23 سبتمبر، 2024 9:35 ص
Search
Close this search box.

مع (كتابات) .. “نافذ السمان” : بروز الرواية نتيجة لسياسة تكميم الأفواه عربياً !

مع (كتابات) .. “نافذ السمان” : بروز الرواية نتيجة لسياسة تكميم الأفواه عربياً !

خاص : حاورته – سماح عادل :

“نافذ السمان”، كاتب سوري من حمص.. يكتب في عدة صحف إلكترونية، صدر له أربع روايات، منها رواية (حب وثني)؛ التي تدور حول علاقة حب شائكة، يحكي فيها البطل “مؤيد” عن رجل في منتصف العمر يدعى “مالك”، تهزه علاقة حب وهو في منتصف العمر وتقلب كيانه، ورغم أنها علاقة معقدة إلا أنها تكون علاجه من الإغتراب والتشتت وفقدان الوطن والأمان، تنتهي القصة بعد صراعات وتعقيدات نهاية سعيدة، كذلك يحكي الكاتب في توازي معها قصة حب للبطل “مؤيد” والتي تنتهي هي أيضا نهاية سعيدة، وكأن الحب هو الخلاص من كل تعقيدات الحياة..

أجرت (كتابات) معه هذا الحوار لرصد فكره وإبداعه عن قرب…

(كتابات): متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تتطور ؟

  • لم تكن الكتابة لي إلا نوع من أنواع التعبير عن الذات.. وفي مراحل متقدمة، نوع من أنواع تحقيق الذات على مستوى معين. وقد تنقلتُ في سبيل ذلك من لون أدبي إلى آخر، حيث بدأت بالشعر العمودي، وانتقلت إلى التفعيلة، كتبتُ القصة، والخاطرة، وأخيراً وجدتُ نفسي في الرواية، من هنا فأنا تناولتُ الكتابة كحاجة وليست كنوع من أنواع الترف..

حالياً، أنا لازلتُ أؤمن بأن للمثقف رسالة، وهذا ما ألتزم به من خلال أعمالي.. فأنا لا أكتب إلا لإيصال أمر أو لتوضيحه أو توثيقه في أسوأ الحالات، أمّا تاريخياً، فحقيقة لا أذكر متى بدأتُ بالكتابة، إلا أنني نشرتُ أولى قصائدي في عمر السادسة عشر في الصحف السورية.

(كتابات): في رواية (حب وثني) هل قصة “مالك” حقيقية.. ولما أخترت قصة حب معقدة ؟

  • إنّ ما يُثلج قلبي هو أوّل انطباع تتركه (حب وثني) في قلب القارئ، وأطرب حين أسمع تساؤلات مثل سؤالك، جميل أن تقنع القارئ لدرجة تجعله أن يتأكد إن كانت القصة حقيقية. وللإجابة على سؤالك أقول أنّها مزج لقصص عدة سمعتها وعايشتها وحاولت توثيقها، مع إضافة لمستي الخاصة. بالنسبة لـ(حب وثني)، فقد استخدمت قصة الحب هذه لأعرض أمراً لا يقل أهميّة عن العواطف المثارة في الرواية، وما صراع الواجب والحق، وصراع السعادة مع الحدود التي يفرضها المجتمع، من هنا، كان اختياري لقصّة حب جاذبة، حيث يمكن لأكبر عدد من القراء أن يرى نفسه معنياً بالقصة، بحيث تشدّه وتجبره على قراءتها.

(كتابات): في رواية (حب وثني) هل كان الحب خلاصاً من إغتراب البطل “مالك” ؟

  • في (حب وثني)، لم يكن الإغتراب إلا إحدى الحلقات المحكمة التي أحاطت ببطل الحكاية، ولم يكن الحب، للأسف، إلا حلقة أخرى من تلك الحلقات التي أججت الصراع الداخلي داخل البطل، الحب في الرواية لم يكن مُخلّصاً، إنّما كان مرحلة متطوّرة من مراحل الصراع الذي عايشه “مالك”.

(كتابات): هل تحملت زوجة “مالك” وحدها العواقب.. وهل هذه قسوة من الحياة عليها أم من الكاتب ؟

  • من القسوة أن نقول أن زوجة “مالك” قد تحمّلت كل العواقب أو أشدّها، فكما قرأنا، فكل الأطراف قد نالهم البؤس نوعاً ما، أمّا نهايتها فلم تكن إلّا حلاً دراميّاً لجعل الخاتمة سعيدة علّها ترضي القارئ. وأنا ككاتب لم أتحامل عليها ولم ألصق بها أو أتجنى عليها مطلقاً، إنّما هي النهاية التي أوحت للقارئ ببعض التجني عليها.

(كتابات): ما رأيك في حال الثقافة في البلدان العربية ؟

  • عندما نتحدث كعرب عن الثقافة، فإننا ننظر تلقائياً نحو “مصر” وبصورة أقل نحو “دمشق وبغداد”. بالنسبة لمصر، يحزنني أشد ما يحزنني تمكّن اللغة المحكية من النصوص المصريّة، ولا يمكننا إنكار مشاكل النشر التي زادتها مافيات دور النشر المحتالة، والتي أعتبرها مسؤولة عن تدني المستوى الأدبي، رغم وجود الأسماء التي مازالت ترفع لواء التميز والحداثة، أمّا ما يخصّ حبيبتينا دمشق وبغداد، فنسأل الله أن تعود لهما عافيتهما لتمارسا أدوارهما الفعالة.. لا يمكننا أن ننكر أن التطورات السياسية والتقلبات المجتمعية التي تعيشها البلدان العربية دون استثناء، قد انعكست سلباً على كل الوضع الثقافي عمودياً وشاقولياً.

(كتابات): لما في رأيك يحتفظ الكاتب المغترب بشغف مضاعف تجاه الوطن ؟

  • ينشطر قلب الكاتب العربي المغترب بين حنينه لوطنه، وانتمائه الأدبيّ لبلدان المهجر.. وغالباً ما يُعاب عليه احترامه لمبدأ المواطنة، وإلتزامه الأخلاقي بعادات وقوانين مجتمعه الجديد.. يُبهر التطور التقني والثقافي والأخلاقي الكاتب المُهاجر، ويبدأ بنقل هذا الإبهار لمجتمعه العربي الأم، حيث يبدأ حنينه يحمّله تبعات الإرشاد والتوعية ونقل الخبرة المكتسبة إلى وطنه الأم.. هنا، يسكن قلب المغترب حنينه للوطن وتمنياته له ببلوغ الأفضل الذي يعيشه هو كعضو في مجتمع متطور.

(كتابات): جزء من مقالاتك مهمومة بفكرة الوطن.. لما ؟

  • يسكننا الوطن بكلّيتنا، ورغم أن الجزء الأكبر مما أكتبه يتوجه تلقائياً للمجتمع العربي في بلداننا الأم، فإن ذلك لا يعني ابتعادي عن المواطن العربي المسكون بغربته في بلاد اللجوء والهجرة. لعل أهم الصعاب التي يواجهها مواطننا العربي في مجتمعه الجديد، هو تقبّل العربي لفكرة إندماجه في المجتمع الغربي.. لن يستطيع العربي تقديم أيّ شيء لمجتمعه الجديد ما لم يقتنع بأهمية إندماجه وتقبّله للأرض التي يعيش عليها.. من هنا، بدأت بعض التساؤلات التي تناولت كل المفاهيم القديمة التي عايشها العربي في مجتمعه المغلق السابق، وتلك التي رآها تكتسي حلة أخرى في مجتمعه الجديد، ولم يكن مفهوم الوطن إلا إحدى تلك المفاهيم التي نالها النقد وإعادة النظر من قبل الجميع، والتي وجدتُ أنّه من الضروري للمثقف، كطليعة واعية، أن يدلو بدلوه بها، وأن يضع تصوراً كاملاً واقعياً، قد يستفيد منه الجميع ويكون خارطة طريق، أو على الأقل، وسيلة لتقريب وجهات النظر، والتي اعتدنا كعرب أن نتمسك بها ولا نقبل مناقشتها أو حتى عرضها للنقد والتصحيح.

(كتابات): ما هي الصعوبات التي واجهتك ككاتب ؟

  • في بلدي تُعتبر (الواسطة) هي المفتاح السحري الذي عليك أن تمتلكه لتفتح أي من الأبواب المغلقة بوجهك، ولم تكن الساحة الثقافية السورية بعيدة للأسف عن هذه اللعنة.. إضافة إلى أن المجتمع الثقافي السوري كان شبه مغلق على أسماء محددة ومعدودة، ولم تكن الحال الصحافية أفضل، فهي محصورة بثلاث صحف رسمية (أتكلم عن فترة بداياتي طبعاً)، مع انعدام كامل للصحافة المتخصصة أو الصحافة الخاصة.

أروي لك شيئاً اعترضني حين نويت أن أنشر روايتي (إنّهم يخفون شيئاً)، حيث أنّ فكرة الرواية لم تعجب الأجهزة الأمنية، والتي طلبت مني بشكل غير مباشر أن أصرف النظر عن نشرها، كان ذلك عام 2006 حين استتبع ذلك أولاً طلب دراسة أمنية عن وضعي بشكل عام، وما تلاه من وضعي تحت المجهر، تلك الرواية التي لم أستطع نشرها إلا عام 2016 وفي مصر.

(كتابات): كيف تتوقع مستقبل سوريا بناء على معطيات الحاضر ؟

  • برعنا، حالنا كحال كل رجال المشرق، بالتحليل السياسي، وكنا نعقد الجلسات لمناقشة الأحداث التي بدأت عام 2011 لتحرك الركود الذي انتاب كلّ المشهد العربي، حتى فجرته “تونس”، وما تلاها من شرارات وحركات مجتمعية ضربت كل الشرق دون استثناء. علمتنا “مصر وتونس” أنّ 1+1=2، إلا أن ذلك لم يفلح على المستوى السوري، ورغم تعدد المحللين والمفكرين ومئات النظريات المطروحة، إلا أن التطورات الواقعية وما جرى ويجري على الأرض، أثبت ويثبت أن كلّ توقع ما، ما هو إلا تخريص، ومحاولة فاشلة لقراءة غيبٍ محفوظ بعشرات الحجب والسواتر، إن تعدد الأيادي الفاعلة على الأرض السورية، والتطورات الدرامية والمتناقضة والمتقلبة، واختلاف الأدوار وتعدد التحالفات، أشياء دفعتني إلى الكف عن التحليل بل، والكف عن التوقع أو الأمل حتى، فما جرى ويجري، لم يظهر منه إلا الجزء اليسير، وما خفي وما يُخفى أعظم، وأدهى، وأمرّ.

(كتابات): هل نحن في عصر الرواية.. وما رأيك في كتابات الشباب ؟

  • نعم، نحن في عصر الرواية، ولكن السؤال لماذا ؟.. وما الذي جعل هذا اللون المستحدث عربياً يطغى على الساحة الثقافية ؟.. أنا أعتقد أن بروز الرواية هو نتيجة سيئة لسياسة تكميم الأفواه عربياً، حيث أصبح من المستحيل التحدث عن أيّ أمر دون إثارة المتاعب، حيث توسعت مساحة المحرمات لتطال الدين ورجاله وتاريخه، كما أنها توسعت لتجعل التاريخ ورجالاته أيضاً أمراً محرماً مناقشته، حاله كحال رجال السياسة الذين للمرّة الأولى تاريخياً يكتسبون طابعاً مُقدّساً في سابقة لم يسبقنا لها أي مجتمع، وأيّ عصر.

الرواية هنا، كانت متنفساً للجميع، لمن يحب أن يناقش أو يروي أو يعترض أو حتى لمن يريد أن يحلم. ولكن هذا لم يجعل الرواية تندفع نحو الأمام، ولم يجعل التطور الكمّي للرواية يتبعها تطوراً نوعيا أو أدواتياً، بل بالعكس، فقد تطفل الكثير على مجال الرواية، وبتنا نرى روايات لا يمكن اعتبارها لا سرداً أو حتى تجميعاً لبعض النصوص المجمّعة من وسائل التواصل الاجتماعية. شبابيّاً، أرى كميّة مقبولة من الأقلام الشابة الواعدة، ولا أعيب عليها إلا استسهالها واستعانتها بالعامية من حين إلى آخر.

(كتابات): هل تدهور الذوق العربي في رأيك وأصبح يقبل بالكتابات السطحية والرديئة أم لا ؟

  • علينا أن نفرّق هنا بين القبول والرضا، فمشاكل النشر ودور النشر، التي باتت تقبل نشر أيّ شيء بما أنه على نفقة الكاتب، جعل الساحة تضج بالعديد من الأشياء التي من الصعب تسميتها، والتي يتم إطلاق بعض الأسماء الأدبية عليها زوراً وبهتاناً.. طبعا الذوق لم ولن يتقبلها، ولكنها مفروضة وموجودة بأمر الواقع، هذا كل ما في الأمر، وما إحتفاء الساحة بالكتاب الكبار أو الأعمال الكبيرة إلا دليل على آصالة ذلك الذوق وتميّزه.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة