23 سبتمبر، 2024 9:38 ص
Search
Close this search box.

“الأوبة” .. وثيقة روائية جديدة تكشف تفسخ المجتمع السعودي وإنغلاق منافذه الاجتماعية !

“الأوبة” .. وثيقة روائية جديدة تكشف تفسخ المجتمع السعودي وإنغلاق منافذه الاجتماعية !

خاص : عرض – سماح عادل :

في السعودية أدى الإنفتاح على العالم في السنوات الأخيرة، وإتاحة فرص تعليم للفتيات إلى ظهور جيل من الشابات يعين بقوتهن، ويدركن كم القهر والظلم الذي كن يعشن فيه.. وكانت الروايات التي صدرت عن بعض منهن مؤشراً على ذلك الوعي، ومظهراً من مظاهر التمرد على المجتمع شديد الإنغلاق ذاك.

في رواية (الأوبة) تتناول الكاتبة “وردة الصولي” مجتمعها بنقد شديد وتعرض مشاكله في لغة ساخرة متمردة، تصل في السخط والتمرد إلى أقصى مداه.. وقد نشرت الرواية “دار الساقي اللبنانية” دون إشارة إلى أية معلومات تخص الكاتبة، لنكتشف بعد ذلك أنها تكتب باسم مستعار خوفاً من رد فعل المجتمع السعودي الذي لا تزال تعيش فيه.

الشخصيات..

سارة: البطلة.. هي فتاة صغيرة في المرحلة الثانوية، تم إجتذابها إلى التيار الديني المتشدد المتفشي في المجتمع عن طريق الأخصائية الاجتماعية في المدرسة، والتي تقوم بتفتيش دوري على الطالبات لتمنع عنهن الموسيقى والغناء والروايات والكتب، وكل ما تم تحريمه من قبل هذا التيار المتزمت.

فلوة: أخصائية اجتماعية تعمل في مدرسة بنات.. تعمل مطوعة أيضاً في “جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، وهي عانس لم تتزوج، تقوم بإستقطاب الفتيات الصغيرات لهذا الفكر المتشدد وغسل أدمغتهن بدعوى نشر الدين الصحيح.

عبد الله: أخو “فلوة”، ستتزوجه سارة فيما بعد، وهو يكبرها بـ 15 عاماً، وسوف تعيش معه حياة قاسية تنتهي بالطلاق.

عمر: أخو “سارة”.. شاب متفتح العقل يرفض زواجها من “عبد الله” في البداية، لكنها تصر وتساعدها جدتها في ذلك، لكنها عندما تنهي ذلك الزواج يساعدها أخيها على التخلص من آثاره النفسية عليها، ويدعمها ويساندها حتى تتعافى، ويسافر بها إلى مصر وبريطانيا ويفتح لها أبواباً للتحرر والإنعتاق.

مشاري: تتعرف “سارة” عليه من خلال أخيها عمر وتقع في غرامه، ويمثل بالنسبة لها خطوة على طريق الشفاء، وكأن الحب هو بابها للشفاء من القهر والتسلط.

الجدة: سيدة بسيطة تفرح لإلتزام “سارة” الديني وتشجعها على الزواج من “عبد الله”، وعندما تسوء حالة “سارة” النفسية تذهب بها إلى أحد المشايخ الذين يعالجون بطقوس الدين، ويتحرش هذا الشيخ القصير البدين بـ”سارة” مما يساهم في تفاقم حالتها النفسية.

الراوي..

البطلة تحكي بضمير المتكلم، وتصور الشخصيات في تقاطعها معهم وتعاملها، تغوص في داخل نفسية البطلة وأحلامها ومخاوفها وعقدها النفسية وتروي بدقة ما تشعر به.

السرد..

