23 سبتمبر، 2024 9:35 ص
Search
Close this search box.

ماذا كتب أشهر الروائيين عن الرواية (25) .. لوبوك : يجب ألا يظهر الكاتب في روايته

ماذا كتب أشهر الروائيين عن الرواية (25) .. لوبوك : يجب ألا يظهر الكاتب في روايته

خاص : كتبت – سماح عادل :

في هذه الحلقة من الملف سوف نعرض لكتاب (صنعة الرواية)، للكاتب الإنكليزي “بيرسي لوبوك”، ترجمة “عبد الستار جواد”.. ولد “بيرسي لوبوك” في إنكلترا عام 1879، وتوفى 1965، ومن مؤلفاته الأخرى: (صور رومانية) و(ظلال إيتون).

قراءة الرواية..

يقول “لوبوك” عن القراءة الناقدة للرواية في بداية كتابه: “أن الرواية تفتح عالماً جديداً أمام الخيال، ومن الممتع أن نكتشف ذلك في بعض الروايات، أنه العالم الذي يبدع الوهم والذي نرتضي الضياع فيه بكل سرور، حين يتم ذلك فليست هناك فرصة لأن ندرك شكل ذلك الكتاب، وإلى الحد الذي نضيع عنده في عالم الرواية، لذا يتعين علينا إبعاده عنا وأن ننظر إليه بتجرد وأن نستخدمه لصنع الصورة التي نبحث عنها، وهي الرواية نفسه، نحن نبحث في الرواية عن الشكل، الحبكة الروائية، البناء، كما هو الحال في أي عمل فني سيجب أن نحصل على ذلك إذا كانت الرواية عملاً فنياً خالصاً”.

حرية الكاتب..

عن حرية الكاتب، يقول “لوبوك”: “الكاتب الروائي يختار ما يريد، يشرع في عمله وخياله في أوج قوته متحرراً من أي إلتزام، إنه يطرح جانباً كل ما هو عرضي، الروائي يعيد خلق الأشياء بأوضاع جديدة لم تكن معروفة في الحياة، أوضاع تتطور فيها الأشياء بموجب قانونها الخاص، وتعبر عن نفسها دون عائق، بمعنى آخر، أن الكاتب الروائي يطلق الأشياء ويتممها، إنطلاقاً من هذه الحياة الجديدة النابضة يوجه الروائي طاقته الفنية ويوزعها ضمن بناء متكامل وشامل، إنه يرتب الأشياء ويعدها، إن واجب الروائي هو أن يبدع الحياة، قد نحصل على رواية تكون صورة للحياة وتكون أكثر رشاقة وصدقاً وانسيابية وقوة”.

شكل الرواية..

يتابع “لوبوك”: “إن أفضل الأشكال هو الذي يستخدم مادته أفضل استخدام، إن الرواية المحكمة هي التي يتحد فيها الشكل بالمضمون بحيث يصعب تمييز بينهما، إنه الرواية التي أتت على موضوعها كله ضمن الشكل، فحيثما كان ثمة تنافر أو صراع بين الإثنين كان هناك حشو لا طائل تحته، أو هناك مادة ناقصة وفي هذه الحالة يكون شكل الرواية قد فشل في أن يعطي الفكرة حقها، إن شكل الرواية يعتمد على ما يريد الكاتب قوله”.

الزمن في الرواية..

يبين الكاتب أهمية الزمن، يقول: “إن مسيرة الزمن وتأثيره من متطلبات بناء الرواية الكبرى، لا يمكن طرح موضوعها ما لم يصبح بالإمكان إدراك عجلة الزمن، ليس ثمة شيء أكثر صعوبة يجب تأمينه في الرواية من الزمن، إن إطالة سلاسل المراحل وتطورات الحدث سوف يؤذي الرواية، في أثناء بناء الرواية لابد من تمثيل صيغة الزمن بما هو أكثر من حضور محتوياتها حسب ترتيبها، فلو كان الزمن صلب الرواية فإن الكلمات والفصول يجب أن تبين ذلك، يجب أن يصور الروائي الدور الذي يؤديه الزمن في روايته”.

