25 نوفمبر، 2024 10:42 م
Search
Close this search box.

البنك المركزي العراقي : ( اقتصاد الكازينو)…. سراب التنمية !! – 2

البنك المركزي العراقي : ( اقتصاد الكازينو)…. سراب التنمية !! – 2

من الحقائق التي تغيب عن أذهان الكثيرين، أن  أول من وضع أسس النظام النقدي والمالي في العراق هم ثلاثة يهود عراقيين في مقدمتهم:  ساسون حسقيل الذي كان وزيرا في خمس وزارات عراقيه في العهد الملكي وكان عبقريا فذا يجيد ست لغات أجنبيه ولديه معرفه اكاديميه بالشؤون ألاقتصاديه لا يتمتع بها غيره من اقرأنه حينذاك…. ولذلك  اصطحبه جعفر العسكري لمؤتمر القاهرة عام 1921 لبحث مستقبل العراق اقتصاديا  حيث اقنع  حسقيل العسكري بان مطالبه العراقيين بالاستقلال والسيادة لابد ان ترتبط بالمطالبة  بتأسيس بنك مركزي عراقي يتولى تنظيم الحياة الاقتصادية للبلاد كخطوة أولى، كما يعود له الفضل في  وضع أسس النظام المالي والمصرفي والموازنة السنوية. وساسون حسقيل هو  أيضا من اجبر البريطانيين على دفع حصة العراق من النفط بالباون او الذهب مما جعلهم يعترضون على توليه وزاره المالية مجددا،   كما بلغت نزاهته وعفته إلى درجه رفضه تحويل مخصصات الملك فيصل الأول من باب الى باب لأنه عدها مخالفه ماليه وتجاوزا على القانون وهو ما لم يغضب الملك!! واعتبر موت ساسون خسارة كبرى للعراق، حتى ان الرصافي نعاه في قصيدته المشهورة:
فقدنا به شيخ البرلمان ينجلي     به ليله الداجي إذا مات يخطب 
كما لعب غزرا الياهو دورا كبيرا في رسم  سياسة التبادل التجاري الخارجي بصفته وزيرا للتجارة في العهد الملكي، فيما سن إبراهيم الكبير -وهو يهودي عراقي- النقود العراقية عام 1932 بدلا عن الربية الهندية والليرة التركية، ووضع خطط عمل البنك المركزي العراقي. والمعروف  ان بداية التفكير الجدي بإصدار عملة وطنية عراقية لأول مرة  كان عام 1922 على أثر المذكرة التي رفعها وزير العدل العراقي إلى سلطة الاحتلال البريطاني وبيّن فيها المظاهر السلبية الناجمة عن تداول الروبية الهندية، وقد عارضت السلطات المُحتلة الفكرة في حينها.
.. ومن الواضح أن تطور ودور أهميه البنك المركزي جاء نتيجة زيادة عوائد العراق النفطية وإنشاء مجلس الأعمار الذي استعان بخبراء أجانب ليتمكن ضمن وظائفه الأخرى من ضخ الريع النفطي في شرايين الاقتصاد المصاب بفقر الدم
 خلال العقود ألخمس  الأخيرة شهد الاقتصاد العراقي متغيرات كبيره تمثلت بارتفاع عوائد التصدير بعد تأميم النفط في مطلع السبعينات  وبدء  خطة التنمية الأولى( 1975-1980 )حيث بلغت ودائع العراق عام 1980م 37 مليار دولار  تحولت حطبا ثم رمادا بعد اشتعال فتيل الحرب العراقية الإيرانية ولجوء العراق الى الاستدانة والسحب من الاحتياطي لدى البنك المركزي لتمويل عجز الموازنة الذي نتج عن اقتصاد الحرب وما تلاها من صراعات عسكريه مع الغرب الذي فرض الحصار على العراق حيث ارتفعت المديونية الخارجية من 61 مليار دولار عام 1988 الى  140 مليار دولار عام 2003م. نتيجة خدمه الدين.. دون ان نتحدث هنا عن 300 مليار دولار تمثل تعويضات (عاصفة الصحراء). أضافه الى الخسائر الكبيرة الناجمة عن بيع وتهريب النفط بأسعار بخسه خلال الفترة 1991 -2003م
كل هذه المتغيرات السلبية تأثرت بها السوق النقدية العراقية الى درجه انهيار قيمه الدينار العراقي بسبب كشف وتعرية العملة مما يسترها أي الاحتياطي لدى البنك المركزي، مما جعله  رغم إرادته بلا سلاح او أدوات للتدخل في السوق النقدية خاضعا لأهواء الساسة وتصوراتهم وأفكارهم التي لم تكن دائما مستنده الى آراء الخبراء الاقتصاديين ولا الى تصورات البنك المركزي العراقي المهنية كونه صاحب دور إشرافي كبير و تعود اليه سلطة توفير السيولة للبنوك في حال دعت الضرورة. وانصب غضب السلطة على مضاربين صغار في السوق السوداء للعملة لم تتردد عن قطع أيديهم التي كانت تطعم أفواه جائعة ومن قبلهم أعدمت تجار( الشورجة) الذين حملتهم وز كارثة مغامرات دمويه أقدم عليها النظام السابق  وهذا هو حال العراق دوما في بحث السلطة عمن يدفع الثمن من الابرياء!!!