السرد للأسف غير محكم وإيقاعه سريع، كما يعاني من التكرار الذي قد يصيب القارئ بالملل أو يفسد إيهامه.. تستشهد الكاتبة بنصوص أخرى داخل النص مثل أشعار “أبو نواس” ومقولات “أبو العلاء المعري” وكلمات لأغاني سعودية وعربية.. تتنقل الكاتبة في الحكي في حوالي 100 صفحة من القطع المتوسط، ما بين الحكي عن الماضي والتعبير المباشر عن مشاعرها تجاه ما حدث لها، كما تقدم جملاً تقريرية صريحة تهاجم فيها التشدد الديني وتقاليد المجتمع وعاداته.

التمرد على الله..

أهم ما يميز هذه الرواية أن البطلة وصلت في تمردها إلى حد بعيد، فتمردت على الله نفسه وأصبحت تتفوه بعبارات ساخطة تطول الذات الإلهية، وتصورها في كلمات قد لا يقبلها المتدينين ويعدونها كفراً، لكنها تعود وتؤكد أنها تسخط على إله المتشددين أو على الأدق صورة الله لديهم، والتي يصورونها في هيئة إله جبار، قوي، عنيف يعاقب الناس ويعذبهم، وأنها تؤمن بإله آخر أكثر سماحة وطيبة وتفهماً، مما يعني أنها لا ترفض فكرة الإلوهية أو ترفض الدين، لكنها ترفض دين المتشددين الذي يطوعونه على حسب رغباتهم وأهوائهم، وتقدم الكاتبة في تصوير خيالي أقرب إلى الحلم تصورات عن الآخرة كما يصورها المتشددين الدينيين، وتسخر من التفاصيل التي يتحدثون عنها، “الحور العين” الذين يحتفظن ببكارتهن و”الغلمان” الذي يسمح للمؤمنين أن يمتطوهن، ورجوع الزوجة إلى زوجها في الجنة.

كما تسخر من أحاديث هؤلاء المتشددين وتركيزهم، الذي يقترب من حد الهوس على دور المرأة الجنسي، وقصر حياتها على دور واحد وحيد هو إمتاع زوجها جنسياً وطاعته طاعة عمياء، وتلك الجلسات التي تعقدها بعض الداعيات للنساء لتحدثهن عن طاعة الزوج والتفنن في إشباعه في الفراش.

كما تسخر الكاتبة، لكن بشيء من المرارة، من الشيوخ الذين يعالجون الناس بطقوس الدين، وتصور أحدهم قصيراً بدينا يتلمس جسدها وهو يتلو القرآن ويتحرش بها وبجسدها، وكأن هؤلاء المتشددين لا هم لهم سواء استباحة النساء إلى أبعد الحدود.

التمرد ليس تحرر جنسي..

دوماً ما يتم اتهام النساء المتمردات، الكاتبات منهن، أنهن يلبسن تمردهن طابعاً جنسياً، وأنهن يفرطن في الحديث عن الجنس، ويعاب عليهن، خاصة من الكتاب الرجال، تناولهن لتفاصيل جنسية دقيقة في رواياتهن وكتاباتهن، لكن الأمر ليس بهذه الصورة فالمرأة حين تتمرد لا تصل إلى الطرف النقيض وهو التحرر الجنسي المشين، كما يدعي بعض المهاجمين لكتابات النساء، ولكنهن يقصدن بتصوير التفاصيل الجنسية رصد تفاصيل القهر، والذي ينصب أغلبه في وقائع جنسية تقع عليهن، كيف يتم قهر المرأة جنسياً في المجتمعات العربية والشرقية المغلقة ويطلب منها ألا تتحدث عن شعورها بهذا القهر ؟.. وإستجابتها لما يحدث معها كرد فعل عكسي لفعل قاسي وظالم يقوم به الرجال.

رصدت الكاتبة تفاصيل جنسية كثيرة في روايتها، خاصة طريقة تعامل زوجها معها، وتفاصيل تحرش الشيخ القصير السمين بها، كما قدمت صورة أخرى للتواصل الجسدي الإنساني من خلال ما حدث بين “سارة” و”مشاري”، كتفاصيل تواصل يقف وراءها حب وود إنساني عميق، لتبين الفرق الشاسع بين تواصل جسدي ناتج عن علاقة إستعباد واستغلال وتواصل جسدي ناتج عن حب يقوم على التكافوء والمشاركة والمساواة بين الطرفين.

الروايات إشارة البدء..

تعتبر تلك الروايات المتمردة، التي تفضح المجتمع السعودي وتناقضاته وتشوهه وتفسخه، إشارة البدء لحركة اجتماعية قادمة، سوف تتمرد وتثور على كل القيم والتقاليد البالية، وعلى “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، التي بلغت أوج نشاطها من فترة السبعينيات وحتى التسعينيات، حتى أنها أحكمت إغلاق المجتمع وحجمت من نشاط الناس، وحرمت عليهم كل شيء، وعلى التيار المتشدد الديني، مما يشي بوجود جيل جديد يرفض قيود المجتمع، ومما يعني أن تيار التمرد والإنعتاق أصبح يستقطب الشباب الذكور أيضاً.

الكاتبة..

في حوار مع صحيفة (الأخبار) المغربية، أكدت كاتبة رواية (الأوبة) أنّها ليست رجلاً كما قد يدّعي بعضهم، إلا أنّها رفضت الكشف عن هويتها الحقيقية، بسبب الظروف الحساسة التي تعيشها في مجتمع منغلق على نفسه كالسعودية، ورفضت الكشف عن تفاصيل تتعلّق بهويتها، مكتفية بالقول: “إني امرأة سعودية في أوائل الثلاثينات من عمري، أمضيت حياتي كلها في السعودية، أخترت النشر باسم مستعار مراعاة لأمور عدة، أولها الوضع الاجتماعي في السعودية، لا أحد في اعتقادي يستطيع أن يحتمل وزر رواية كهذه في المكان والزمان اللذين أعيش فيهما”.

وكشفت “وردة الصولي” أنّها كتبت مسودة (الأوبة) قبل سنتين من نشرها في كتاب، ونشرتها على شكل حلقات “في منتدى سعودي ليبرالي على الإنترنت، أُغلق لاحقاً تحت ضغط التيار الديني، اسمه (منتدى دار الندوة)، وخلال ذلك، فازت الرواية بجائزة المنتدى الأولى، وبلغت قيمة الجائزة التي تم التنازل عنها لمصلحة جمعية (إنسان) 25 ألف ريال. كما بلغ عدد (زوار) الرواية في المنتدى، خلال أسابيع قليلة، أكثر من 30 ألف زائر.. وهو رقم قياسي بالنسبة إلى ذلك المنـتدى”.

وردّاً على سؤال عن عـلاقتها بالكتابة، وما يمكن أن تضيفه روايتها إلى كتابات “غادة السمان وليلى بعلـبكي ونوال السعداوي” وأخريات، قالت: “أنا قارئة نهـمة للرواية، عربية كانت أم أجنبية. ومع إحترامي الكامل لنـوال السعداوي، لكني اعتبرها باحثة في الإنثربولوجيا لا روائية، وقد أكون مشدودة إلى أحلام مستغانمي مثلاً، أو علوية صـبح، أكثر مما أنا معجبة بغادة السمان التي تجاوزتها في مرحلة ما”. مضيفةً: “أقرأ للرجال والنساء من دون تمييز، هناك من الروائيين من كـتب عن المرأة، وأبحر في عوالمها كأنه امرأة، وهناك نساء كتبن عن الرجل أفضل مما كتب هو عن نفسه. لا أعوّل كثيراً على صرعة تقسيم الأدب بين نسائي ورجالي. أقرأ ما هو متميز لروائيين مشارقة ومغاربة”، وعن الجنس في روايتها، وهل طغى على مساحة الأدب فيها تقول: “لا أدري، لا أسـتطيع وزن الأمور هكذا. وفي الوقت ذاته لن أتفذلك ولن أتّخذ موقفاً مدافعاً. لكنني متأكدة أن “الأوبة” بكل عثراتها هي عمل يشتمل على كامل الشروط الفنية للرواية”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة