النهضة أو الثورة الحسينية أو سمها ما شئت حركة إصلاح كبرى تتكشف لنا تأثيراتها وعظمتها يوماً بعد يوم رغم مرور اكثر من ألف وثلاثمائة سنة على وقوعها إلا أنها لازالت غضة طرية. هذه النهضة العظيمة تعرضت للظلم الكبير والكثير على مدى تاريخها، ولست ازعم إني احاول في مقالي هذا تقصي احوال من ظلم هذه النهضة ولكني أحاول تصنيفهم ضمن فئات لتجنيب نفسي ومن يعنيني أمرهم على الاقل من الدخول في فئة منها!!!
وهذه الفئات التي ظلمت النهضة الحسينية وفقاً لما سبق من كلام يمكن تصنيفها الى ما يلي :
1-الفئة الأولى:
فئة (القتلة) وهي الفئة التي حاربت هذه النهضة بشكل واضح وصريح مع المعرفة بحق صاحبها وحقانية نهضته ومعرفة اهدافه التي صرح بها جهاراً نهاراً. ويدخل ضمن هذه الفئة اغلب-إن لم يكن كل- الذي شاركوا في قتل الإمام الحسين عليه السلام واصحابه ومن ثار قبله أو بعده ضمن إطار هذه النهضة وزعيم هذه الفئة بلا منازع يزيد بن معاوية عليه وعلى ابيه لعائن الله وملائكته والناس اجمعين.
ولازالت هذه الفئة ولودة إلى يومنا هذا رغم الاختلاف في بعض الاهداف والاساليب. ولازالت ابواقها مستمرة في تزوير حقيقة هذه النهضة وحقيقة صاحبها ومكانته واهدافه. وهذه الفئة معاندة ولا ينفع معها أي نصح أو ارشاد.
2-الفئة الثانية:
فئة (الجهلة) (القتلة من الدرجة الثالثة) وهي الفئة التي حاربت هذه النهضة بشكل واضح وصريح لعدم معرفتها بحق صاحبها وحقانية نهضة وتوهم معرفتها بأهدافه وتصورها اهدافاً خاطئة ويدخل ضمنها نسبة ممن شارك في قتل الامام الحسين عليه السلام واصحابه ومن ثار قبله أو بعده ضمن اطار هذه النهضة، ورغم إنه لا عذر لأغلب المنتمين الى هذه الفئة خاصة في زمننا الحاضر إلا أن المطلوب أن يكون تعريفنا بالنهضة وصاحبها اكثر واوسع واوضح لانتشال ما يمكن انتشاله من هذه الفئة التي لازالت تمارس ظلم النهضة الحسينية وتساهم في تزوير حقيقتها وحقيقة صاحبها ومكانته واهدافها.
3-الفئة الثالثة:
فئة (أصحاب التل) وهي الفئة التي عرفت هذه النهضة وعرفت حقانية صاحبها ومكانته واهدافه ولكن افرادها فضلوا الوقوف على التل لا لعذر، مرة طلباً للسلامة، ومرة كسلاً واهمالاً، ومرة لتحقيق مكاسب ما، وهؤلاء من ظلمة النهضة وصاحبها بلا شك لأن الإمام الحسين عليه السلام لم يترك لهم خياراً بقوله “من سمع واعيتنا فلم ينصرنا أكبه الله على منخريه في نار جهنم”. فالنهضة الحسينية وما يرتبط بها معركة مصيرية ليس فيها وجود لحياد إيجابي على الاطلاق.
4-الفئة الرابعة:
فئة (المهملين) وهي الفئة التي عرفت هذه النهضة وعرفت حقانية صاحبها ومكانته واهدافه ولكنها خالفتها سلوكاً -كلياً أو جزئياً- وهي عارفة بهذه المخالفة ومعترفة بها لذا فهذه المعرفة حجة عليها وكان ينبغي أن تترك هذه المعرفة أثراً في السلوك. وظلمها للنهضة الحسينية خذلانها لهذه النهضة وصاحبها على مستوى السلوك والتطبيق وهذا له كبير الأثر على هذه النهضة واهدافها.
نستجير بالله من هذه الفئة لأنها مستوعبة للكثيرين!!
والقول بعدم الدخول فيها ادعاء كبير!!
غفرانك يا رب ورحمتك.
5-الفئة الخامسة:
فئة (الحمقى) وهي الفئة التي توهمت إنها عرفت هذه النهضة وعرفت حقانية صاحبها ومكانته واهدافه، أو لديها معرفة ناقصة لا تكفي للتصرف الصحيح فتراها تتفاعل مع النهضة وفقاً لتصوراتها الخاطئة أو الناقصة فتسيء الى نفسها وإلى هذه النهضة، ورغم إن نسبة ممن ينتمون الى هذه الفئة ربما معذورون لجهلهم ولكن على الجاهل أن يرجع الى العالم ولا يتصرف من تلقاء نفسه. وهناك من يسوغ لهذه الفئة تصرفاتها ويعطيها المشروعية لأهداف لا تخفى على العقلاء، ولعل من ابرز علامات الحماقة وضع خطوط حمراء أو زرقاء وهمية لإغلاق العقول واخراج الشعائر الحسينية من دائرة النقد الايجابي والتوجيه المرجعي وامثال ذلك.
وهناك من يساير هذه الفئة طمعاً في تأييدها لأنها سهلة الانصياع ضمن أطر خاصة، لزيادة الناخبين أو المشاهدين أو الاتباع أو خلاصاً من نقمتهم أو غير ذلك.
في حين إن المطلوب المواجهة والتوعية والوقوف أمام الخطأ مهما كان عدد مؤيديه وبأي عنوان تعنون، فكم من أكذوبة نسبت إلى دين الله وشرعه وشعائره زوراً أو جهلاً.
وظلم هذه الفئة للنهضة الحسينية بإعطاء تصورات سلبية عنها وصد الاخرين عن فهمها والالتحاق بركبها واشغال المصلحين والقادة بمعارك جانبية عادة ما تقود الى التأخير وضياع الكثير من الجهود والطاقات.
6-الفئة السادسة:
فئة (المحرفين) (قتلة الدرجة الثانية) وكان المفروض أن نذكرها كثاني فئة في التسلسل ولكننا تركناها لآخر التصنيف للتركيز عليها وختم الكلام في الحديث عنها، وهي الفئة التي عرفت هذه النهضة وعرفت حقانية صاحبها ومكانته واهدافه ولكنها تمارس التحريف من الداخل لهذه النهضة فتنصب نفسها مدافعة عن هذه النهضة وصاحبها وهي تعمل على هدم هذه النهضة وحرفها عن مسارها واعطاء تصورات وهمية للناس عنها وغالباً ما يكون سلاحها العاطفة المبالغ بها والتهويل واستغلال عواطف الناس البسطاء وتجييشهم لكسب التأييد وجمهورها في الغالب من الفئة الخامسة أو أشباههم، وهذه الفئة من اشد الفئات خطراً في الوقت الحاضر لأنها تمارس القتل الخفي لهذه النهضة وكشفها يتطلب جهداً كبيراً لأنها لا تكشف عن نفسها بسهولة- في الغالب- وتطرح نفسها بهيئة المدافع المتباكي على القضية ويتنوع المنتمون لها بين السياسي والوجيه والتاجر والشاعر والرادود والخطيب والكاتب والاخيرين اخطر الاصناف الداخلة ضمن هذه الفئة لأنهم يحرفون ويروجون للتحريف وهما مصدر التحريف في الغالب. وهذه الفئة تقف دائماً في وجه أي محاولة للإصلاح وتضع في طريقها العراقيل والخطوط الحمراء والزرقاء وغيرها وتستغل سلاح العاطفة ايما استغلال والناس لصوت العاطفة في الغالب أطوع منهم لصوت العقل والمنطق.
وظلم هذه الفئة للنهضة الحسينية واضح تمام الوضوح فهي تقتل هذه النهضة بسيوف التحريف المنقوعة بسم الجهل والحماقة لتظهر هذه النهضة بصورة مغايرة لواقعها لتذهب دماء الحسين وأهل بيته وأصحابه عليهم السلام سدى لكن يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.
ومواجهة هذه الفئة لا تكون بالخضوع لها والخوف من سطوتها وجيوش الجهل التي تقف ورائها وانما ببيان مواطن التحريف وتصحيح المسار والتنبيه على الاخطاء في أول وقوعها والتوجيه نحو التعاطي الصحيح مع النهضة الحسينية ضمن أطر وسياقات تُراعي الظروف والتدرج في الطرح وتهيئة مقدمات الفهم والتطبيق لا خبط عشواء.
ولتجنب الوقوع في شرك هذه الفئة ينبغي على المؤمن التسلح بسلاح العلم والمعرفة وأن يكون قارئاً واعياً للنهضة الحسينية ومتتبعاً لما ارتبط بها من احداث ونصوص بعلم ودراية من مصادرها الصحيحة، وأن يزن الامور بميزان العقل والمنطق ويعرف حدود العاطفة ومساحتها. وإن لم يتمكن من ذلك أو جزء منه، فليرجع إلى أهل الاختصاص أو المعرفة ممن يثق بدينهم، ومن نافلة القول أن نقول إن صمام الأمان في كل هذا البحر المتلاطم من الشبهات والتصورات الخاطئة والمنحرفة هي المرجعية الحركية الشاهدة.
ليلة العاشر من محرم الحرام 1434هـ