23 نوفمبر، 2024 12:37 ص
Search
Close this search box.

تلاميذ صندوق النقد الدولي … الهروب للأمام

تلاميذ صندوق النقد الدولي … الهروب للأمام

لا ادري ما الذي دفعني وانا أجلس على احدى المصطبات في حديقة جامعة البصرة وسط الوف الطالبات والطلاب الموزعين بين جنبات الحدائق والكافتيريات والمختبرات وقاعات المحاضرات وهم يهرقون سنين عزيزة من اعمارهم بما فيها سنوات عجاف تعصر اهليهم عصرا من أجل توفير حد ادنى من مأكل وملبس وتنقلات بناتهم واولادهم، وهم لايدركون مايخبئه لهم تلاميذ نجباء لدى صندوق النقد الدولي في رهن حاضر ومستقبل العراقيين والرضوخ لأملاءات هذا الصندوق وتلامذته العراقيين في لعبة مكشوفة تتحكم بها مافيا المال العالمية وهي تحرك دمى الداخل من احزاب وحكومات محلية في شراكة بائسة مع اقتصاد ربحي متوحش، هذا الصندوق الذي يطالب بأحالة خمسون الف موظف للتقاعد الاجباري سنويا لايستحق الاحالة للتقاعد منهم بالشكل الطبيعي سوى ثلاثة عشر الف تقريبا في مسعى لتقليل الرواتب اكثر من ثلاثة تريليون دينار لتقليل عدد الموظفين ففي الوقت الذي كانت فيه رواتب الموظفين (39,1 تريليون دينار) عام 2017 يطلب الصندوق تخفيضها الى (35,9 تريليون دينار) لعام 2018.
فهذا الصندوق الذي جاء في حيثيات تأسيسه عام 1944 في ولاية نيوهامشير بديباجة من الكلام المعسول للخطة التي اختطها لنفسه بمعالجة الاختلالات التي نجمت عن الانهيار الاقتصادي الكبير والسيطرة على التضخم والعمل على استقرار العملات وتحقيق النمو وحرية التجارة وانتقال الاموال الى اخره من الاهداف الجميلة نظريا، كل ذلك في منافسة مفتوحة يتسيد فيها الاقوياء امام دول ضعيفة الزمها الصندوق وبتعسف بفتح اسواقها للتنافس بلا قيد أو شرط فأين وجه الحق عندما تتنافس بريطانيا مع تونس او اميركا مع البحرين او زامبيا مع فرنسا مثلا ؟؟
فبعد انقضاء مايقارب السبعون عاما على انشاء هذا الصندوق ماالذي تبقى من تلك الوصايا وهل هناك بلدانا نفطية عالم ثالثية استدانت منه سوى العراق ؟؟
عمليا لم يتعاف اي بلد سار بموجب املاءات هذا الصندوق، فأمريكا هي المتحكم والمحتكر لقراراته فهي صاحبة الفيتو فيه بسبب اسهامها بخمس رأس ماله تقريبا وهو يضم في عضويته 188 دولة نصف هذه الدول استلفت منه مايقارب 85 مليار دولار لم يسدد منها سوى احدى عشرة دولة وبقيت 28 دولة عاجزة عن السداد.
فهو عبارة عن مرابي جديد اكثر فحشا من القديم وذلك بأدخاله الدول فيما يسمونه (الدائرة الجهنمية) من خلال النص بزيادة الاقتراض وبالتالي عدم القدرة على السداد لمليارات الدولارات التي تم استهلاك اغلبها على مافيات الفساد، فضلا عن ان الاقتراض في احسن حالاته لايتعدى كونه تدويرا للأموال التي تمنحها الدول كبيرة الاسهم في الصندوق كالولايات المتحدة الامريكية فهي تقدم ماتسميه مساعدات مالية واقتصادية وقروض اعمار بناءا على وصايا الصندوق من خلال البنك الدولي الى الدول النامية مقابل قيام شركاتها بتنفيذ المشروعات الكبرى في النفط والكهرباء والاتصالات والتسليح، مع التخطيط لتعجيز الدول عن سداد الديون وارباحها ليأتي الدور الامريكي في (الانقاذ !!!) مقابل قواعد عسكرية على اراضي الدولة المدينة او لعب ادوار معينة اقليميا او دوليا او الرضوخ لأشتراطات مالية واقتصادية قاسية مثل خصخصة القطاع العام ليباع برخص التراب لمافيات تواطئت مع بيوت المال في الخارج وبهذا تفوز المؤسسات المالية ( صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) بالفوائد وتفوز الشركات بأموال عقود الاعمار وفازت امريكا بالسيطرة على الدولة فلا يوجد خاسر والحالة هذه سوى المستدين وهذا ماهو جار في العراق الان على يد من يتلبسهم اصرار غريب ولكنه مفهوم في الاستمرار بتعطيل الدورة الانتاجية وابقاء البلد سوقا استهلاكية مفتوحة يعيش على اقتصاد ريعي يعتمد بيع النفط لاأكثر متغافلا عن عمد عن بعث الحياة في مصانعه المعطلة كالحديد والصلب والاسمدة والورق والبتروكيمياويات والنسيج والكهربائيات وعشرات المعامل المعطلة التي لو عملت لأمتصت نسبة عالية من البطالة.
