لاتقل الحرب على الفساد، ضراوة عن الحرب التي خاضها العراق ضد تنظيم داعش الإرهابي، ويصاب بخيبة أمل من يتصور أن إعلان النصر النهائي على التنظيم، يسدل الستار على الواقع المأساوي المفروض على كيان الدولة، السياسي، والإقتصادي، مالم نفكر بجدية في بدء الصفحة التالية من معركة التحرير، لكن هذه المرة، ضد إرهاب ربما يكون أخطر، ومواجهته أعنف وأشد، إنها المعركة ضد الفساد، بما تشكله من تحديات مصيرية، إذا ما أدركنا أن ” الفساد” كان وسيظل هو البوابة لكل أشكال الإرهاب.
غير أن التصدي يحتاج الى نيات صادقة، تتجاوز أي نوع من أنواع الحصانة، سواء أكانت ذات طابع رفاقي، أو سيادي، الى جانب النأي بمؤثرات المد الإقليمي، والقوة المسلحة، ولاسيما أن المواجهة لاتخلو من تداخل بين الخنادق، بل مخبوءة داخل مفاصل الدولة، ومن خلال هذا التشابك، تختلط الأصوات، حتى ينبري المفسد ليضع له دور في مكافحة الفساد، ويقدم نفسه فارسها المجرب، فيما يستثمر هو الحملة في دعايته الإنتخابية.
ولعل الضمانات التي تطرحها الحكومة، تعطي بعض الأمل لتحقيق الحرب الجديدة أهدافها، وتعيد الثقة للشعب في جدية الحملة ضد المفسدين، بعيداًعن عناوينهم، والتي جاءت منسجمة، مع التسريبات التي تشير الى إنشاء محكمة خاصة لمكافحة الفساد، لضمان محاسبة الفاسدين، ولاسيما أن التجارب السابقة أثبتت عدم قدرة الجهات القضائية الحالية على محاسبتهم لإعتبارات مختلفة.
وإزاء حالة التفاؤل المتعلقة بالآمال والطموحات المفروضة بالقبول على نية التغيير التي صدحت لها الحناجر طويلاً، تبدو المؤشرات الأولية مطمئنة، بحسب خبراء إقتصاديين رجحوا إحالة ملفات فساد كبيرة، متورط فيها ساسة وجهات سياسية متنفذة إلى القضاء خلال ثلاثة أسابيع، متوقعين أن ضربة قوية ستوجه للفاسدين، تبعث برسائل مطمئنة للدول المانحة، والمستثمرة، خلال مؤتمرها المقرر في الكويت، الشهر المقبل، بأن الأموال التي ستنفقها لن تذهب الى جيوب الفاسدين.
ومثلما، كانت الحرب ضد داعش تلقى دعماً دولياً، فإن الحرب على الفساد، تلقى جهوداً كبيرة، ولاسيما في ظل التعاقد مع خبراء ودول مختلفة في هذا الشأن، كما أن هناك تعاوناً مع الشرطة الدولية (إنتربول) لمساعدة العراق في كشف ملفات الفساد، لضمان حيادية التحقيقات وعدم تأثرها بالصراعات السياسية، خاصة أن غالبية المعلومات المتعلقة بعمليات تهريب العملة والفساد موجودة لدى الولايات المتحدة ودول أخرى، وبإمكان العراق الحصول عليها في أي وقت.
لكن، التي تعيق أحلامنا المعطلة والمؤجلة كعراقيين لنا تجربة طويلة في خيبة الأمل، إعتقال شخصيات من العيار الثقيل، ليس بالأمر الهين، ولاسيما أن التحصينات التي يتمتع بها الفاسدون، قد تمنع وصول الشهود والوثائق الى ساحات القضاء، إن لم يصلهم الجيش الرديف قبل أن يدلوا بكلمة، وتضيع الرواية كما ضاعت مليارات الدولارات والموازنات.