22 نوفمبر، 2024 3:28 م
Search
Close this search box.

ديمقراطية الإنصات للضجيج

ديمقراطية الإنصات للضجيج

الديمقراطية هي حكم الأغلبية، وهذا من واضحات السياسة بغض النظر عن مناقشة كونه-أي حكم الأغلبية- مناسب كنظام حكم أم لا. ترافق ذلك اشتراطات أخرى تختلف من بلد لآخر ومن ثوابتها حفظ حقوق الأقليات وكرامة الإنسان وحقوقه وغيرها، مع إن تعريف الحقوق والكرامة هو الآخر واقعاً يختلف من بلد لآخر مع وجود تشابهات وأسس.

ومن نافلة القول إنه الديمقراطية ينبغي أن تمثل فعلاً رأي الأغلبية وتحفظ حقوقهم، ولكن ما يحدث في العراق للأسف يختلف عن ذلك! فقد برز مخربان أساسيان للتجربة الديمقراطية شوها صورتها بحيث صارت ديمقراطية شكلية فقط، والمخربان هما: التوافقية، والإنصات للضجيج.

التوافقية واضحة وتحدث ويتحدث عنها الكثيرون فلا نزيد، ولكن الإنصات للضجيج لم يتحدث عنه أحد حسب تتبعي، فما المقصود به؟ وكيف يكون مخرباً؟

نقصد إنصات ساسة البلاد وخوفهم من الضجيج الإعلامي حول أي قضية ما والتعاطي معه-أي مع الضجيج- بانصياع حتى لو كان لا يمثل رأي الأغلبية وحتى لو جانب الصواب!

أمثلة ذلك كبثيرة وقبل أن نخوض في بعضها لا بد من الإجابة على سؤالٍ سيخطر في ذهن البعض بلا شك، ألا وهو : متى استمع الساسة في العراق للإعلام وصوت الناس واهتموا لهما حتى تقول إنهم يستمعون للضجيج؟ إنهم لا يستمعون إلا لمصالحهم!

نعم هم في الغالب لا يستمعون إلا لمصالحهم فقط واستماعهم للضجيج من وحي ذلك!

نعم فهموا يخشون من تأثير الضجيج على مصالحهم وليس لرغبة منهم في الاستماع او احترام رأي الناس، ولذا فهم يخافون من الإعلام والضجيج الإعلامي ويحرصون على عدم استفزاز الأصوات الإعلامية المرتفعة أكثر من حرصهم على عمل الصواب وعلى أداء واجباتهم الفعلية.

لسنا ندعو الساسة لعدم الاستماع للإعلام لأن هذا من واجباتهم ، والإعلام منفذاً مهماً لمعرفة الواقع ومن يتجاهله قطعاً لا يعرف بأبجديات السياسة ولا يريد الخير للبلد ومواطنيه وليس هذا ما نقصده، فالاستماع إلى الإعلام بحد ذاته أمر إيجابي ولكن عندما يكون الاستماع للأعلى صوتاً ليس لأنه صواب بل لأنه أعلى صوتاً وعندما تكون هناك جهات تتقن هذه اللعبة لتمرير رؤية ما على حساب الصواب ورأي الأغلبية فحقوقها فهنا تكمن المشكلة. فالساسة هنا يستمعون ليس بدافع الحرص على الاستماع للإعلام وإنما خوفاً من التأثير على مواقعهم السياسية فقط ولإرضاء إرادات خارجية. وهذا الضجيج ليس عفوياً ولا مزاجياً وإنما اغلبه نتيجة تبني أيديولوجيات معينة أو نتيجة ضغوطات خارجية يتم تمريره وتنشيطه بالاستفادة من الخلل في الأداء الحكومي وعمل الساسة وسلبياتهم.

ومن أمثلة ذلك لتتضح الصورة أكثر مثالان:

الأول: خصخصة الكهرباء والتي تم رفضها بفعاليات كثيرة ومتنوعة ولأنه لم يصاحبها الضجيج الإعلامي الذي يخيف الساسة وبقي الضغط شعبياً فقط ولم يتم تسويقه إعلامياً من الجهات الإعلامية التي يخشونها فلازال صوت الاعتراض مخنوقاً ومكبوتاً ولازال الضغط مستمراً لتنفيذ الخصخصة رغم عدم توقف الاعتراضات!

الثاني: وهو على عكس الأول تماماً ألا وهو موضوع ما سمي بالقانون الجعفري، أي قانون الأحوال الشخصية الذي تم تقديمه من قبل وزارة العدل قبل فترة كبديل شرعي اختياري لأبناء المذهب الجعفري-وهم الأغلبية- عن قانون الأحوال الشخصية العراقي النافذ رقم 188، حيث تم إجهاضه عندما تم طرحه نتيجة تبني الاعتراض عليه من قبل جهات الضجيج الإعلامي المخيفة للساسة رغم كونه يمثل رأي الأغلبية وهو صحيح دستورياً وقانونياً! وقد تم توظيف الجهوية في ذلك أيضاً، واليوم يتكرر المشهد بعد طرح تعديل لقانون الأحوال الشخصية النافذ لبعض المواد ينسجم جزئياً مع القانون الجعفري ولكنه طرح هذه المرة من جهة سياسية أخرى وبالتالي فحجة الجهوية انتهت، ولكن الضجيج الإعلامي بدأ في مواجهة التعديل الموافق لرأي ورؤية الأغلبية وبدأ مفعول هذا الضجيج واضحاً في تأثيره على الساسة فبدأت تظهر الآراء الغريبة الشاذة من قبل العديد من الساسة والجهات السياسية لا لقناعة وإنما خوفاً من الضجيج!

هذا ما قصدناه بديمقراطية الضجيج ولعل البعض يختلف معنا في الأمثلة ولكني أظن إن الأغلبية من المتابعين يتفقون معنا في وجود الحالة أي حالة الخوف من الضجيج وإن الديمقراطية عندنا مشوهة بذلك إضافة لتشويه التوافقية وهي ديمقراطية توافقية منصتة للضجيج فكيف تكون حكم أغلبية؟!

أحدث المقالات