في محاولة لفهم ما يجري ألان من صراع داخلي بين خازن (بيت المال) والسلطة التنفيذية يضاف الى صراع الكتل السياسية، علينا ان نعرف هنا ان التغييرات التي حدثت في النظام المالي العراقي خلال الأعوام ألتسعه الماضية ربما تسببت في صراع يتجاوز الشبيبي ونائبه والتشهير بهم بهذه ألطريقه التي تثير الاستغراب والحيرة معا، إذ أن الأوضاع ألراهنه في المنطقة  وارتفاع عوائد النفط جعلت السوق العراقية اكثر اعتماداً على البنوك، فمن دوله ينهش اقتصادها الديون والتعويضات الى أخرى بلا هوية اقتصادية او إستراتيجية واضحة السمات تلعب دورا مضطردا محوريا في إمداد الأسواق العالمية بالطاقة، وقادرة فيما لو توفرت لها الإرادة والاستقرار على ان تأتي بالرخاء لشعبها و تتماشى مع زيادة الطلب على النفط حول العالم.
 وهذه الحقيقة أكدها مؤتمر الطاقة الأخير في اسطنبول بحيث ان العراق سيتفوق على السعودية في إنتاج النفط بسبب ارتفاع استهلاكها المحلي اليومي خلال العقد القادم الى 8 مليون برميل دون ان تمتلك القدرة على زيادة الإنتاج بينما ستزداد طاقات التصدير العراقية بصوره معوضه عن اكبر منتج في المنطقة .
 لقد بلغت قيمه الدين الداخلي يوم احتلال بغداد 5,7 تريلون دينار، كانت حصة البنك المركزي منها 5,4 تريلون دينار،  لذا عقدا لبنك اتفاقية مع الحكومـة العراقية عام 2006 بحيث يتم التسديد على مدى 7 سنوات ونصف في كل فصل تسدد 180 مليار دينار، إلا أن هذه الاتفاقية أُوقفت عام 2009بسبب الظروف الاقتصادية . من ناحية أخرى فان قرار مجلس الأمن رقم 1438 الزم العراق تسويه مديونيته وتطبيع علاقاته مع المؤسسات المالية الدولية ومنها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي،  وقد وافق العراق على هذا القرار، ومن مقررات هاتين المنظمتين ما يفيد بتحرير انتقال رأس المال الذي أصبح يسبب قلقا للحكومة.
 لقد ارتفعت  احتياطيات العراق من العملة الصعبة لتصل الى أكثر من 67 مليار دولار في الآونة الأخيرة، وربما أصبح من الصعب على الحكومة قبول فكرة وجود مسئول حكومي آخر يحتفظ بهذ الأموال والاحتياطيات، ويستطيع وفق صلاحياته التحكم بها التي اقرها الدستور تبعا لآليات السوق والتدفق النقدي والحفاظ على سعر العملة. أما ما تريده الحكومة فهو تنفيذ برامج أعمار مكلفه، وان تتحول هذه الأموال إلى ضمان يمول عمليات أعادة الأعمار وإذا اقتضى الأمر  سحب جزء من هذا الاحتياطي وإقراضه للحكومة وهو ما رفضه الشبيبي ونائبه بإصرار محتمين بقانون البنك المركزي.
 لنرى ما هو جواب المركزي على رغبات الحكومة الذي قطع حبل الود بينهما؟؟؟؟
يجيب  مظهر محمد صالح بالاتي في منطق اقتصادي ربما اغضب السيد المالكي ومستشاريه كثيرا ( ليس من واجب مخزون البنك المركزي بناء تنمية مباشرة، بل هذا واجب السياسة المالية التي تمثلها وزارة المالية، وإذا كانت السياسة المالية لا تمول فمَن يمول إذاً؟! وأنا احمّلها مسؤولية عراق دخلته حتى الآن 188 مليار دولار(     التصريح يعود لعام 2009) منذ الاحتلال..أين خططها التنموية؟! وأنا أُحاكم أجندة التنمية في العراق، أين ذهبت هذه الأموال؟! .. لقد ذهبت جميعها إلى الاستهلاك، فلا يأتي أحد بعد أن أفلس ويقول “تعال يالبنك المركزي وأعطونا أموالكم”. وإذا كان من مسؤولية البنك المركزي تمويل المشاريع، أذا فلتلغ السياسة المالية والسياسة الاستثمارية وليضعوا كل شيء بيد السياسة النقدية التي يقودها البنك المركزي.)!!!!!
 ويضيف موضحا وبلغه اقل حده ( البنك المركزي لا يقرض سوى البنوك فقط، والبنوك تقرض المواطنين وهذا النظام العالمي، فإقراضنا البنوك ليست مشكلة، بل إقراض الحكومة مشلكة لان القانون يمنع ذلك، وأنا من المؤمنين أن يعدل قانون البنك المركزي ويقرض الحكومة، ولكن إقراض بطريقة تساعد الحكومة ولا تخل بسياسات ووظيفة البنك المركزي واستقلاليته، وأتوقع أن تكون هناك بعض التعديلات على قانون البنك المركزي في المستقبل ونحن والحكومة جادون بذلك.)
 أن العراق يملك ثالث احتياطي مؤكد من النفط في العالم بعد السعودية وإيران ويقدر بنحو 143 مليار برميل في حين يتجاوز الاحتياطي الحقيقي هذا الرقم بكثير، ونحو 3,2 تريليون متر مكعب من الغاز وهو من بين اكبر احتياطيات الغاز في العالم، وتشكل إيرادات النفط 94 % من عائدات البلاد التي تعتمد موازنة سنوية تبلغ أكثر من 100 مليار دولار وهذا يحدث لأول مره في تاريخه. لكن الحاجة لتمويل الإنفاق العام الكبير ومعالجه الركود والبطالة يجعل العراق بحاجه الى أموال طائلة لأعاده أعمار بني وهياكل متقادمة وشبه مندثرة وقد تركز نقد معارضي الحكومة على فشلها في توفير الخدمات وأعمار الخراب الذي ورثته من النظام السابق لكنها من منطق الصراع عارضت مشروع البني التحتية الذي تحمس له رئيس الوزراء.

