(حصار العرب لايران مثل حصارهم للنبي محمد وبني هاشم في شعاب مكة لكنهم ليسوا بشهامة كفار قريش)
يؤرقنا مستقبل فارس هذه الامة التي كانت حضارتها الروحية معادلا للحضارات
المادية مع ان انجازاتها المادية راكزة وعالية الكعب على العكس من جيرانها العرب خاصة الذين هاجموها وعبثوا بتاريخ اكثر من خمسة الاف سنة من التمدن
ونشروا الفوضى والخراب والتعصب في حوض الخليج الفارسي.
في الربع الاخير من القرن العشرين واجهت بلاد فارس الحرب والحصار وقد انكفأت على نفسها منطلقة في عملية بناء داخلي عززت خلالها قطاعات حقوق المراة والزراعة والصناعة
والري وشبكات الطرق وخزن المياه وسكك الحديد والتخطيط المدني والصحة والتعليم والاتصالات والموانئ والتجارة الدولية وواصلت مشيها في الممر النووي لكنها مثل كل مرة
لم تترك فتوافد عليها جيرانها العرب وحدانا وزرافات بعد انهيار العالم العربي بسبب قيام العراق باعادة ضم الكويت المنطقة التي يقول العراقيون على الدوام انها جزء من
اراضيهم ومنفذهم اليتيم على الخليج الفارسي.
في العقد الاخير من القرن العشرين وجدت فارس مرونة من جيرانها العرب الذين حضروا جميعهم القمة الاسلامية التي رعتها طهران منتصف التسعينات بما فيهم
الملك عبد الله بن عبد العزيز وهو امير معتدل وقتها وكان الايرانيون ينظرون اليه في ال سعود على انه عمر بن عبد العزيز في بني امية وكان العراقيون قد تدفقوا هم الاخرين بمئات الالاف وسحبوا ايران الى قاع قضيتهم
في الصراع مع النظام الحاكم.
فارس المنكفئة وجدت العالم يطرق ابوابها بقوة وبحكم خطأ ما عادت الى قلب صراع غامض وغير مفهوم لتجد نفسها بطرفة عين بمواجهة حصار اخر تبلور في بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين
وبالطبع كان العرب طرفا في هذا الحصار مذكرين بقصة حصارهم للنبي محمد مع عائلته في شعاب الجبال الا انهم والحق يقال اقل شهامة من كفار قريش.
اننا في خضم تقييم مهني صارم بعيدا عن الاحكام الشخصية فهل حصار القرن الحادي والعشرين يشبه حصار القرن العشرين الذي نجت منه بلاد فارس ؟
في الحصار الاول كانت السماء اكثر جودا بالمطر وكان الشتاء ياتي بالثلوج مايعني انتاجا زراعيا جيدا فيما اصبحت الغيوم المطيرة شحيحة وتطرفت درجات الحرارة نتيجة عوامل متداخلة منها التغير المناخي العالمي
واهمال الشرق للبساط الاخضر وتركه يموت ليتم تدوير المشكلة البيئية تناقص في النبات يقود الى ارتفاع درجات الحرارة ثم قلة الامطار، السكان تضاعف عددهم وبحكم شباب البلاد فان اليد العاملة في الزراعة قلت لحساب
العمل بقطاعات غير منتجة يهواها الشباب، الريف تناقص واصبحت العاصمة كتلة سكانية ضخمة ليست ببعيدة عن سكان قارة استراليا بحساب مدن الاطراف، الانتاج الزراعي الفاخر كالكافيار والفستق وثمار الكيوي والزعفران
والتمر والرمان والمشمش والورديات والاعشاب الطبية سوقها الرئيس القارة الاوروبية واميركا (الحاصر) وكذلك الانتاج الصناعي الفاخر كالسجاد.
المغذيات الرئيسية لزراعة الدواجن كالذرة وفول الصويا واللقاحات تقع في الخارج والاخيرة محتكرة ببنوك طبية غربية.
اقليميا لم تكن قطر قد ولدت بعد وهذه الدولة التي لايزيد عدد سكانها على عدد مشجعي مبارة في كرة القدم بين فريقي باير وشتوتغارت اوجدت لنفسها دورا امبراطوريا وانجزت ماكان يعد معجزة ومعها ولد الخليجي الشرير
او الخليجي البلطجي بعد ان كان الخليجيون عرضة لبلطجة المصريين والفلسطينيين واللبنانيين.
من عوامل التطير ان قطر كانت نقطة عبور العرب لتخريب بلاد فارس.
اسلاميا لم تكن المشكلة الطائفية اخذت هذه الابعاد العميقة والمخيفة وبالعودة الى الاقليم فان المنطقة الكردية لم تكن ولدت بعد مايعني تهديدين جديين لخاصرة فارس الجنوبية الشرقية والشمالية الغربية وابعد من ذلك
فان العرب الذين كانوا يوما ما قوميين اصبحوا طائفيين وهم على استعداد لاقامة تحالف مع غيرهم من القوميات بالضد من ايران.
