ندري انك ستمر حزيناً رتيباً كما مر قبلك عيد رمضان وعيد الميلاد وعيد القيامة. ولولا القدسية التي حُملت بها مع نظرائك لكان الاهتمام بك لايتجاوز اهتمامنا بعيد الام وعيد الطفل وعيد الشجرة ومثيلاتها، مع ان مخاليق الله “الفايخين” ابتكروا ويبتكرون المزيد من الاعياد لينغمسوا في فرح وسرور وسعادة ونشوة على مدار السنة، اذ لم تعد الاعياد الدينية التقليدية والتراثية قادرة على استيعاب حاجتهم للفرح واشباع رغبتهم في الاستمتاع والمرح والتغيير والتغلب على متاعب ومنغصات العمل ورتابة الحياة اليومية وهمومها وفواجعها.
كان اهلنا يطلقون عليك لقب العيد الكبير ويسمونك بـ”عيد الموتى” لانهم يصبحون بك عند مقابر اهلهم واسلافهم، ثم صاروا يقضون ايامك مناصفة بين المقابر وبين السجون، والسعيد فيهم من وجد حبيبه بين السجناء وتعيس من ظل يتنسم اخباره من المسجونين الذين يطيبون خاطره بكلمات عزاء ويعللونه بالآمال: عسى ان تجده في السجن الفلاني، وهم يعلمون علم اليقين ان شفلات عبد الله المؤمن قد سوت به الارض مع الوف امثاله في مقبرة جماعية مجهولة الحدود.
ومع كل ما حُملوا به من أسى كنا نلح عليهم بطلب الملابس الجديدة للعيد وهم لايملكون قوت يومهم فيفرون من لجاجتنا قائلين ان هذا “عيد الموتى”، مسوفين بأن “كل ايام الله عيد”!.
ومضوا قبل ان يشهدوا ايام المفخخات والاّ لاحتاجوا لعدد كبير من اعياد الموتى!. لاشك ان ابناءهم واحفادهم اقل تعلقا منهم بزيارة الموتى بعدما صار الموت امرا مألوفا وحدثا عابرا.
استميحكم العذر ان اسهبت في الحديث عن الموت والمقابر توطئة للعيد فقد دفعني لذلك الطفل “جعفر” ذو الخمسة اعوام الذي رفض ارتداء بدلة العيد الاّ بعد ذبح ضحية العيد لاخيه الكبير الذي اغتالته يد الارهاب الغاشم قبل عامين، وحرضتني جارتنا “اسيل” ذات العشرين ربيعا التي فقدت حبيبها في التفجيرات الاخيرة بعد اسبوعين من زواجهما والتي اصرت على قضاء العيد عند قبر زوجها في وادي السلام.
وبعد…. حج مبرور وذنب مغفور لمن حجوا لاول مرة!.
وعيد سعيد للفائزين في الانتخابت المقبلة برلمانين وحكومين..
وكل ايام الله عيد لمن فروا بالمليارات ولكل ابطال الفساد المالي والاداري ولاصحاب الرواتب المليارية. وصبر جميل لفقراء الوطن حتى يلاقوا ربهم نظيفي اليد والعرض والضمير.