لا تصدّقوا أنّ هذه الدولة بوضعها الحالي مشغولة أصلاً بمحاربة الفساد.. ويكفيني دليلاً على ما أقوله أو أزعمه، أو أدّعيه كما قد يصف البعض كلامي، بالحرية التي يتمتع بها الفاسدون الكبار وباستمرار سيطرتهم على معظم مؤسسات الدولة، فهذه الدولة تشتم الفساد في الفضائيات لكنها تجلس في حضنه كل مساء!
منذ أشهر والحكومة ومعها جوق “الإصلاحيين” يُعلنون بصوت واحد: لامكان للمفسدين، الخبر بالنسبة للمواطن الذي يعتبر الحكومة صادقة في كل ما تقول، يعدّ غريباً وعجيباً، كيف تطلب الحكومة من ساسة “مجاهدين” أن يعيدو في النهار ما سرقوه في الليل؟
يعرف الجميع أنّ هناك شراكة في السرقة بين السياسيين ومعظم التجار والمقاولين الذين ظهروا بعد عام 2003. فريق يصدر أوامر بمشاريع وهمية وفريق يسرق الأموال ويوزعها بالتساوي بين ” الحرامية “. وفي هذه الغابة الرهيبة من الفساد أصبح سهلاً على موظف في الهلال الاحمر أن يصبح صاحب حزب سياسي يتحكم بوزارات مهمة، وان يتحول صاحب مطبعة مغمورة الى مستشار لرئيس البرلمان تمرّ من تحت يديه عقود وزارتي التربية والصناعة، وأن نجد الاموال المخصصة للكهرباء والصحة والتعليم والدفاع تتحول إلى “أموال سائلة” في بنوك لندن ودبي وبيروت، ظلّ هذا المشهد يتكرر على مدى أربعة عشر عاماً، ليسود حكم السرّاق وحلّت القبلية والمذهبية مكان القانون، والاحزاب ومافياتها محل الدولة. ولم تسلم مؤسسة صغيرة من الفساد، وعمّ الخراب، وتحوّل العراقي الى أسير بيد جماعات تتحكم باقتصاده وأمنه وسلامة أبنائه، فكان أمامه إما الموت أو الصمت طلباً للسلامة والنجاة.
اليوم يريدون منا أن نصدق أنّ شخصاً مثل هيثم الجبوري يحارب الفساد ، وأنّ حزب الكربولي جاد في السعي لإقامة الرفاهية الاجتماعية في الانبار، وأنّ تيار الحكمة سيخوض حرباً ضد سرقة المال العام، وأنّ حزب الدعوة يريد الإصلاح، والأعزاء في جماعة الإخوان المسلمين تابوا الى الله وسيعيدون أموال الفقراء، وأنّ حسين الشهرستاني استيقظ مفزوعاً في الليل وقرّر أن يُطهِّر العراق من السرّاق.
يريدون من العراقي أن يستأصل عقله ويشعل النار في ذاكرته، لكي يصدِّق بأنّ الاحزاب التي مارست أعمال السطو على ممتلكات الدولة، هي أحزاب معنيّة بمقاومة الفساد.
السيد العبادي دعني أضع أمامك، تعريف فيلسوف علم السياسة أبو نصر الفارابي لأسماء وأنواع الدول الفاسدة، التي هي دول الأوهام والخرافات، والأحاديث الكاذبة.