على مدى الأسابيع والأيام القليلة الماضية ازدادت نسبة الأخبار والتصريحات المنسوبة لأكثر من مصدرٍ مقرّب من السيد حيدر العبادي , والواقع فأنّ ارتفاع هذه النسبة من الأخبار التي تدلي بها بعض المصادر تكاد ترسم علائمَ استفهام مجسّمة .! , لكنه في الصحافة والإعلام بشكلٍ عام وعلى المستويين العالمي والعربي فمن الطبيعي أن يرد خبرٌ ما لمسؤولٍ ما يرفض الكشف عن أسمه ” لأسبابٍ خاصة قد تسبب له الأحراج ” وهذا اضحى من الأعراف التقليدية جدا منذ نحوِ نصف قرنٍ من الزمن او اكثر , ولكن بشرط أن تحتفظ الصحيفة او الوسيلة الأعلامية بأسمه الحقيقي سرّاً لأسبابٍ نادرةٍ قد تتعلق بالقضاء اذا ما اقتضت الضرورة لمساءلة الصحيفة , وفي ذات الوقت يلاحظ القرّاء أنّ وسيلةٍ اعلاميةٍ ما قد تبادر بنشر خبرٍ ما تحصل عليه من احد المسؤولين في الدول وتستجيب لطلبه بعدم ذكر أسمه ايضاً , وهذه باتت اكثر من تقليديةٍ ايضاً في عالم الصحافة منذ زمنٍ طويل , ولم نأتٍ بجديدٍ هنا لغاية الآن .! , وبقدر تعلّق الأمر بالصحافة العراقية قبل الغزو والأحتلال الأمريكي , فكان من النادر أن ينقل الإعلام العراقي خبراً ما يتعلّق بالشأن الداخلي العراقي نقلاً عن مصدرٍ مقرّبٍ الى السلطة او النظام .! , إلاّ اذا كان الأمر مرتّباً مسبقاً .!
نشير هنا بأشارةٍ عابرة ٍ تتعلّق بهذا الشأن , أنّ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حين يرغب بأصدار ايّ قرارٍ او مشروعٍ جديد يتعلّق بالشأن الداخلي للمجتمع المصري , فكان يتعمّد تسريب فحواه عبر رئيس تحرير صحيفة الأهرام الراحل محمد حسنين هيكل ” وهو الرجل الأكثر قرباً له ” , بهدف جسّ نبض الشارع المصري مسبقاً لمشروعه او قراره , ومدى مقبوليته لذلك , ومن ثم قد يلغيه على الفور .
في العراق , وفي الوضع الراهن وفي الظرف السياسي الساخن الحالي , فالأمر مختلف جذرياً عن التقاليد والأعراف الصحفية المعتادة في العالم .! فبعد حكومتي اياد علاوى وابراهيم الجعفري , انبثقت فجأةً وكتحصيل حاصلٍ لعله غير مقصود ! , إذ غزت الجيوش اللكترونية الفتاكة الساحة الأعلامية العراقية , تنشر وتبث الأخبار التضليلة او المضللة , وتتعمدُ قصداً التشويش الفكري على الجمهور المتلقي , وتشتت الرأي العام إرباً إرباً لهدفٍ محدد ومرسوم للترويج لأحد الساسة او رؤساء احزابٍ ما ! وايضاً للتأثير سلباً على الخصم السياسي المنافس .! وتكون الضحية التي يجري ذبحها ” وفق الشريعة ” هي الجمهور .!
وَ عَودٌ على بدء , فكثرت مؤخراً التصريحات والأخبار والمواقف المسبقة او ” الأستباقية ” لمصدرٍ او مصادرٍ تدّعي او تزعم انها مقرّبة الى رئيس الوزراء , لتعلن من جانبها عن موقفٍ سياسيٍّ له تجاه حدثٍ لم يقع بعد ! , و وقد بلغ ذلك حدّ التمادي لتصريحٍ صدر عن النائب في دولة القانون السيد جاسم محمد جعفر ليصرّح ويعلن بصفة ” مقرّب ! ” أنّ رئيس الوزراء سوف لن يستقبل او يرفض زيارة وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان الى العراق , والتي سبق للسيد العبادى توجيه الدعوة له لزيارة العراق , اثناء دعوته لزيارة السعودية , وهذه بروتوكولات دبلوماسية متبادلة , والأهم ما فيها هو الأستماع لما يحمله الضيف الزائر , ولا يعني ذلك الأتفاق او التوافق مع ما يطرحه في زيارته , ووفق ما اشرنا لحالة او ” ظاهرة ” انبثاق وارتفاع نسبة المصادر التي تقرّب نفسها في الإعلام للسيد العبادي , فقد اضطرّ مكتب رئيس الوزراء الى تكذيب ونفي تصريح النائب ” جاسم محمد جعفر ” عن رفض استقبال وليّ العهد المملكة السعودية .!
وإذ لا نتحدث هنا عن السعودية او سواها , او عن هذا النائب من الطائفة التركمانية في دولة القانون او سواه , وحيث يعايش المجتمع العراقي اوضاعاً متأزمة سياسياً وأمنياً , والناس مشدودة الأعصاب للمداخلات التي تمرّ بها ابلاد في كافة المجالات والزوايا , فمن المفترض بل ما يتوجب على رئاسة الوزراء اصدار اوامر مشددة بعدم الإدلاء بأيّ تصريح لأيّ جهةٍ او فئةٍ سياسية تنسب القول فيه لرئيس الوزراء , ففي ذلك ليس ارباكاً نفسياً وفكرياً للشارع العراقي برمّته , بل له ما له من ابعادٍ سياسية ودبلوماسية قد تربك مهام السفارات في بغداد , وحتى القنصليات المعتمدة في اربيل .!