كثيراً ما يستفيد الساسة من أفكار الكتّاب والإدباء، في رسم خططهم للوصول إلى مآربهم الدنيئة، فلا رجوى فيهم أن يستفيدوا من أفكار الكتّاب والأدباء، بما فيهِ مصلحة العباد والبلاد…
في جلسةٍ خاصة، طرح أحد الأصدقاء رؤيتهُ، في مجريات التحركات الحزبية الفئوية في العراق، فكان تحليلهُ للقضيةِ كالآتي:
في فيلم(جعلتني مجرماً) بطولة النجم الكوميدي(أحمد حلمي)، يقدم الكاتب فكرة إقتصادية للمنافسة في السوق الاقتصادي، عن طريق بطل قصته لصاحب شركة صناعات، الذي قام بتجسيد دوره الفنان الكبير(حسن حسني)، تقول الفكرة: (كُل نفسل قبل محد ياكلك)!
تم توظيف هذه الفكرة وبسرعة فائقة، من قِبل الأحزاب السياسية الحاكمة في العراق، فبدل أن تأتي أحزاب جديدة، وتغزو الساحة السياسية العراقية بوجوه وروح جديدة، أخذت هذه الأحزاب بالإنشطار، وخصوصاً الكبيرة منها والقوية، مثل حزب الدعوة والمجلس الأعلى والتيار الصدري(بالرغم من كون الأخير لم يستفد من إنشطاره بقدر ما استفاد الأولان)، وبدل أن يكون صراع هذه الأحزاب مع غيرها كان الصراع بينها(صراع مفتعل)، فتمكنوا من جلب الأنتباه إليهم(الثلاثة) فقط، وعلى أقل تقدير عند الجمهور الشيعي، فضاعت وتضائلت الأحزاب الأخرى، فضلاً عن الناشئة…
حزب الدعوة إنشطر رئيسهُ، رئيس الوزراء الأسبق ووزير الخارجية الحالي(الجعفري)، ليعلن عن تشكيل تكتل جديد تحت إسم(تيار الإصلاح الوطني)، ثم إنشطر الدعوة مرة أُخرى إلى جناح رئيسهِ، ورئيس الوزراء السابق(المالكي) من جهة، وجناح رئيس الوزراء الحالي(العبادي) في الجهة الأخرى، بالرغم من كون الأول صاحب أكبر كتلة برلمانية إلى الآن هي(دولة القانون)، ولذا نرى كيف سيطر هذا الحزب، على رئاسة مجلس الوزارء إلى الآن، وسيستمر إلى الدورة القادمة(2018/2022).
على غرار ذلك قام المجلس الأعلى بنفس العمل، لكن بإسلوب آخر، فقد إنسحب (فيلق بدر) ومنظمته، لتنظم إلى (دولة القانون)، معلنة إستقلالها عن المجلس الأعلى، مع بقاء الود والحميمية بين قادتها، ثم جاء القرار بولادة (تيار الحكمة الوطني)، عن طريق زعيم المجلس الأعلى(الحكيم) وإنسحابهِ من زعامة الأخير، مع بقاء العلاقة الحميمية مستمرة بين القادة، ولذا نرى كيف سيطروا على رئاسة التحالف الوطني!
أما التيار الصدري وكتلتهُ (الأحرار)، فهو صاحب الأنشطارات الأكثر، لكنها إنشطارات سادتها الفوضى، لأنها لا تستند لرؤية معينة، بقدر ما هي تنتمي لشخص معين هو(الشهيد محمد محمدصادق الصدر)، ولذلك كانت هذه الأنشطارات متعددة الولاءات، ولكنهُ أصبح التيار الذي يتحكم بكفتي الميزان، فأيهما إختار فازت، كما وأنهُ صاحب أكبر قوة في تحريك الشارع والجماهير…
بقي شئ…
لقد أكلت هذه الأحزاب نفسها، قبل أن يأكلها غيرها، ولا مناص من فوزها، وبقاءها تحكم العراق أبد الأبدين، إلا أن يشاء الله أمراً كان مفعولا..