تُمَثِل شخصية نبي الإسلام العظيم محمد صلى الله عليه وآله وسلم, الشخصية النموذجية العملاقة, والتي سَمَت في تكاملها, فكانت شخصيته هي كينونة الوجود وجوهر الخلق.
نشأ النبي محمد صلى الله عليه وآله في مجتمع بدوي, اعتاش على الغزو وعبادة الأصنام, وشرب الخمر, والرقص مع الغانيات, ولكنه رغم ذلك كان يشار له بالبنان, بما يحمله من عظيم الأخلاق وفضائل السجايا, لم يذكر أنه خان أو كذب لذلك فاح عطر سريته وسُمي “الصادق الأمين”.
عندما أرسل النبي الخاتم صلى الله عليه وآله بالرسالة, دعا الناس إلى الهدى والإيمان, ومع ما تسنمه من قيادة إلهية, ورفعة وسمو, ومع ما يملكه من رفعة اجتماعية, ضرب نبينا الكريم صلى الله عليه وآله مثالا عاليا في الأخلاق والسمو, والروح العالية, فكان مع المسلمين كأحدهم, يأكل ما يأكلون, ويلبس ما يلبسون, بل كان أقلهم مؤونه, وأعظمهم معونة, وكان كما قيل عنه صلى الله عليه وآله “كان كأحدنا فينا”, حتى إن الداخل الغريب للمسجد, والقاصد لملاقاة النبي صلى الله عليه وآله, حينما يدخل لا يميز النبي صلى الله عليه وآله من أصحابه فيسأل أيكم محمد؟.
جسَّد نبي الله الخاتم محمد صلى الله عليه وآله كل الفضائل, حتى شهد القرآن له بذلك معربا عن عظيم خُلِقَهُ, إذ قال تعالى في سورة القلم الآية 4 “وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ “, وشهادة الباري عز وجل شهادة لا تضاهيها شهادة أخرى وتغني عن كل شهادة.
رغم ما قدمه الرسول الأمين محمد صلى الله عليه وآله للناس, لكنهم قابلوه بالجحود, فأبعده القريشيون عن مكة, ومارسوا ضده كل أشكال التنكيل والتكذيب, وأتهموه بالسحر -جل عن ذلك- لكنه بأبي وأمي هو, قابلهم باللين والتواضع والتسامح, في صورة لم تشهد لها الدنيا مثيل.
أما الأمة فقد كان موقفها أيضا موقفا بائسا من صاحب الفضل عليهم, والذي به اهتدوا, فقد عانى منهم النبي صلى الله عليه واله ومن نفاقهم, فجحدوا حق النبي وفضله, حتى عملوا الدسائس له, وخططوا لاغتياله, فتم ذلك بدس السم له صلوات الله عليه.
استمرت الأمة في نفاقها, فبعد أن سرى السم في جسده الشريف, واثقله السم, واقترب أجله, كان كل تفكيره صلوات الله عليه بأمته, فطلب منهم دواة وقرطاس ليكتب لهم كتاب لا يضلوا من بعده أبدا, لكنهم حالوا بينه وبين أن يكتب الكتاب, حتى قال أحدهم “اتركوه إنه يهجر”, وكانت هذه الكلمة من أقسى ما سمعه النبي من أمته, وحينما سمع كلامهم أمر بالخروج من عنده ليختلي بأهل بيته يوصيهم ويودعهم.
مظلومية النبي محمد صلى الله عليه واله مظلومية كبرى, لا تضاهيها مظلومية, فكان وجوده المبارك الخير الذي عم الأمة, إلا إنها تنكرت له وحالت بينه وبين كتابه, ثم لم ترعَ حرمة رسوله صلى الله عليه وآله في أهل بيته, فقتل منهم من قتل وأقصي من أقصي.
قضى نبينا نحبه مظلوما مسموما, منتهب أرثه في الثامن والعشرين من صفر, فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.