 ويجمع خبراء أجانب، ومنهم الذين كان الشبيبي يتداول معهم في طوكيو حين فوجئ بأمر   عزله وإحالته للقضاء، انه لا توجد أي دولة تنافس العراق في قدرتها على ضخ كمية مماثلة من النفط في وقت قصير. لكن زيادة صادرات العراق النفطية وعوائده من البترودولار يعتمد أساسا على النمو العالمي التي يمكن أن يؤثر على أسواق النفط العالمية وبالتالي على مشاريع العراق الطموحة، فيما بات من الواضح زيادة الطلب على النفط في السوق الداخلي العراقي نتيجة محاولة الحكومة إصلاح قطاع الكهرباء وارتفاع معدلات الاستهلاك وتطبيق برنامج البنى التحتية الذي قد  يتجاوز 200 مليار دولار وهي عوامل قد تؤثر على عائدات النفط في المستقبل وتخلق تحديات سياسية وجيو-سياسية خلال سنوات قليله.
وإضافة الى كل ماذكر، هنالك التحدي الأكبر الذي يواجهه العراق وهو ما يتعلق بوحدة أراضيه وإرادته الوطنية التي تكشفها الخلافات حول صادرات النفط بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان التي بدأت مؤخرا تصدير و بيع النفط في تركيا دون موافقة الحكومة وكذلك الصراع بين إطراف العملية السياسية.
 من هنا فان الخلاف بين البنك المركزي والحكومة هو خلاف يتعلق بإصرار البنك المركزي أسوة بجميع بنوك العالم على استقلاليته  وعمله وفق آليات وتوجهات السياسة الاقتصادية العامة التي لا تبدو لنا واضحة او ذات معالم منسجمة ومدروسة، والتي لا تتطابق أيضا مع نظرة رئيس الوزراء لهذا الأمر والتي سنوضحها لاحقا.
 فالشبيبي ونائبه كانت لديهم ملاحظات حول عشوائية السياسة الاقتصادية في العراق، أعلنا عنها مرارا داخل العراق وخارجه وهو ما أزعج الحكومة منذ أكثر من عامين، وقد نصح مسئول حكومي سابق مقرب من المالكي نصح الشبيبي قبل عامين بان  لا يلجأ إلى تصعيد الموقف وأن يبدي مرونة مع مطالب المالكي  بسبب ألازمه السياسية ألراهنه والخلافات بين الفرقاء داخل الحكومة ومع الأكراد وإلا فان عليه وديا ان يقدم طلبا لإحالته على التقاعد وهو في السبعينات من عمره وهو ما أزعج (ابو رضا )وتسبب في زعله .. هذه  الواقعه تلقفها خصوم المالكي حيث أصبح محافظ البنك المركزي أكثر قربا من إياد علاوي مما عقد الموقف وعمق الخلاف بينهما ..
 
