18 ديسمبر، 2024 11:57 م

القابض على دينه كالقابض على الجمر (حديث شريف)

القابض على دينه كالقابض على الجمر (حديث شريف)

عندما كنا نعيش ظروف محنة قاسية ، نتعرض ايام حكم البعث في العراق للمضايقات والمراقبة او الاعتقال بسبب التزامنا الاسلامي، وهي حال عاشها المصريون ايام مطاردة عبد الناصر للاخوان المسلمين، وعاشها السوريين ايام التصفيات الدموية التي قام بها حافظ الاسد ضد معارضيه الاسلاميين، يومها كنا نتذكر حديث سيدنا رسول الله (ص) يأتي زمان على امتي القابض على دينه كالقابض على الجمر، كان الحديث الشريف يعزز ثقتنا بانفسنا، ويعطينا دفعة معنوية قوية على الثبات بما نحن عليه من الحق، وان كان ثباتنا يتطلب صبر القابض على جمرة، وعندما نستحضر روح الحديث الشريف وقائله سيد الكائنات رسول الله (ص)، يهون علينا الموت من اجل ان نكون احد مصاديق حديث الحبيب المصطفى (ص).
من دون شك كانت ظروف محنة الاسلاميين قاسية، ولا غرابة فيمن يصف حالهم بحال القابض على الجمر، ويرى فيهم احد مصاديق الحديث الشريف، ولكن يبدو اننا كبشر قد نستغرق في مصاديق النص المقدس الاقرب الى واقعنا التي تلامس همومنا، ومن دون ان ننكر ان مصاديق النص المقدس بوصفه نصا مطلقا لاحدود لها ، ولكننا لا نعي المصداق من دون المقاربات الحسية التي نعيشها وقائع ، اي ان هناك مصاديق اخر ربما هي اكبر واقرب الى روح الحديث قد تفرزتها الحياة ، وهو ما يحدث هذه الايام، منها مصداق يتبلور في ايام العولمة هذه ، لا علاقة لها بمعارضة او عمل سياسي او اعتقال ، وانما هو ياتي في ظروف من الدعة والراحة الجسدية ، وربما المتعة الفكرية والنفسية ، وما اقصد ظروف الشباب المتدين هذه الايام ، ايام الانترنيت وما يعنيه من مسارات ومتاهات تفضي الى ضياع لا حدود له
ما دعاني الى طرح هذا الموضوع هو سؤال كان قد سالنيه يوما شاب متدين عن قنوات الالحاد وبعض الاصوات المشككة بالقرآن الكريم او بلاغته ، وكنت اعلم وقتها انها اصوات فارغة غير ذات مضمون، يمكن تفنيد ما يصدر عنها ببساطة ، الا انني يومها نصحته بان لا يدخل الى هكذا مواقع فالله جل وعلا يقول في سورة النساء الاية 140 {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} ، طبعا انا مؤمن بان كلام الله جل وعلا مطلق مترفع على ظروف المكان والزمان، وان الاية الكريمة التي نهت عن حضور مجالس تنال من القرآن الكريم كان لها مصداق محدود يوم نزولها ، ولها مصاديق اوسع ايامنا هذه ، مثل الانترنيت والتفلزيون والكتب والمقالات وغيرها ، فالله تعالى ينهى عن حضور هذه المجالس لما لها من تأثير على نفوس المؤمنين.
فالقران الكريم والحديث الشريف حصن يقينا من الوقوع في شباك المتصيدين من الذين في نفوسهم مرض وما زلنا متمسكين بكتاب الله تعالى وسنة رسوله (ص) نحن بامان ، ولكن هذا الامان او الساتر الدفاعي الذي نلوذ به من هجمات الاعداء، يتعرض هو الاخر الى هجمات من نوع اخر ، فعلى الانترنيت الان كتب تشكك اصلا في وجود الاسلام، بل ترى ان رسول الله محمدا عليه صلاة الله وسلامه شخصية وهمية من صناعة الامويين او العباسيين ، وان القران مجموعة نصوص ماخوذة من العهدين القديم اليهودي والنصراني والجديد المسيحي ، لله الحمد ان عقيدة شبابنا راسخة لا تهزها هذه الخزعبلات من الغام المستشرقين ومن تبعهم من المتغربين ، الا ان الامر لا يمكن ان يتم بهذه البساطة ، وانما يحتاج الى ايمان راسخ ، وثقافة واسعة واطلاع ، وان محدود ، على اوليات الفقه واللغة والتفسير وربما الكلام الاسلامي واللاهوت المسيحي وغيرها من مفردات افكار العصر ، وهي امور وان كانت ليست سهلة المنال الا انها ممكنة وليست مستحيلة ، ولكن الاهم في هذا كله وجود المرجعية المعرفية ، التي يمكن ان تشكل منطلقا لدحض كل هذه الشبهات المثارة في طريق المسلم ، والمعلوم ان تلك المرجية تنهل من القران الكريم والسنة الشريفة ، ولا تنحصر في اشخاص ولا في جانب معرفي واحد وانما هي نسيج من الادلة العقلية والنقلية ، والثقافة والفكر والفنون ، الا انها قد تتجلى في ايامنا عبر اشخاص ومؤسسات تؤدي دور القدوة في ازالة اللبس الذي يعلق بافكار المسلمين، وهنا يكمن الخطر ، فاجد لزاما على الاعتراف بان هذا الجيل من الشباب المتدين هذه الايام هو من اوضح مصاديق حديث سيدنا المصطفى (ص) ، فهو يعيش في خضم عالم افتراضي ما كنا حتى لنتخيله ايام شبابنا، فهنيئا للثابتين تحت لواء محمد (ص)، وتحيتي وتقديري للشاب المتدين، الذي جاءت شقشقتي هذه جوابا على سؤاله.