ألعديد من أمراء الخليج و العرب و الحُكّام و المعروفين في دول العالم, يعتبرون الأنسان مُجرّد وسيلة لتحقيق مآربهم و خدمة مشاريعهم و حماية أنظمتهم كآلعبيد و كما أشرنا في الهمسة الكونيّة السّابقة (160)؛ مُعتقدين أنّ لكلّ إنسانٍ و حتى حزبٍ و حكومةٍ قيمةٌ مُعيّنة يُمكن تحديدهُ و شرائه بآلمال, و لذلك عرضوا عليَّ الملايين – و كم حاولوا شراء قلميّ المقاتل, بل في الحقيقة شراء فكري الذي يُمثّلني – و رفضتُ و لم أساوم ..
و رغم إحتياجي ألشّديد لجزء قليل جدّاً من تلك الأموال الكثيرة لمشاريعي الخاصّة – العامة – المُعطلة و منها؛ طبع مؤلفاتي الكونيّة التي وصلت المائة مؤلف على الأقل و لبعض الحاجات الضروريّة و الملحة لكنّي و الله رفضتُها, وأحسستُ بأنّ كرامتي تحقّقت بل و زادت بسبب إعتزاري بآلحقّ الذي أحملهُ .. قائلاً لهم بثقةٍ كونيّة عالية؛
[أيها الظالمون؛ ليس فقط ملايينكم .. و لا كلّ أموال البنك العالمي و بنوك الدُّنيا .. بل كلّ ما موجود في هذا الكون لا يُعادل ثمن أفكاري و محبّتي التي تمثل وجودي الذي تُريدون شرائهُ بثمنٍ بخسٍ و لا أتّقيكم و كما فعل و يفعل الجبناء لأجل راتب و مال, إبحثو عن غيري], فآلناس كلّهم و بسبب فقدان الكرامة بما فيهم حكومات الأرض؛ جاهزة لقبول عروضكم, فقد باتت لا تعرف للكرامة قيمة و للفكر الأنساني معنىً, لذلك يسهل شرائهم و بيعهم بثمن بخس و كما فعلتم مع الكثيرين منهم عرباً و هنوداً و أفغان و باكستانيين و صوماليين و عراقيين ووووووغيرهم.
بآلمناسبة سبق أمراء آلخليج؛ تاجرٌ و ربما كان مسؤولاً أردنيّاً أيضاً أرادَ مساومتي أثناء مروري بعَمّان, و أنا بطريقي للعراق بسقوط الصّنم عام 2003م بعد غربة إمتدّتْ لثلاثين عاماً, حيث قال لي بآلحرف الواحد: [إمّا أن تشترينا أو نشتريك]؟ فأجبتهُ على الفور و أنا مُتَعَجّبٌ من عرضه الجَّسور الذي لم أعلم أهدافه و لا مقدماته و لا غايته بآلقول:
[أمّا أنا يا أخي “الأنسان”؛ فلا أشتري .. و كيف يُمكن شراء إنسان مثلي .. أعتقدُ بعدم وجود حدٍّ لقيمتة التي لا تُقدّر بثمن, لأنها تعادل قيمة كل هذا الوجود, ألذي لا يمكن لكلّ رؤوساء و ملوك و أباطرة وأغنياء العَالم من شراء الكون الذي ملكوته و أسراره بيد خالق قدير عليم!؟
من هنا لا يمكن أن يُقدر هذا الأنسان بثمن .. لعدم محدوديّة قيمتة الحقيقية .. رغم كونه (ظلوماً جهولاً)؛ لأنه يحمل الرّوح الألهية – التي لا تُقَدّر بثمنٍ!
فالله تعالى قد كرّمهُ بتسخير كلّ هذا الوجود .. بأفلاكه و مجرّاته و أقماره و شموسه و نجومه و ما فيها من الهواء و الماء و التراب و النار لأجله, و هذا يعني بأنهُ تاج هذا الوجود و سيّده و العلّة الغائية فيه لأنه يحمل سرّ الخلق و الأمانة الألهية و تحقيق الغاية من هذا الوجود!