موضوعية الكاتب..

يؤكد “لوبوك” على أن: “الروائي لابد وأن يكون موضوعياً، أن يجعل القراء يجهلون وجوده وهم يقرؤون الرواية، فهو يضع القصة أمامهم ويكتم أي تعليق عليها، فآراء الكاتب يجب ألا تظهر في قصته على الإطلاق، ولكن لابد أن يظهر ما يعتقد به في أية لمسة يضعها على موضوعه الذي يختاره من شرائح الحياة، ويمثل بوضوح وجهة نظره وأحكامه ورأيه فيها، أن الموضوعية تكمن في البراعة العظمى، التي يعبروا بها الروائيين عن أحاسيسهم ويمسرحونها ويجسدونها في صيغة حية، بدلاً من عرضها مباشرة، إن المسألة مسألة أسلوب؛ فأحياناً يتحدث الروائي بصوته وأحياناً أخرى يتحدث من خلال شخصيات الرواية، وهو في هذا إنما يستخدم لغته الخاصة والمستوى الذي حكم بموجبه على الأشياء، إنه يواجه القارئ في شخصه مهما كان حذراً من أن يقول شيئاً، فقد يصد اهتمامنا عن الشيء الذي يصفه، إنه يعمل على صياغة شيء يكمن في ذهنه وبعد ذلك يستخدم عيون وأفكار ومستويات شخص آخر”.

أساليب الكتابة..

يتسائل “لوبوك”: “هل الروائي يباشر الكتابة في لحظة معينة وهو يركز اهتمامه على أحداث معينة ؟.. أم أنه يفكر أولاً بالشكل الذي يفترض أن يتوفر في ذهن بطله ؟.. قد يقوم الراوئي بكلتا العمليتين في روايته وقد يكون ذلك في نفس الصفحة، لا شيء يجبره على أن يضيع فرصة الاستفادة من الأسلوبين، في الواقع إننا من حين لآخر سنجد كاتباً معيناً يقتصر على أحد الأسلوبين فقط، وهو يعالج روايته باتساق ثابت، وهو إنما يفعل ذلك من أجل تحقيق جانب معين من جوانب فكرته المركزية، التي أفضل ما يقوم بالكشف عنها هو الأسلوب المتفرد وغير المتزاوج، إلا أن الروائي عادة ما يتمسك بحريته لكي يعتمد على أي من المصادر التي يختارها، مرة هذا المصدر وأخرى ذاك، وقد يستعمل المسرحية حينما توفر له هذه المسرحية كل احتياجاته أو يستخدم الوصف التصويري حينما يتطلب شكل القصة ذلك، أما القانون الوحيد الذي يقيده في عمله مهما كانت السبل التي يسلكها هو الحاجة لأن يكون ملتزماً بخطة معينة وأن يعتمد الأساس الذي اختاره”.

ويضيف: “الأساليب تنقسم إلى مشهدي وبانورامي، يحقق الروائي التعاقب أحياناً بين الأسلوبين، ينظر مرة إلى القصة من علٍ أو يضعها في مستوى القارئ مباشرة، ولكن القصة نفسها تبدو وكأنها تذهب بقوة في هذا الإتجاه أو ذاك، وتكون الرواية عرض شامل وواسع بشكل رئيس أو تكون عبارة عن سلسلة معينة من المشاهد، ويجب معرفة أن المشهد الذي لا حاجة إليه ولا يؤدي مهمة، خاصة المشهد الذي يفشل في تحقيق النتيجة بسبب إفتقاره إلى الإعداد إنما هو نقطة ضعف في الرواية، يفترض دوماً أن يكون الروائي حذراً منه، مهما يكن من أمر فإنه ليس هناك شك في أن المشهد يحتل مكانة هامة من حيث كونه أحد الوسائل استعداداً لإثارة الاهتمام والتساؤل لدى القارئ، ذلك أننا قد نقع على مشهد في الصفحة الأولى ثم نشرع بالتأمل والتفكير في الناس الذين يعنيهم المشهد، وهو مشهد يتكرر في الذهن عند أية ذروة أو الإجابة على التساؤل وبذلك يكمل المشهد ما كان قد ابتدأه”.

