الليل الشتائي الحالك الظلام ،والامطار تتساقط على بيوت الطين المتناثرة في القرية ،هذا الليل الذي يذكرني بالليل الذي وصفه الشاعر العربي ،(وليل كموج البحر أرخى سدوله)، البحر بمده وجزره ، وسكونه وهيجانه،ليل ثقيل ، ترافقه الهموم والجروح التي تنشط في الليل، أما الصبح لا يختلف عن الليل، لأنه لا يحمل مفاجأت جديدة ،ولا أخبارا سارة،سعيد شاب في مقتبل العمر، فارع الطول ،اسمر اللون ،عريض المنكبين،طيب القلب ،يحمل بندقيته ، فهو قناص ماهر يصيب هدفه بدقه، يستخدمهافي النهار لصيد الحيوانات، وفي الليل للحراسة والدفاع عن النفس من هجوم الحيوانات المفترسة التي تهاجم الأغنام بين فترة واخرى،الكلاب دربها على الحراسة ، فهي إنذار مبكر ، يقضي وقته في الليل في غرفة الطين ،امام المدفأة التي وضع فوقها (قوري الشاي)،الشاي يساعده على السهر،اضافة الى القهوة التي اعتاد على تناولها، فهو يقوم بتقديم العلف الى الأغنام منتصف الليل، وفي زاوية الغرفة يوجد (راديو) يعمل، يتابع من خلاله الأخبار والبرامج المنوعة، واغاني (ام كلثوم) التي احبها كثيرا،الربابة معلقة في الغرفة ، فهو يجيد العزف عليها،ويستخدمها في اوقات متفرقة، سعيد الذي كان يتابع الراديو،وهو اليوم يشعر بالتعب غير مرتاح، سمع بيان التحاق مواليده بالخدمة العسكرية، في موعد أقصاه (١٥) يوما، هذا البيان أثار الانتباه ، سعيد أخذ يفكر في تسليم واجباته الى أخيه (سلمان) الذي هو أصغر منه سنا لكنه يمتاز بالقوة والنشاط، وهو قادر أن يتولى هذه المهمة،سعيد جهز نفسه للالتحاق بوحدته العسكرية،وقدم توصياته الى أخيه سلمان، ودع أهالي القرية سعيد متمنين له بالموفقية غادر سعيد القرية،وهو يتذكر حياة القرية ، وصل سعيد الى التجنيد وتم تزويده بكتاب الى وحدته، مشاهد القرية لاتفارق خياله،ذكريات،هموم، فراق، شوق، حنين، الى تلك الاطلال والديار،الحياة العسكرية (أوامر،طاعة،نظام،واجبات) تختلف عن الحياة المدنية، تعرف سعيد على اصدقائه من مختلف المدن ، يقضي أوقات ممتعة معهم،وهو لم يجد صعوبة في أداء الواجبات، واستخدام السلاح، والسهر في الليل،لكنه وجد صعوبة في فراق الاحبة والديار،بعث سعيد برسالة إلى أهله، يخبرهم انه بصحة جيدة وسيصلهم في وقت قريب، واجتمع أهل القرية في دار اهل سعيد،وهم في فرح وسرور، وهم ينتظرون قدوم سعيد الى القرية ، وماأصعب الانتظار.