خاص : ترجمة – سعد عبد العزيز :
تهدف اجتماعات القمة، التي أجراها “بوتين” مؤخراً مع رؤساء سوريا وتركيا وإيران، إلى دفع العملية الدبلوماسية بقيادة روسيا وإنهاء التدخل العسكرى.
لكن السعودية و”حزب الله” وإسرائيل لديهم أيضاً مطالب خاصة، فكيف ستتصرف موسكو لإرضاء جميع الأطراف وإنجاح خطة التسوية الروسية. وللإجابة على هذا التساؤل نشرت صحيفة (هاأرتس) العبرية مقالاً تحليلياً للكاتب الإسرائيلي “تسفي برئيل”, تناول فيه المساعي الروسية لإسترضاء جميع الأطراف المعنية.
“بوتين” يتحاور مع جميع الأطراف..
يقول “برئيل” إن الهدف من الاجتماع، الذي انعقد الإثنين الماضي في “سوتشي” بين الرئيسين: الروسي “فلاديمير بوتين” والسوري “بشار الأسد”، لم يكن الهدف منه إجراء مشاورات بل عرض مسودة الخطة السياسية التي تعتزم روسيا تنفيذها خلال الأسابيع المقبلة في الدولة السورية التي مزقتها الحرب الأهلية. وتم خلال الاجتماع التوصل إلى “اتفاق” حول مبدأين عاجلين, وهما إعلان بدء المرحلة النهائية من العملية السياسية وإنهاء العمليات العسكرية.
ومن أجل تنفيذ هذين المبدئين، تم توجيه الدعوة لرئيسي تركيا وإيران للاجتماع مع “بوتين” يوم الأربعاء الماضي, وتم على الجانب الآخر عقد مؤتمر لفصائل المعاضة فى العاصمة السعودية الرياض. وسبق هذين الحدثين قيام “بوتين” بإجراء محادثات هاتفية مكثفة مع القيادة السعودية (رسميا: مع الملك “سلمان”, وعملياً: مع نجله ولي العهد “محمد بن سلمان”)، ومع الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” والرئيس الأميركي “دونالد ترامب”، إلى جانب إطلاع رئيس الحكومة الإسرائيلية “نتنياهو” على بنود الخطة الروسية.
وقد سبقت تلك التحركات أعمال تحضيرية روسية مطولة، أسفرت في الأشهر القليلة الماضية عن بعض التوافقات الحيوية. يتعلق أهمها بمستقبل الرئيس السوري “بشار الأسد”، الذي من المحتمل أن يستمر في شغل منصبه كرئيس للجمهورية إلى حين إجراء انتخابات جديدة أو تشكيل حكومة مؤقتة تعكف على صياغة الدستور الجديد (الذي صيغت مبادئه بالفعل في موسكو). وبعدها، “سيختار الشعب قيادته” – وهو المبدأ الذي وافق عليه الرئيس “ترامب” قبل ثلاثة أسابيع.
ماذا بعد ؟
يتوقع الكاتب الإسرائيلي أن تكون الخطوة التالية هي دعوة كل أطراف النزاع – من ميليشيات المتمردين وممثلي النظام السوري – إلى عقد اجتماع آخر في روسيا، ثم يلي ذلك عقد المؤتمر الثامن في “جنيف” برعاية الأمم المتحدة. ومن ثم تنتقل المسؤولية عن الملف السوري إلى الأمم المتحدة، وبذلك ستكتسب الاتفاقات التي سيتم التوصل إليها صفة الشرعية الدولية.
الموقف السعودي..
يضيف “برئيل” بأن المملكة العربية السعودية قد تراجعت عن معارضتها لاستمرار “الأسد” في منصبه، لكنها لا تزال تُصر على أن تتعهد القيادة الروسية بتقليص التواجد الإيراني في سوريا. ومن غير الواضح إن كانت طهران قد وافقت على هذا المطلب، ولكن إذا قبلت الأطراف بإنتهاء المرحلة العسكرية، وإذا بدأت روسيا سحب قواتها من سوريا، فمن الممكن أن تتخذ إيران أيضاً نفس الخطوة – ولكن ليس على الفور، وإنما بعد الاتفاق حول التدابير العسكرية في المناطق الأمنية، وفي أعقاب ذلك يتم وقف إطلاق النار في جميع أرجاء سوريا. وهذا يرتبط إلى حد كبير أيضاً بالاتفاقات التي تم التوصل إليها يوم الأربعاء الماضي في اجتماع فصائل المعارضة، الذي عُقد في السعودية وقاطعته بعض الفصائل بسبب إعتراضها استمرار بقاء “الأسد” في منصبه.
