22 نوفمبر، 2024 5:16 م
Search
Close this search box.

نعلم ولانعلم…التخبط السياسي الخليجي

نعلم ولانعلم…التخبط السياسي الخليجي

السياسة ليست مجالا للعبث او المغامرة او الاختبار، انما طريق العقلاء لبناء الامم والحضارات والدول وتنمية المجتمعات،
هي ليست مفهوم او نظرية او أيديولوجيا حديثة ،انما تراث وثقافة اجتماعية قديمة قدم الانسان والحضارات،تتجدد وتتطور وتتنوع وفقا للفكر والنهج والبرنامج والبيئة والتراث والاخلاق والظروف المحيطة،
وقد ذكر في القران الكريم العديد من الايات المقدسة حملت عبارات الامة والقبيلة والشعوب والملة والجماعة والاصحاب (الخ.)،وهذه المكونات لاتجتمع الا بقيادة السياسة ،وان اختلفت النسب والتوجهات والاسباب،
الا ان البشر وغالبية دول العالم (المجتمعات امم وشعوب) لاتأخذ بتلك الشروط الموضوعية المعرفية، ولاتؤمن بهذه الحقائق والمفاهيم الاخلاقية ،فهي تعمل بالقوة الظاهرة على السطح ،وبالمصالح الشخصية والاسرية والفئوية والاثنية ،وتعدها احد الوسائل والضرورات الحتمية لقيادة الدولة والمجتمع،
اي تتجرد غالبا من القيم والمبادئ وحتى ابسط الشروط الانسانية الطبيعية،فتصبح كالوحش الذي يريد ان يبتلع كل من يقف بطريقها،تعتمد سياسة الخديعة والتلاعب بالمفاهيم والخيانة والغدر والكذب والتأمر والتلفيق والتجني والكيل بمكيالين( الخ.)،
لان الانا والذات الانتهازية ودوافع او نوازع قوى الشر تكون اقوى واشد قسوة من ادوات واساليب التوجهات الاخلاقية المقابلة او المعاكسة لها من النخب الواعية المعنية بالقضايا الانسانية العادلة ،المهتمة برفع درجة ثقافة ووعي الانسان في كل بقاع الارض دون استثناء ،هؤلاء الذين نطلق عليهم عقول المجتمعات وكفاءاتها…
بعد عام٢٠٠٣اندلعت مباشرة اعمال عنف خطيرة في العراق،ثم تصاعدت فجأة لتصبح حرب ارهابية واهلية مدمرة، استخدمت فيها ابشع الطرق الاجرامية في التنكيل بالشيعة (وبقية الاقليات من العرقيات والاثنيات المختلفة)وضد كل من يتعاون مع مايسمى” بالعراق الديمقراطي الجديد”
لكن سرعان ما انتشرت شرارة العنف والفوضى لتشمل دول عربية اخرى(تونس مصر ثم ليبيا واليمن )تحت راية وشعار الديمقراطية الامريكية، المشروع الامريكي الكبير الذي اطلق عليه”مشروع الشرق الاوسط الجديد”،
تغيرت بعدها خارطة التغيير السياسي للادارة الامريكية ،وبدعم خليجي وتركي مباشر(السلطة العسكرية التركية السابقة) منتقلة الى سوريا،بعد ان تم اسقاط جمهورية مصر العربية مؤقتا في شباك حركة اخوان المسلمين العالمية، انتشرت الاحداث كالنار في الهشيم في بلاد الشام،وكأن العملية والمشروع الارهابي معد له سلفا (سواء كانت من اجل مد انابيب الغاز او لمحاصرة ايران وحزب الله في لبنان فهي حرب منسقة ومرتب لها مسبقا كما قلنا)،اذ انفتحت خزائن الدعم اللوجستي العسكري والمالي والاعلامي والدولي بشكل كبير،وقد خرجت كل تلك المعلومات الى العلن بعد الازمة الخليجية مع قطر(رفعوا خلالها شعارهم وشرطهم الوحيد رحيل الاسد واسقاط النظام)
اختلفت الامور كثيرا وتغير مسار التفاؤل حول ماكان يقال في الاعلام العربي والعالمي بأن رياح الربيع العربي التي بدأت تعصف بالمنطقة ستجلب الديمقراطية المعلبة للشعوب المضطهدة،الا انها تحولت الى مؤامرة كبيرة في سوريا يراد منها تقسيم الدول العربية واعادة ترتيب سايكس بيكو جديد…
كان اغلب المحللين السياسيين يعرفون جزءا من خيوط التأمر والتلاعب بالاسباب والحجج المقدمة من قبل الولايات المتحدة الامريكية، وبعض دول الخليج المتورطة بدعم الجماعات المسلحة وقيادات عراقية بعثية وطائفية في سورية لاحداث تغييرات جوهرية في انظمة الحكم لتلك الدول،
وبأن ترك الهلال الشيعي الذي سيمتد من ايران الى لبنان عبر العراق وسوريا،سيسمح لايران بفرض سيطرتها وقوتها وشروطها في المنطقة،
ولهذا يعد الاتفاق مع اسرائيل مبررا لايقاف المد الايراني(الشيعي في الخليج ،وكسر خط تواصل هذا الهلال)،على اعتبار ان المصالح الخليجية الاسرائيلية تلتقي في جبهة واحدة امام عدو مشترك مفترض هو ايران!
