يعد التغير المناخي من أسوأ الازمات البيئية في تاريخ البشرية، ومن السخرية بمكان ان الدول النامية التي تقع عليها مسؤولية اقل عن تغير المناخ هي التي ستعاني من أسوأ عواقبه. فكلنا مسؤولون اليوم عن السعي الى وقف هذه المشكلة على الفور ومعالجة الأسباب المؤدية اليها، ووضع الحلول والتدابير اللازمة للتعامل معها، اما لو تقاعسنا عن اتخاذ الإجراءات اللازمة الان لوقف ارتفاع درجات الحرارة المتزايد باضطراد قد نعاني من عواقب وخيمة لا يمكن تفاديها مستقبلا.
فمنذ قمة المناخ الاولى التي عقدت في السويد عام 1972 لا يكل علماء المناخ ولا سيما في الدول المتقدمة عن التحذير من مخاطر التغير المناخي على كوكب الارض من ارتفاع في درجات الحرارة وتلوث في التربة والهواء والماء وانقراض بعض الاصناف الحيوانية والنباتية ناهيك عن انتشار عدد من الامراض والاوبئة الفتاكة وجفاف الاحواض المائية السطحية منها والجوفية، تأثيرات تطال ايضا التوزيع الجغرافي لمصادر المياه والغذاء لسكان الارض وهو ما ينتج عنه فقر وحروب وهجرة تؤثر على اكثر من بلد. امام كل هذه العوامل دأبت الامم المتحدة على عقد المؤتمرات الدولية بشأن تغير المناخ وحرصت على الاتفاق للحد من الاسباب المؤدية الى التغير المناخي ولا سيما انبعاثات غازات الدفيئة المسبب الاساسي للتغير المناخي، ففي نهاية العام 2015 اجتمع زعماء وقادة العالم في باريس واتفقوا على حماية المناخ من خلال جملة امور اهمها الحد من ارتفاع درجة حرارة الارض اكثر من درجتين مئويتين عما كانت عليه قبل الثورة الصناعية مع الطموح بجعلها 1.5 في حلول العام 2050 وكذلك دعم وتمويل الدول النامية عن الخسائر والاضرار التي لحقت بها جراء تغير المناخ ولمساعدتها على التكيف وتنويع الاقتصاد من اجل تنمية اكثر استدامة من خلال نقل الخبرات والتكنولوجيا والاستشارات الفنية والعلمية، وكان للعراق تواجداً رسميا تمثل بحضور رئيس الجمهورية السيد فؤاد معصوم وتأكيده على ان العراق ملتزم بحماية مناخ كوكب الارض ومهتم بمفاهيم التنمية المستدامة من اجل حصول الاجيال اللاحقة على حقها بحياة كريمة وموارد وافرة ومتاحة، وبذلك اخذت اتفاقية باريس اهميتها وصفق لها الجميع لما فيها من خطوات طموحة نحو حماية كوكب الارض ومستقبل الحياة عليه.
وقد تم التوقيع على تلك الاتفاقية من قبل 196 دولة وكانت سوريا اخر المنضمين للاتفاقية وقد تمت المصادقة عليها من قبل 169 دولة الى الان ليس العراق من ضمنها، وفي حوار مع السيد وكيل وزير البيئة ورئيس الوفد العراقي في مفاوضات قمة المناخ 23 في بون د. جاسم الفلاحي حول سبب تأخر العراق بالمصادقة على الاتفاقية اوضح قائلا: ” بسبب خصوصية اتفاقية باريس وعلاقتها بالوقود الاحفوري وتقليل الانبعاث فان عملية المصادقة عليها تحتاج الى تشريعات قانونية ودستورية وقد اتممنا نص مشروع قرار الانضمام وتم عرضه على مجلس شورى الدولة ليذهب بعدها الى مجلس الوزراء للتوقيع عليه وعرضه على البرلمان العراقي للتصويت عليه ومن ثم الشروع بعملية المصادقة رسمياً” وعن موضوع الاستفادة من الدعم الدولي للعراق فيما يتعلق بتأثر العراق بالتغير المناخي اردف الفلاحي قائلاً: ” ان التأخر بعملية المصادقة لن يؤثر على استفادة الدول النامية من الدعم الدولي لتلك الدول تعويضا عن الخسائر والاضرار التي لحقت بها نتيجة لتغير المناخ او لدعم المساهمات الوطنية من اجل التكيف والتخفيف من انبعاثات الكربون، لكن المصادقة على الاتفاقية ستعزز من قوة موقف العراق في المطالبة بالدعم الدولي كونه يواكب السير العالمي باتجاه حماية المناخ رغم هشاشة البنى التحتية للدولة في الصمود امام تحديات التغير المناخي، بالإضافة الى الاستنزاف الحاصل في كل مجالات الحياة بسبب الهجمة الارهابية الشرسة التي تعرض لها العراق من قبل تنظيم داعش الارهابي واحتلاله لأكثر من ثلث مساحة العراق مخلفا بذلك دمارا واسعا واضرارا بيئية كبيرة، والعراق اذ يحارب الارهاب فهو يقاتل نيابة عن العالم وعلى دول العالم اجمع ان تعي وتفهم هذا الامر”.
فلعل قابل الايام سيشهد تصديقا عراقيا على تلك الاتفاقية سالكاً طريق اغلب دول العالم نحو الغاية السامية والهدف النبيل (حماية كوكب الارض) وبذلك يبقى الموقف العراقي حاضرا في المحافل الدولية بقوة وعزيمة.