لذلك فإنّ ثمنه و إعتباره عندي لهذا السبب و ليس لا لطول قامته و لا لجماله و لا لمنصبه و لا لنسبه و لا حتى لعلمه أو ماله؛ بل لمكانة و قيمة تلك الرّوح ألألهية في وجوده – و التي تعادل قيمة الوجود كله بآلنسبة لي.
و أمّا أنتَ يا أخي التاجر .. فمن الطبيعي أنّك لن تقدر على شرائي أو شراء أيّ إنسان يحترم كرامته, إن كنتَ تدرك و لو قليلاً أبعاد ما بيّنت؟
فكيف الحال مع من مثلي و هو يعرف تماماً قيمة الكرامة و أسرار هذا الوجود و يحمل ثقل السّموات و الأرض, بحمله للأمانة الألهية الكونيّة بعد ما أودعها الله في وجودي و وجود من مثلي .. إن وجد على هذه الأرض المملوءة بأنواع الكائنات إلا الحاملين للأمانة!
عندها حَنَى ذلك الرَّجل(ألأنسان) رأسهُ لي بإحترامٍ لم أكن أتوقعهُ من أردني حاكم قائلاً: [هذا كلام ثقيل و عظيم لم أسمعه من قبل .. بآلله عليك؛ قل لي؛ من أنت أيها (العزيز)]؟
قلت لهُ؛ أنا (العزيز) الغريب بآلفعل , تحمّلت الكثير .. الكثير خصوصا من الذين أرادوا شراء فكري, و لا زلت متغرباً و متشرقاً بسبب ذلك, يُعرّفَني فكري الذي يضمُّ كل هذا الوجود, الذي صيّرني إنساناً كونيّاً .. و ليس من السّهل عليك و على مفكري العالم معرفتي, لأنها تحتاج إلى مسيرة عمر كاملة مضمخة بكل الأفكار و الرسالات التي نزلت بجانب مصاحبتي إن قبلت كي تعرفني.
و ستعلم بعدها .. بأنّك مع تلك المعرفة الكونيّة للأنسان ستختلف عمّا أنت عليه الآن, لأنك ستعيش كبيراً و لأنك (لو عرفت إنساناً واحداً .. لعرفت الناس جميعاً) و لعرفت الله حقاً.
قال لي: [أنا لا أفهم هذه اللغة الكونيّة الفلسفية المعقدة رغم إن القلب و الرّوح قد إستأنس بها و تعلّق بكَ أيضاَ من دون إرادة و إختيار, فإعذرني على عدم إستيعابي لها بشكل كامل أيها (العزيز) الكريم, فشكرتهُ على صدقه و إعترافه و نزاهته في الكلام, ثمّ ودعته في الختام رافضاً دعوته لتناول الغذاء بسبب موعد لاحق حدّدته من قبل مع صديق فارقته من سنوات كان قد وصل حديثاً لعمان ممثلاً عن الوكالة الخبرية للجمهورية …, و آخر كلمة قلتها لمحدثيّ و أنا أودعه؛ (لا تنس أيها الأنسان: بأنك قادرٌ إن أردتَ على معرفة سرّ هذا الوجود من خلال النوافد التي فتحتها لك)].
و من المحزن .. و المأساة أنّ هذا الأنسان الذي سخّر الله تعالى لهُ السموات والأرض يُباع اليوم و يُشترى بثمن بخس من قبل الحاكمين كآلعبيد أو حتى من قبل بعضهم لبعض, و كما فعل صدام الجاهل حين إشترى العراقي و إستعبده نصف قرن, ثم خلّفه المتحاصصون على النهج و لا حول و لا قوّة إلا بآلله العلي العظيم.