تركيا العلمانية تحاول اعادة اكتشاف جذورها العثمانية مع ترسيخ تحالفها الاطلسي.
كانت الولايات المتحدة الاميركية منشغلة بالحركات الشيوعية في اميركا اللاتينية وكان نظام القطبية الرباعية قائما ،الروس والصينيين والغرب والدول غير المنحازة ،الاتحاد الاوروبي كان بطور الحمل وقد ولدت وحدته
الجغرافية والسياسية والاقتصادية والاهم الوحدة بين الالمانيتين ومن ثم الوحدة الالمانية الفرنسية.
على العكس من القراءة الايرانية للموقف الغربي فان الغرب لايواجه اي ازمة حقيقية فلم يعد التهديد الشيوعي قائما وذابت عضلات التنظيمات العمالية وفقدت جماعات الضغط قوتها امام الحياة الجديدة التي تقوم
على الاجتماع الافتراضي بين البشر عبر شبكة الانترنت.
الكومبيوتر وشبكة الانترنت نفسها ماكانا وماكان نظام ال جي بي اس قد اسس بعد.
ظهور عقيدة (التهديد الفارغ) فقد اكتشف الغرب ان تهديدات الانظمة الشرقية فارغة فقد هدد صدام حسين باحراق نصف اسرائيل ووجد
نفسه في النهاية بمرحاض بدون باب دون ان يستخدم اسلحته التي طالما هدد بها العالم وهدد معمر القذافي بنقل المعركة الى الغرب ووجد نفسه بيد القطريين يحشرون بجسده مقدم السلاح او العصي وهدد بشار الاسد بحريق في الشرق الاوسط
اذا ماتعرضت بلاده للتهديد وهاهي سورية تحترق بيد المعسكر السعطري والشرق على مكانته.
لاتوجد ارقام كافية تجعل الغرب ينظر بجدية لاي تهديد شرقي، مايعني ان التهديدات بالرد حتى لو كانت جدية وتستند الى فعل عسكري على الارض فلن تكون سلاحا للردع.
هناك وهم ايضا بشان التحالفات فايران ربما يكون لديها اصدقاء داخل النظام العراقي الحالي لكن النظام برمته ليس حليفا لها ان لم تكن طبيعة تحالفاته تحول وتحالفه معها فالعراق تربطه معاهدة مع الولايات المتحدة الاميركية
ارجح ان تكون متضمنة بنودا للدفاع المشترك واذا كانت كذلك فان ايران بدون حلفاء بعد ان كانت سورية وليبيا في الماضي تفرملان العداوات العربية ضدها.
ينظر لبلاد فارس على انها التينة الوحيدة الباقية على الشجرة وهي لقمة الحياة المتبقية للنظام الراسمالي في طور التحول الى نظام جديد له شكل بدون مصطلح واذا لم يحسن القادة الايرانيون قراءة الماضي والحاضر ويكونون
صورة واقعية للمستقبل فانني شخصيا اتوقع اختفاء اخر الامم التي شكلت تاريخ البشرية وكانت المصباح الذي اضاء الشرق لحقب طويلة.
ان قواعد الحصار كاداة جديدة في العلاقات الدولية تقول
كان الزيت سلاح الشرق ضد الغرب في الانتاج فاصبح سلاح الغرب ضد الشرق بالاستهلاك
نقل الزيت الغرب الى طور الطاقة البديلة فيما حطم بنى الشرق الزراعية
لم يفرض الحصار على امة ورفع عنها
كل الامم التي حوصرت كان مصيرها التفكك
كان الحصار في الماضي يتبع الحرب فصار يسبقها في الحاضر اي ان الحصار مقدمة لحرب مؤكدة
عقائد السكان لها مدخلية بمقاومة الحصار فالكوريين الشماليين مثلا لايهمهم اكل اي مخلوق.
المؤسساتية العالمية ساعدت بتطبيق الحصار بدقة كبيرة.
ارتباط التجارة الحديثة بالدولار واليورو والنظام البنكي العالمي.
تسارع الفجوة بين الحاصر والمحصور بحكم تسارع القفزات التكنلوجية
ان اللاشرقية واللاغربية جعلت من ايران كما اوردنا ثمرة شهية وحيدة على شجرة بدون اسيجة وسط عالم تحكمه علاقات القوة او التحالفات فاما ان تكون قويا او ان يكون لك حلفاء
ان من عثرات السياسة الايرانية البحث عن اعداء وصناعتهم في معسكر الاقوياء والبحث عن اصدقاء وايجادهم في معسكر الضعفاء.
باعتقادي ان الوقت تاخر كثيرا وقد لايكون بيد ايران نفسها الكثير لتفعله ضمن القوانين التي تحكم قيام الحروب.
ان الامل الذي يمكن ان يشع بصورة مفاجئة هو الفهم الغربي باهمية فارس لدورة الحضارة والحذر من يأجوج ومأجوج.