 يتساءل الشبيبي وصالح في نقد صريح لسياسة الحكومة ألاقتصاديه: كيف يستطيع هذا الاقتصاد النهوض وهو خاضع لأكثر من 6 ألاف قيد من التعليمات الرسمية واللوائح والقوانين التي تعيق الانتقال  نحو السوق الحر البعيد عن مركزية التخطيط والتنفيذ وهو ما يستلزم تنظيم حركة راس المال الخاص  ووجود بنك مركزي مستقل يعتمد أدوات ووسائل السياسة النقدية لتحقيق الاستقرار؟؟؟
 والقضية الأكثر خطورة هنا التي  يكتشفها الاقتصادي وربما لا يعيرها رجل السياسة اهتماما، هي ان عملية الانتقال في العراق صوب الاقتصاد الحر اقتصرت على النشاط المالي والسوق المصرفية لوحدها بمعزل عن أسواق الإنتاج السلعي الزراعي والصناعي، بدليل استمرار الركود والبطالة وبقاء القطاع الخاص متطفلا على الريع الحكومي  ولعل أي مختص يلاحظ نتائج هذا الخلل الواضح في الاقتصاد العراقي الذي ارتفعت فيه مساهمة القطاع المصرفي  الى أكثر من 13% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل7- 9% للقطاعات السلعية . ولا زال دور القطاع الخاص ضعيفا وتابعا بسبب المشاكل المتداخلة  بينما يساهم في الكويت بأكثر من 80%من الناتج المحلي الإجمالي وفي الأردن 70%.

إننا هنا إمام صوره مرتبكة وخطيرة تحدث عنها عالم الاقتصاد البريطاني المشهور  جون مينارد كينز في كتابه  ( النظرية العامة للاستخدام والفائدة والنقود) عام ، 1936حيث يعتقد كينز انه من خلال الطلب الكلي تستطيع الحكومة محاربة البطالة والكساد لان الاقتصاد لا يميل باتجاه التوظيف الكامل بشكل طبيعي وفق مبدأ اليد الخفية كما كان يعتقد الكلاسيكيون. وفي حالة الاقتصاد العراقي فان عوائد النفط المعاد والتي توزع اغلبها من خلال الإنفاق العام  ويذهب معظمها للاستهلاك لم تولد استثمارا حقيقا يرفد عملية النمو، هو أمر يقرب  اقتصادنا في صورته الراهنة  الى المضاربة بالأموال او تحويلها نسبه منها((( يبالغ البعض فيها لغايات دعائية )) خارج البلاد بل وحتى المضاربة بالعملة الاجنبية باستبدال الدينار بها كنشاط أطلق عليه كينز باقتصاد الكازينو Casino Economy او اقتصاد قاعة القمار.. ويؤكد كينز انــه عندما يتجه الاقتصاد ليكون كله ناتجا عرضيا لقاعة القمار، فأن وظيفة الاقتصاد سيكون مجرد تعبير عن دور الاقتصاد المريض…
وللحديث بقيه بإذن الله.
بوخارست

أحدث المقالات

أحدث المقالات