ولايمكن تبرير الأرتباط بمؤسسات كل تأريخها هو تاريخ مشبوه يسيل لعاب صانعيه على استباحة خيرات الدول النامية وتوريطها في مشاكل مستعصية ومصادرة قراراتها السياسية وفتح اسواقها رغما عنها وبأوامر تخل بسيادة الدول بترشيق النفقات ومحاصرة القطاع العام والغاء مفردات البطاقة التموينية والتضييق على الصحة والتعليم من خلال مستشارين يملكون كامل الصلاحيات في الأطلاع على مجريات عمل الوزارات وبهذا يكون جل مايقومون به هو ابتزاز مشرعن وسرقة من قوت العراقيين والعراقيات وفرض سياسة الغلاء على الكادحين ليتم بالأخير تسويقها كنتائج ايجابية تثلج قلب الحكومة بأعتمادها مؤشرات نمو متصاعدة كذبا.
وبهذا يكون الصندوق قد اوفى للحكومات المخلصة والمؤمنة بتطبيق اوامره من خلال تلميع صورتها متجاهلا السخط والشكوى الشعبية من سياسة هذه الحكومة التي تعاقب فئات واسعة من الشعب في الوقت الذي تغظ الطرف عن عتاة الفاسدين وناهبي قوت الشعب وسراق القطاع العام، في سياسة طبقية مفضوحة تحرم الملايين المهمشة من فرص التنمية بتجميد الاجور والغاء الوظائف العامة ورفع الاسعار وخصخصة الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والكهرباء مما يؤدي الى تدمير القدرات الشرائية والحد من الاستهلاك المشروع بما يؤدي الى اغلاق معامل بأكملها والمزيد من التسريحات، وهذا مايسميه هؤلاء التلاميذ بمسعاهم الخائب تقليص العجز على حساب القطاعات الاجتماعية وعلى حساب رواتب الموظفين والمتقاعدين وتقليص مفردات البطاقة التموينية وهي ذاتها النصائح الخالدة لصندوق النقد الدولي بضرورة بيع الاصول وخصخصة المرافق والخدمات العامة ومؤسسات البنى التحتية وبيعها للقطاع الخاص الوطني منه والأجنبي على حد سواء وتسريح موظفي الحكومة، فتطبيق نفس السياسة على كل الدول المقترضة ينطوي على تجاوز صارخ للظروف الاقتصادية والسياسية لكل بلد فالصندوق يعالج النتائج ويترك الاسباب ويركز على ادارة الاموال وبدلا من معالجة الفقر والدين يتجه الى الادارة والاستثمار في الفقر والدين وحتى في الحروب وجدت امريكا ضالتها في الاستثمار في حربي افغانستان والعراق وشهية وزارة الخزانة الامريكية ظلت مفتوحة على اقصاها في استثمار الحرب فيهما.
وبعد كل هذا يثار السؤال من جديد مالجدوى من اغراق البلد بمليارات الدولارات ديونا تعجز الحكومات المتعاقبة عن سدادها لأنها لم تذهب لمشاريع انتاجية اصلا؟
بل يتسرب جلها لمافيات الفساد وليعاد تدويرها في البنوك الخارجية بعشرات الطرق المبتكرة لغسيل الاموال.
ولمن يريد العودة لأحضان شعبه والحفاظ على ماتبقى لايزال في القوس ثمة منزع فالمطلوب وقفة جادة لأعادة تقويم سياسة الاقتراض ووقف عملية الهرولة للامام لأستدانة اموال يلتهم سداد فوائدها نسبة عالية من مصروفات الموازنة العامة فضلا عن ان الاموال نفسها لاتصرف من اجل العملية الانتاجية فمن الضروري التوجه بألأعتماد على الموارد المحلية ومدخرات العراقيين واضعين نصب الاعين اخطر اهداف صندوق النقد الدولي في الاصرار على بيع البنوك والشركات العامة وانسحاب الدولة بالكامل من مجالات الصحة والتعليم والصناعة والكهرباء والنقل والاتصالات وغيرها من اساسيات البنية التحتية وتخفيض قيمة الدينار وتسريح نصف موظفي الحكومة وهي اجراءات اتبعت في بلدان كثيرة ومنها بلدان الاقليم كمصر والاردن والمغرب لكنها لم تفلح في خفض نسبة البطالة ولامنعت التضخم ولازادت من الصادرات ولم تخلف سوى انهيار الهياكل الانتاجية والمعامل وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتعطيل الطاقات فضلا عن أن التهافت نحو الاستدانة هو طريقة سهلة لكنها قطعا غير مسؤولة في تحميل العراقيات والعراقيين تبعات الفشل الاقتصادي وزيادة الاعباء على الطبقات المهمشة اصلا.
ونصيحتي لحكومة البصرة اذهبوا للتوسل في صندوق النقد الدولي لصرف تريليونات البترودولار بدلا من الاستجداء من حكومة لاتملك من امرها شيئأ.

أحدث المقالات

أحدث المقالات