاقليمية والعمل وفق مبدأ تحقيق المصالح المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول..

    وتدلنا خبرتنا من خلال العمل كمندوب للعراق في جامعة الدول العربية على حقيقة ان الدبلوماسية العراقية تصرفت في كل مراحل العمل سواء بالتحضير لعقد قمة بغداد او ابان ثورات الربيع العربي او في الازمات كالازمة السورية في منتهى المرونة والحكمة والحسم، وكانت في الاعم الاغلب تتخذ مواقف استشرافية، تتأكد الامانة العامة للجامعة والمجموعة العربية ايضاً فيما بعد بانها كانت على صواب كامل وان الخبرة المتراكمة لدى رأس الدبلوماسية العراقية وهو السيد الوزير وكثافة تواصله مع صناع القرار على المستوى الاقليمي والدولي هي التي دفعته لاستشراف افضل للمشاكل المطروحة .

   ولكي لا نسرد امثلة لا حصر لها، فسوف نكتفي بالاشارة الى دروس جولتنا الدبلوماسية الجديدة الاخيرة المتعلقة باجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك، والاجتماعات التحضيرية للقمة العربية الامريكية الجنوبية في نيويورك ايضا والى اجتماع مجلس وزراء المجوعتين العربية والامريكية الجنوبية وكذلك اجتماع القمة وهما برئاسة العراق في ليما عاصمة جمهورية البيرو .

   لقد تكمن السيد الوزير والوفد المرافق له وخلال ايام معدودات من اجراء عشرات اللقاءات الثنائية المهمة على مستوى هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية وسيرجي لافرورف وزير خارجية روسيا الاتحادية وكاترين اشتون المفوضة الاوروبية للشؤون الخارجية وبان كي مون الامين العام للامم المتحدة، ووزراء خارجية هولندة والجيك وايرلندا واحمد اوغلو وزير خارجية تركيا ، هذا غير المقابلات مع الشخصيات العربية مثل رئيس الوزراء الكويتي والامير عبد العزيز بن عبد الله السعودي ، ووليد المعلم وزير خارجية سوريا والمبعوث الاممي والعربي المعني بالازمة السورية الاخضر الابراهيمي ..

    تلك كانت حصيلة مهمة من اللقاءات الثنائية ناهيك عن اللقاءات متعددة الاطراف والمساهمة في ابداء رأي العراق وسياسته في هذه الاجتماعات وبخاصة وعلى سبيل المثال اجتماع دول ” اصدقاء الشعب السوري” الذي ابرع زيباري في مداخلاته لابراز الموقف المتوازن للعراق فيه ..
    والى جانب كل هذا كانت هناك اجتماعات اخرى برئاسة العراق تدور في ردهات مبنى الامم المتحدة .. فقد ترأس العراق اجتماعين لكبار المسؤولين في الدول العربية والامريكية الجنوبية ، وساهم بجدارة في تذليل كل العقبات لاعتماد البنود المختلف حولها في “اعلان ليما”، كما ترأس العراق ايضاً بفعل رئاسته للقمة العربية الاجتماعين الوزارين لوزراء الخارجية للدول العربية والدول الامريكية الجنوبية، الاول في نيويورك ( بالتشارك مع بيرو) والثاني في ليما برئاسة كاملة للعراق، ولم تكن ترتيبات رئاسة العراق يسيرة بسبب ان الدولة المضيفة للقمة لها الاولوية فيها، بيد ان براعة الدبلوماسية العراقية اقنعت الامانة العامة للجامعة والبلد المضيف بالرئاسة العراقية التي أدارت الاجتماعات بمرونة وقدرة نالت عليها تهنئة الجميع .

   اما اجتماع القمة العربية الامريكية الجنوبية فقد كانت له قصة اثبتت الدبلوماسية العراقية فيها اسمى قدراتها وبراعتها .. فقد كان من المفترض ان يرأس رئيس الجمهورية العراقية او نائبه هذه القمة ، بيد ان الظروف حالت دون ذلك، وبناء عليه ستكون منصة القمة مقتصرة على رؤساء الجمهوريات فقط ، وقد اخترنا بالاتفاق مع الامانة العامة الرئيس اللبناني ليتولى رئاسة الاجتماع، ولكننا تفاوضنا وباصرار كبير مع الامانة على ان تبقى الرئاسة بيد العراق وان يكون السيد الوزير على المنصة .. وكانت مفاوضات شاقة لأن المنصة اقتصرت على الرؤساء وهم : رئيسة الارجنتين ورئيس بيرو ورئيس لبنان والامين العام للجامعة، ومع ذلك فقد اقنعنا الامانة و الجميع بان السيد الوزير هو الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية ويلقي كلمته ومكانته الطبيعية المنصة.. وهكذا نجح الوزير باعتلاء المنصة مع الرؤساء وتقدمت كلمته على عشرات من كلمات الرؤساء ونالت الاعجاب .. وختم الوزير رئاسة القمة امام الاعلاميين والصحافيين بتلاوة نتائجها وبيانها الختامي.
   تلك هي ابرع صورة لفعالية الدبلوماسية العراقية في ارقى صورها .. وكما بدأنا في هذه العجالة بالتأكيد على ان السياسة الخارجية هي ذلك الجزء من النشاط الحكومي الموجه نحو الخارج ، فإن هذه المهمة التي تبدو عسيرة لتعدد الاجتهادات وتنوع الطروحات وكثرة التناقضات داخل النشاط الحكومي، ومع ذلك فقد جسدت الخارجية افضل صورة للعراق في الخارج، مصورة اياه بثبات الموقف واستقرار الامن وشيوع الاستقرار، وغالباً ما نصاب باحراج شديد من جراء تناقض قولنا مع واقع التفجيرات التي تهز هذا الاستقرار .. اقول هذا لكي ابين حجم المسؤولية الملقاة على عاتق الدبلوماسية العراقية .

أحدث المقالات

أحدث المقالات