الشخصية..

يواصل “لوبوك”: “هناك تساؤل من خلال أي من الشخصيات يتعين على الكاتب أن يكشف نفسه ؟.. وأي من هذه الشخصيات عليه أن يقف خلفها ؟.. وأي وعاء للفكر والشعور لابد أن يتجلى ؟.. في بعض الأماكن يتعين على الروائي أن يقتحم خصوصيات شخوصه ويفتح أذهانهم للقراء، ويكون هدفه نقل وجهة النظر هذه ليس أكثر بكثير مما تشتد حاجته إليه، فإذا أمكن تقديم الموضوع كاملاً عن طريق عرضه كما يظهر لشخصية معينة من شخصيات الرواية عند ذاك لا مدعاة للذهاب بعيداً، إن الغوص في أعماق الحياة الباطنية للشخصيات إذا كان عشوائياً وغير لازم فإنه لن يؤدي مهمة غير إرباك النتيجة ويحول الرؤية، ولكن أين هو المحور الذي يعتبر الفكر الذي يسيطر على موضوع الرواية فعلاً ؟.. في العديد من الروايات ليس هناك من شك أن هناك شخصاً ما في وسط الفعل من الواضح أنه الشخص الذي يفسره لنا وأن الفعل بالنتيجة سيواجه من قبل موقف هذا الشخص، إن وجهة النظر هذه التي تتركب من مزيج من الفعل الدارمي الذي عالج بشكل تصويري والوصف التصويري الذي يعرض درامياً، إن وجهة النظر هذه ستكون مفهومة ومن الممتع دوماً في عمل جميل الشكل إكتشاف كيفية ميل أحد الأساليب لأن يضاف إلى أسلوب آخر، بحيث نحصل على طبقات أو توليفة من طبقات في التعامل مع قصة من القصص”.

عمل الرواية..

يسترسل “لوبوك” في شرحه للرواية، بقوله: “إن موضوع الرواية الحقيقي لا يقدم بمجرد خلاصة مسيرة القصة، في الرواية لا تعني حادثة من الحوادث شيئاً بمفردها، كما أنه ليست هناك حادثة يمكن الإستغناء عنها، إن الرواية هدفها جعل وجود البطل أو الأبطال وجوداً واضحاً يسهل تصوره، والذين يقرؤون الرواية عليهم أن يشاركوا إحساس البطل بالحياة وأن يشهدوا ويفهموا تجربته وأن يروه يتمتع ويتحمل هذه التجربة، فالقراء يجب أن يوضعون داخل عالم الأبطال وأن يتمتعون بالتذوق السريع لهذا العالم، يجب أن يكون الأبطال معروفون تماماً ويجب أن يراقب القارئ حركة فكرهم وهم يعملون وتوقد خيالهم وبؤسه”.

تدخل الروائي..

يكمل: “تقليدياً يجوز للروائي أن يسلم بمعرفته الكلية للقصة وشخصياتها، ولكن ذلك ما زال تقليداً، وإن الروائي الحصيف لا يلتزم بذلك التقليد دونما ضرورة، إن الدراما هي أعلى مصباح عن الكاتب الذي هو بمثابة الورقة البيضاء إذا أسرف في استعماله دونما حاجة، فإن ذلك يعني تبديد قوته في وقت تكون فيه تلك القوة ضرورية جداً، إن القصة إذاً سير الأحداث وخلاصتها التي لابد أن تمثل تجربة الروائي المنظمة، والتي على هذا الأساس أيضاً يتعين أن تكون في طبيعتها مثل الصورة، هذه القصة يجب تقويتها وإعطاؤها قوة تقترب من قوة الدراما، حيث لم يعد هناك إحساس بتدخل الروائي، أن الحرية التي يوفرها الأسلوب التصويري للروائي لا يعرفها الكاتب المسرحي ولكن هذه الحرية يجب أن يكون ثمنها ضياع شيء من القوة، والسؤال المطروح هو كيف يكون الثمن أقل ما يمكن في النهاية ؟.. أعتقد أنه سيظهر أن الخسارة يمكن تلافيها وليس هناك ما يجب دفعه أبداً طالما تتبع عملية المسرحة، إن الأسلوب يمكن أن ينضم إلى أسلوب آخر واحداً فوق الآخر وعند تحليل طريقة روائيين معينين فإن المرء سيكتشف كيف أنهم ببساطة يسدون الضعف في أحد الأساليب بواسطة قوة أسلوب آخر ويحتفظون بمزايا الإثنين، ويجب التأكيد على أن كل شيء في الرواية وليس الحوادث المشهدية فقط، بل كل ما تبقى فيها يجب أن يمسرح بمعنى من المعاني”.