روسيا والضغوط التركية..
يؤكد الكاتب الإسرائيلي على أن تركيا لديها مطالبها الخاصة، وأهمها وقف الدعم الأميركي لفصائل المتمردين الأكراد في سوريا، وهو ما لم يتحقق حتى الآن. كما تطالب أنقرة – التي تشارك بقوة في الإشراف على المنطقة الأمنية المُقررة في “إدلب” – بأن تسمح لها روسيا بالسيطرة على مدينة “عفرين” الخاضعة لسيطرة المتمردين الأكراد, وضمها إلى المنطقة الأمنية (منطقة خفض التصعيد)، التي تشرف عليها. لكن ما تخشاه روسيا هو أن مثل تلك الموافقة قد تؤدي إلى إنسحاب الأكراد السوريين من العملية السياسية، وبذلك يفشل الحل الشامل. ومن هنا فإن روسيا – التي تسعى جاهدة لإقامة دولة سورية متماسكة وليس دولة فيدرالية تتمتع فيها المقاطعات الكردية بحكم ذاتي – تواجه مأزقاً: لأن الأكراد يطالبون بعرقلة النشاط التركي وإقامة مقاطعة خاصة بهم تتمتع بحكم ذاتي، في حين ستشكل تركيا تهديداً على المنطقة الأمنية الشمالية إذا لم تتحقق مطالبها.
لبنان: حلبة جديدة للصراع بين الرياض وطهران..
تسعى المملكة العربية السعودية، التي ترعى مجموعة كبيرة من فصائل المعارضة، إلى منع استمرار السيطرة الإيرانية في سوريا. وأتخذت في سبيل ذلك خطوة غير مسبوقة، حيث أجبرت “سعد الحريري” على الإستقالة من منصبه كرئيس للحكومة اللبنانية. وكان هدفها سحب البساط من تحت أقدام إيران و”حزب الله” في لبنان من خلال دفع البلاد إلى حالة من الجمود السياسي والاقتصادي.
وتشير التطورات الأخيرة إلى أن المناورة السعودية قد تنجح ولو بشكل جزئي. حيث أعلن تنظيم “حزب الله” تمسكه باستمرار “الحريري” في منصبه، كما لم يقبل الرئيس اللبناني “ميشال عون” إستقالته، فيما أرسل الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” وفداً رفيع المستوى إلى لبنان لمحاولة التوصل إلى تفاهمات، أما “الحريري” نفسه فقد أعلن تجميد إستقالته. وأصبح المفتاح الآن في يد “حزب الله”، الذي يتعين عليه أن يقرر إن كان قد وافق مع المطالب السعودية، التي نقلها “الحريري”، بأن يسحب قواته من سوريا واليمن والعراق. وهذا هو جوهر سياسة “الحريري” التي تركز على القضايا الداخلية اللبنانية وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى.
ووفقاً لتقارير من لبنان، فقد يوافق تنظيم “حزب الله” على سحب قواته من اليمن والعراق – ولكن ليس من سوريا. وبهذه الطريقة، سيفي التنظيم الشيعي بإلتزامه بالسير في منتصف الطريق نحو “الحريري”، كما أعلن الأمين العام “حسن نصرالله”.. والسؤال هو ما إذا كانت المملكة العربية السعودية ستكتفي بتلك التنازلات أم أنها ستطالب “حزب الله” أيضاً بالإنسحاب من سوريا. ومن المفارقة أن الخطوة السعودية فيما يخص لبنان، والتي تهدف إلى لي ذراع “حزب الله” وإيران، هي تحديداً التي تمنح إيران حق الإعتراض على التسويات المُنتظرة في سوريا وفي لبنان بطبيعة الحال. حيث سينبغي على روسيا أن تناور بين ضرورة إسترضاء حليفتها الاستراتيجية إيران، وضرورة الحصول على الشرعية العربية والدولية لأي تسوية سياسية في سوريا. ولن يمكنها ذلك إلا بدعم المملكة العربية السعودية.
وفي الختام يزعم الكاتب الإسرائيلي أن أي قرار ستسفر عنه المساعي الروسية لحل الأزمة السورية سيكون حاسما بالنسبة لإسرائيل. فإذا فشلت العملية السياسية بسبب ضغوط القوى الداخلية، فسوف يؤدي ذلك لتنامي قوة “حزب الله” وإيران، حيث لا تملك روسيا وسائل ضغط عليهما، أما إحراز الحل السياسي فسيتطلب منح إيران و”حزب الله” تنازلات من أجل الحصول على دعمهما. عندئذ قد ستجد إسرائيل نفسها دون حليف من القوتين العظمتين يمكنها من إحباط ذلك السيناريو.