17 نوفمبر، 2024 4:19 م
Search
Close this search box.

عبقريّة معلمة !!

عبقريّة معلمة !!

غفر الله ذنب الفراهيدي وسيبويه والفرّاء وأشباههم من علماء اللغة وواضعي قواعد نحوها حين خدعونا طيلة قرون.. غفر الله خطاياهم بما سخروا من عقولنا وانتهكوا ثقتنا بهم فانطلتْ علينا واحدةٌ من أكبر خدع التاريخ التي لم تستطع كشفها مئات الكتب وآلاف البحوث والدراسات التي لم تغادر أيّ تفصيل لغوي صغير من دون اشباعه تأملاً وتمحيصاً وتدقيقاً.. غفر الله لهم بما جعلونا أمّة تسخر من جهلها الأممُ.. أمّة أضافتْ إلى جهلها وتخلفها الحضاري المزمن عدم معرفتها بلغة قرآنها!!
     قبل أيامٍ، طلبت مني ابنتي، الطالبة في السادس الابتدائي، أن أشرح لها واحداً مما كنتُ أظنّه أبسط مواضيع النحو وأهونها. فشرحتُ لها كيف يمكننا تعريف النكرة بزيادة الألف واللام أو بإضافتها إلى اسم آخر.. شرحتُ لها ما تعلمتُه في سنوات دراستي كلها من دون أن أعي جهلي ووقوعي فريسةً لـ(خبث) علماء اللغة. وإيغالاً مني في الجرم، ساعدتُ ابنتي في حلّ التمارين شارحاً أنّ (الأرض والسماء) معرّفتان بالألف واللام، وبدونهما تصبحان نكرتين. وإذ عادتْ ابنتي من مدرستها في اليوم التالي شعرتُ بالخجل الشديد من عظيم جهل شاركتني فيه أجيالٌ يصعب إحصاؤها، أجيال فاتها أن تدرك أنّ (السماء والأرض) معرّفتان على أيّ صورة جاءتا وأن الألف واللام فيهما أصليّتان حتى إن حُذفتا، فهما موجودتان ضمناً. وزيادة في إذلالي وكشف مقدار جهلي، أوضحت المعلمةُ بخط يدّها أنّ كلمة (مؤمن) هي أيضاً معرّفة بذاتها من دون حاجة إلى الألف واللام أو إضافتها الى كلمة أخرى.. تخيّلوا الحرجَ الشديد الذي يعانيه أبٌّ يتبجحُ أمام ابنته بمعرفته بعض أسرار اللغة العربية حين تمعن معلمتها بفضحه وتشطب أجوبته وتستبدلها بما تفتقَ عنه ذكاؤها الحاد وما كشفته بصيرتها من حلّ صحيح لا ريب فيه!!
     هزّت عبقرية هذه المعلّمة قناعاتي ومعارفي بعنف شديد.. صار عليّ أن أتساءل وأدقق في كلّ ما عددناه بديهة نسلّم بصحتها. قد اكتشف غداً أن أضلاع المربع ليست متساوية، وأن تفاحة نيوتن لم تسقط بفضل الجاذبية.. قد أدرك أن الماء لا يتكون من اتحاد الهيدروجين بالأوكسجين، وأنّ الفعل ليست به حاجة إلى فاعل ليحدث.. صار عليّ أن أسأل من جديد عن البديهيات وأبحث عن العباقرة أمثال هذه المعلمة لإخراجي من عماء الجهل، فلم أعد أدري ـ اليوم ـ إن كان صحيحاً أن (الواحد زائد واحد) يساوي اثنين!!
    مع يقيني أن هذه المعلّمة قد سارت بابنتي على النهج الصحيح إلاّ أني لا أضمن نجاحها لسبب بسيط جداً. أسئلة الامتحان ستضعها لجنة وزارية وتصحّحها لجان لم تعرف بالكشف الجديد. ومن جهة أخرى، هذه المعلّمة ستكون مسؤولة عن تصحيح إجابات طالبات لم يدرسن نظريتها الحديثة. بالنتيجة سترسب ابنتي وزميلاتها كما يرسب كلّ من يقع دفتره الامتحاني بيد هذه المعلّمة. اقترح على وزارة التربية أن تنشر هذه المعرفة الجديدة وتعممها على جميع مدارس البلد وتغيّر المناهج. أظنّ أن معلمة ابنتي على أتم استعداد لنشر هذا الكشف المهم والرائع والعبقري، فهي (مؤمنة) تماماً أنّ كاتم العلم ملعون!!
[email protected]

أحدث المقالات