ضمير المتكلم..

عن مسوغات استخدام ضمير المتكلم، يقول: “الروائي لسبب معقول يواجه موقفاً في قصته تشتد عنده الحاجة إلى ما هو أكبر من الانطباع البسيط الذي ربما كان القارئ قد كونه لنفسه لو أنه كان يصوب نظراته بوعي، وتلك حالة من عرض عام لأشياء عديدة أو أنها مسالة تتعلق بنظرة معينة للحقائق تقوم على معرفة باطنية يراد لها أن تعرض للقارئ، لا شك أن استعمال ضمير المتكلم هو مصدر راحة للروائي في مجال التأليف فهو أسلوب يتكون على هواه أو هذا ما قد يشعر به الروائي، لأن البطل يمنح القصة وحدة غير قابلة للإنفصال بمجرد عملية سردها، وربما لا تبدو سيرته معلقة منطقياً أو فنياً إلا أن أي جزء هو على الأقل متحد بكل الأجزاء بواسطة التوافق في أنها كلها ترجع إلى شخص واحد، وحينما يروي الحكاية بنفسه فإن هذه الحقيقة من شأنها أن تؤدي خدمة بأن تدفع القصة للأمام، إنني ما زلت افترض أن الرواية الجديرة بالاعتبار هي الرواية التي تتطلب، في الواقع معظم الروايات كذلك، وجهة نظر ليست صادرة عن القارئ، وإنني اعتقد أن القصة تتطلب عيناً ناظرة فإذا لم تكن هناك حاجة إلى هذا الذي يختار ويفسر ويؤلف، فإننا عنذ ذاك سنحصل على دراما خالصة إنها دراما خالصة حينما يكون القارئ وجهاً لوجه في مقدمة المشهد على طول الوقت، وهو لا يعرف شيئاً عن القصة التي هي خارج متناول يده بمقدار ما يمكن تحصيله من واجهة المشهد ونظرة الناس وحديثهم، إن أمام القارئ هنا مشهداً مسرحياً دونما مفسر متطفل ولا جهاز لتسليط الضوء ولا مرشد للمعاني، إن حياة البطل الباطنية تزج في عالم من الأشياء المستقلة الكاملة وتعطي فرصة لكي تفصح عن نفسها وتظهر في الفصول، إن المشهد كما هو الحال دوما تجري مشاهدته من خلال عينيه، أن ما يدمر قصة هو الإفراط في معالجتها أو التقصير في هذه المعالجة ، لذا تظهر الحاجة لتنظيم كل ما يتعلق بالرواية”.

الراوي..

عن الراوي يقول “لوبوك”: “قد تروى القصة بشكل مفعم بالحيوية، بحيث ينسى حضور الروائي ويتجلى المشهد للعيان وتحتله شخصيات الحكاية، هكذا قد يكون وغالباً ما كان كذلك، ولكن ليس دوماً، فإذا ضعف سلطان الراوي في أية لحظة فإن القارئ يستدعي من المشهد ليرى الروائي مجرداً أمامه وعند ذاك ستعتمد الرواية فقط على وجود الروائي المباشر”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة