صمت اسماعنا ونحن نسمع بعض المثقفين العلمانيين والذائبين في تجربة الغرب الديمقراطية الى حد (الثمالة) وهم يتحدثون عن الديمقراطية في الغرب ، والتي تتجاوز اطارها (الالي) في التداول السلمي للسلطة ، لتصل الى منظومة فكرية متكاملة تشمل حرية الانسان اللامحدودة في التعبير والفكر ، وانه لارادع للانسان في السلوك والحركة والسكون الا الانسان نفسه ، وان حياتة هي غاية الوجود .
اليوم بدا هذا الادعاء يفرغ من محتواه ، بعد ان (قتلت ) الديمقراطية بمعناها الاشمل في مهدها الاول ، اذ ان المتابع لمجريات الاحداث في منطقتنا والعالم يجد حجم النفاق الذي يمارسه دعاة الديمقراطية وحرية الانسان من قادة الغرب السياسي ، فالتعاطي الازدواجي مع حقوق الانسان قد وصل الى ابعد مستوياته ، وتعدى مرحلة المداراة الى مرحلة التكشير عن حقيقة ذلك النفاق .
نموذجان شاخصان امام اعيننا يكفيان كمصداقين لحجم النفاق السياسي والاستهتار بحرية الانسان لدى مدعي الديمقراطية ومؤسسيها .
النموذج الاول في حقوق الاسنان وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها تكمن في التعاطي مع ثورة البحرين ونظيرتها في سوريا ، فلازال الشعب البحريني يعيش ويمارس ارقى انواع الرقي الديمقراطي والسياسي للعتبير عن حقه ، والمطالبة بابسط حقوقه المشروعة من خلال التظاهر السلمي ، ومن كل شرائح المجتمع ، ليشمل الدكتور والاستاذ الجامعي ، الى المدرس ، فالطالب، والانسان البسط ، فضلا عن رجل الدين والمثقف ، ومنظمات المجتمع المدني ، ليقابل باوحش ردة فعل من قبل نظام مستبد ومستهتر ودكتاتور بكل يعنيه هذا الاصطلاح من معنى – بناءا على المعايير الديمقراطية الغربية – فهذا النظام لم يصل الى الحكم وفق الاطر الديمقراطية التي حددها الغرب ، ولم يتعاط مع مطالب شعبه بناءا على تلك المعايير ايضا ، وهو يقتل المتظاهرين ، ويعذب المعتقلين ، وينتزع الاعترافات منهم انتزاعا ، كل ذلك يحصل امام انظار واسماع كل دعاة حقوق الانسان وامام دعاة الديمقراطية في كل ارض الله الواسعة ، لكننا لم نجد من ينتصر لهذه الديمقراطية المزعومة ، فضلا عن حقوق المواطن البحريني ، ليقول لنظام ال خليفة كفى فانك تنتهك ديمقراطيتنا التي اسسناها لكل الناس وندافع عنها في كل مكان .
بالمقابل نجد النفاق باجلى صوره عندما تقوم امريكا وكل الدول الغربية بدعم الجماعات المسلحة في سوريا وتؤجج الاقتتال الطائفي والاهلي ، تحت ما يسمى بدعم الديمقراطية ، وترفض اعطاء التجربة الديمقراطية التي (نظرت) لها عقود من الزمن بمعانها الواضح وهو التداول السلمي للسلطة ، فامريكا والغرب فضلا عن اذنابهم في الخليج يرفضون اجراء انتخابات حرة وشفافة ونزيهة في سوريا ، حفاظا على ارواح الناس من الشعب السوري المسكين ، وانجاحا لمشروعم الديمقراطي ، ويفضلون على ذلك القتل والحرب وسفك الدماء ، تحت نفس الشعار الديمقراطي .
المصداق الثاني هو مصداق حرية التعبير التي( تغنى) بها الغرب ومريدوه في بلداننا العربية والاسلامية ، هذه الحرية المزعومة قد نقلت الى مثواها الاخير ، عندما اقدم دعاة حرية التعبير على غلق القنوات الفضائية الايرانية في خطوة غير مسبوقة ، لا لشيء الا لان هذه القنوات تتقاطع سياسيا وفكريا واعلاميا مع السياسة الغربية ، وان هذه القنوات قد فضحت سياسة النفاق الامريكي الغربي في التعاطي مع مجمل القضايا التي تعيشها المنطقة والعالم ، وان هذه القنوات تمتلك سياسة اعلامية ومصداقية كبيرة ، استطاعت ان تصل الى عقول المجتمع الغربي والذي اخذ يتعاطى معها ويتابعها بحرض اكثر من متابعته للقنوات الغربية السياسية ، وليس ادل على ذلك من هذا الاقدام على غلق هذه القنوات .
ان هذا الاجراء رغم انه يعد بحق حمل جنازة حرية التعبير التي نادى بها اصحابها ، فانها سوف لاتكون اخر خطوة بهذا الاتجاه ، وان مقولة بوش الابن قبيل غزوه العراق ( من لم يكن معنا فانه علينا ) لهي ابسط دليل على دكتاتورية الاستكبار العالمي وزيف لكل الشعارات التي ينادي بها خلال السنوات الماضية ، مع فارق بسيط وهو ان الانظمة الغربية وامريكا يتعاطون مع الديمقراطة وحقوق الانسان مادامت لم تتقاطع مع الحرية التي يريدونها ، ومع حقوق الانسان الذي رسموا له قالبا يريدون ان يضوعه فيه ، والا فان الحرية وحقوق الانسان ليس لها مصداق خارجي يذكر .