رفضْ القيادة الكوردية المتمثل بالرئيس مسعود بارزاني جميع الدعوات لالغاء عملية الاستفتاء على حق تقرير المصير والتي انتهت بتصويت الغالبية العظمى من شعب اقليم كوردستان لصالح الاستقلال وتشكيل دولته المستقلة ومنها رفض دعوة الادارة الامريكية، ما دفع واشنطن الى ان تتخذ موقف المتفرج من المؤامرة المفضوحة الثلاثية على المناطق المتنازع عليها بتعاون مجموعة من قيادة الاتحاد الوطني مع كل من ايران وبغداد وبمباركة تركية.
هذا الموقف غير المتوقع من الادارة الامريكية ادى الى بروز حالة من الغضب والاستياء بين الجماهير الكوردستانية التي صوتت بارادتها للاستقلال بممارسة ديمقراطية حضارية وكذلك بعث على سخط القيادة الكوردية التي لم تتوقع لجوء حكومة العبادي للسلاح لفرض سياسة الامر الواقع في المناطق المتنازع عليها وصمت اصدقائها وبالاخص الولايات المتحدة ازاء مجريات الاحداث.
الغضب الجماهيري وسخط القيادة الكوردية على الموقف الامريكي ازاء المؤامرة الدنيئة في كركوك والمناطق المتنازع عليها في محافظات ديالى ونينوى ، ادى الى شرخ كبير في العلاقات الكوردية الامريكية وحالة من فقدان ثقة الجماهير الكوردية بمن يعدون اصدقاء الكورد وبالاخص واشنطن الى الحد الذي اكد الرئيس مسعود بارزاني في بياناته ولقاءاته الصحفية بعد المؤامرة على مقولة (ليس للكورد صديق سوى جبال كوردستان) وقال حقا الاحداث الاخيرة اثبتت ان جبال كوردستان وحدها الصديق الصادق التي يمكن التعويل عليها وعلينا ان لا نثق بعد الان باي دعم خارجي لنيل حقوقنا سوى الاعتماد على ارادة وقدرات شعبنا.
هذه الانتقادات الكوردية اللاذعة من الموقف الامريكي ، ارغمت واشنطن على تغيير موقفها ازاء الاوضاع في العراق وبالاخص حيال العلاقات بين اربيل وبغداد ، حيث دعت واشنطن وعلى لسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها الحكومة الاتحادية لوقف العمليات العسكرية فورا واستئناف المفاوضات بين الجانبين على اساس الدستور العراقي في محاولة منها لرأب الصدع وعودة المياه الى مجاريها واعادة الثقة الكوردية بالدعم الامريكي.
برغم استجابة الجانب الكوردي للدعوة الامريكية على لسان رئيس الحكومة السيد نيجيرفان بارزاني واعلان استعداده للدخول في مفاوضات حقيقية مع الحكومة الاتحادية لحل الخلافات تحت سقف الدستور، الا ان سعير السخط والغضب الكوردي من الموقف الامريكي لم يخف ما ادى الى تأكيد القيادة الكوردية على ضرورة اعادة النظر في علاقاتها الاقليمية والدولية لتجاوز المرحلة وعدم الوقوع في فخ القوى التي تلهث وراء مصالحها على حساب الدم والكرامة الكوردية.
فشل استمرار المساعي الادارة الامريكية على مستوى وزارتى الخارجية والدفاع لامتصاص الغضب والاستياء الكوردي واعادة الثقة بين الجانبين الامريكي والكوردي ، دعا الكونغرس الامريكي الى القيام بمبادرة جديدة لاقرار مشروع يهدف لتقديم مساعدات عسكرية غير مشروطة الى اقليم كوردستان.
وفي هذا الصدد ذكر موقع المونيتور الامريكي ان الكونغرس الامريكي بصدد تقديم لائحة لمساعدة قوات البيشمركة عسكريا بمبلغ 365 دولارا ، مؤكدا ان الكونغرس سوف لا يشترط على حكومة اقليم كوردستان المشاركة في “عراق موحد” مقابل تقديم تلك المساعدات العسكرية.
ولم تكتف واشنطن بالمساعدة العسكرية فحسب، بل ان اعضاء بارزين في الكونغرس، تبنوا مؤخرا حملات لدعم اقليم كوردستان مقابل ميليشيات الحشد الشعبي مطالبين ادارة الرئيس ترامب بضرورة دعم استقلال كوردستان.
كما كان لقرار الكونغرس ادراج اسماء قيادات في ميليشيات الحشد الشعبي وثلاث فصائل حشدية بارزة في قائمة الارهاب السوداء ، نوع من الدعم غير المباشر ورسالة اطمئنان للكورد حيال التهديدات المستقبلية التي تواجه اقليم كوردستان التي ترى واشنطن انها القوى الوحيدة التي يمكن الثقة بها لضمان مصالحها المستقبلية في العراق والمنطقة برمتها.
كل تلك الايماءات والمؤشرات العملية للادارة والكونغرس الامريكيين ، تلمح الى ان بوصلة السياسة الامريكية تتجه نحو تغيير جذري على السياسة والموقف الامريكيين ازاء دعم اقليم كوردستان وبالاخص قوات البيشمركة، وتسعى واشنطن من وراء تلك التغيرات الى اعادة ثقة الشعب الكوردي وقيادته بالادارة الامريكية ومحاولة ابعادها التقرب نحو الفلك الايراني ، وان صمت واشنطن ازاء ما جرى في المناطق المتنازع عليها ليس موقفا نهائيا وثابتا، بل تسعى الولايات المتحدة ان تمسك العصا من الوسط وحفظ التوازن في علاقاتها مع كل من اربيل وبغداد.