بينما الذي لانعلمه هو ان الخليج بعد ان كان لعقود منذ رحيل الاستعمار البريطاني والفرنسي من البلدان العربية، لم يتورط او ينخرط مباشرة بالاندفاع القومي العربي خلف شعارات التحرر والمقاومة والاصلاح والتأميم الذي قادته الحركات التحررية العربية كحركة الضباط الاحرار(مصر والعراق وسوريا) بزعامة عبد ناصر في مصر(عدا مايعرف بأزمة الحصار النفطي الخليجي ايام الملك فيصل بن عبد العزيز ال سعود)،
كيف ولماذا اندفعت بقوة هذه الدول المسالم اهلها بعد سقوط نظام البعث الصدامي في العراق، ورحيل حسني مبارك عن رئاسة مصر في كل تلك القضايا والازمات والفتن والفوضى في المنطقة الغنية بالثروات،
ولماذا تصر على معادات ايران وفتح جبهات صدام معها دون مبرر،
فالسياسة الايرانية مسخرة لخدمة القضايا العربية في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن ولبنان،دعمت ايران هذه الدول دون مقابل،
صحيح انها تواجه عدوا شرسا لايقبل بقوة قريبة منه تقترب من قوته العسكرية كما يعتقد هي سرائيل،
لكن هذه المبررات لاتنطبق على الرؤيا العربية المنطقية لمستقبل العلاقات التنموية المطلوبة في منطقة الخليج،
لانعلم:لماذا تم دعم داعش والارهاب والتطرف،
ومن ثم معاداة ومحاصرة قطر ،واخيرا استدراج رئيس وزراء لبنان سعد الحريري الى الرياض ليخرج بعدها ببيان اوخطاب استقالة قومي عربي استغرب منه تياره واللبنانيين ،بعد ان وردت فيه كلمات وعبارات مستجدة وحديثةعلى مسامعهم(ومن ثم اختفاءه اوكما يقال احتجازه في السعودية في ظروف غامضة وغريبة على البروتوكولات السياسية الرسمية الدولية،مما دعا الرئيس اللبناني عون ان يمهل السعودية اسبوعا واحدا للافراج عن رئيس الوزراء او التقدم بشكوى اممية)،
هذه الاساليب الملتوية في العمل السياسي هي ليست بعيدة عن التراث البدوي العربي(وبالاخص في شبه الجزيرة العربية التي يزخر تاريخها بظواهر الفتن والتصفيات والحروب والصراع من اجل رئاسة القبيلة اوالعشيرة اوسدة الحكم)،
اذن لماذا نقول ويحتار معنا اغلب المحللين السياسيين في الطريقة التي تدار بها شؤون الخليج العربي بعد رحيل الملك عبد الله ملك السعودية والشيخ زايد رئيس دولة الامارات المتحدة رحمهم الله،ونؤكد بأننا يمكن ان نعلم جزء او نصف حقيقة التدخلات الخليجة في ملفات الدول العربية الكبرى المهمة(العراق سوريا اليمن وليبيا واليوم في لبنان)،ونتابع الاخبار والتقارير التي تشير اسباب التقارب الواهية مع اسرائيل في مواجهة ايران،بينما تقترب الدولتين الشقيقتين العراق وسوريا ومعهم العالم بالاحتفال بأعلان النصر النهائي على قوى الشر والارهاب ،بعد ان اقتربا من بسط سيطرتهم الكاملة على كامل الاراضي العربية التي كانت تحت سلطة الارهاب البربري المتوحش،
لاشيء يمكن ان يستند عليه المحلل لمعرفة اسباب تلك التوجهات الخاطئة،فجمهورية روسيا الاتحادية تدخلت في سوريا لحماية مصالحها ،بينما لايرى الحكام العرب في الخليج اية مصلحة لهم في جبهة الشام المتقدمة في مواجهة مشاريع التقسيم ،والتصدي للطموحات التخريبية عبر احياء مايسمى حلم دولة اسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات، وكذلك منع قيام دولة كردية من القامشلي والرقة السورية ممتدة الى عمق وسط العراق مع سلسلة جبال حمرين،
هذه الاسئلة ايضا تأخذنا الى حملات التصفية الداخلية للبيت السعودي الحاكم من قبل ولي العهد محمد ابن سلمان بذريعة محاربة الفساد المستشري داخل الاسرة الحاكمة الكبيرة،قد تكون هذه الذريعة مقبولة ،لكن ان تأتي بهذه الطريقة العشوائية، التي خلعت من قبل ولي العهد ابن نايف، واعتقلت كبار رجال الملك من اهل الشورى والرأي كما يقال،لاتعطي مؤشرا على انها جزء من خطة الاصلاح ورؤية ولي العهد التنموية المطروحة سابقا(مشروع نيوم ٢٠٣٠)، وبأن هذه الاجراءات مجرد شأن داخلي بحت، وهي بداية لمشروع اصلاحي ثوري في المملكة،بينما الادلة الكثيرة تعطي انطباعا جديدا بأنها عملية تدخلات جديدة في شؤون الدول الاخرى كما يحصل في ازمة استقالة رئيس وزراء لبنان والتصعيد الاحادي ضد ايران وحزب الله……
التخبط السياسي الذي ادى الى تقسيم الدول العربية الى عدة محاور،محور متطابق في وجهات النظر والمصالح مع روسيا وايران، ومحور اخر يرى في ترامب صورة بوش الابن، الذي يمكن ان يدفع ويجر ويمرر من خلاله مشروع حرب ثالثة في الخليج الفارسي هذه المرة، وليس العربي منه،
تحت اية ذريعة لاسيما انه تعهد مرارا وتكرارا بألغاء الاتفاق النووي الدولي-الامريكي مع ايران …
المخاوف الخليجية من التفوق العسكري والنووي والاقتصادي الايراني،يمكن تبرير قسم منها،على اعتبار ان بعض هذه المخاوف هي حالة طبيعية، اقرب الى الحالة المشروعة في مسألة توازن قوى المنطقة،وسبل اثبات الوجود والحاجة الى ابراز القوة المتكافئة ضمن اطار التنافس الدولي المتبع بين مختلف دول العالم(كصراع الامبراطوريات والحضارات او مايسمى امريكا بصدام الحضارات)،
لادخل للعواطف والاديان والطوائف والعلاقات الاجتماعية او التاريخية فيها،انما هكذا هي السياسة والاقتصاد والقوة،
بل حتى في مجالات الزراعة والصناعات التقليدية والتجارية تجد للسياسة والقوة تدخلا مباشرا فيها،هذه حالة طبيعية فطرية ولدت منذ ان تكونت المجتمعات والامم،
العالم كله يدار بالثالوث المحكم الاركان السياسة القوة الاقتصاد،الا ان الدول العربية تسجل تراجعا مخيفا وكارثيا في جميع تلك المجالات الحيوية،عبر سياسات غريبة لايمكن التكهن بها وبنتائجها المستقبلية،الشعوب وحدها هي من يدفع الاثمان الباهضة جراء تلك المنزلقات الخطيرة،التي تعتمد على ثقافة صناعة العدو الوهمي،وهو جزء من نظرية تصدير الازمات الداخلية الى الخارج،بغية تنفيذ اجندات ومخططات كبيرة ليست لها علاقة بما يشير اليه المسؤولون عن تلك المشاريع(التي تعرف على انها استراتيجية او مصيرية)،اويروج له الاعلام الرسمي او المأجور،حتى وصلت الامور تماما الى مرحلة الضبابية الشاملة في سلوك بعض هذه الانظمة(كان دكتاتور العراق صدام اذا اراد ان يزور موقعا معينا او مدينة او محافظة تقوم اجهزته الامنية بالترويج وتوجيه الناس الى جهة او منطقة وهمية اخرى ايحاءا منهم بأنه موجود في هذا المكان ثم يخرج في منطقة وموقع اخر)،اليوم تضرب سوريا والعراق واليمن ويهدد حزب الله لكن الغاية والهدف الاساسي ايران وقوتها العسكرية وبرنامجها النووي…..
على جميع انظمة الخليج ان تغير من اداءها السياسي المستند الى الثقافة البدوية المتحجرة،وان تبدأ بمرحلة تنموية شاملة تنقذهم من التراجع الرهيب امام دول المنطقة بما فيها ايران وتركيا واسرائيل،فالعالم ينظر للدول العربية على انهم دول الامة الواحدة،ولهذا نجد ويجد اغلب المثقفين والمفكرين العرب ضرورة ايجاد اواصر التلاحم والتواصل والتماسك والتكامل التنموي الشامل ،بتلك الروح العربية والاسلامية الاصيلة يمكن ان تصبح الامة العربية قوة اقليمية يحسب لها الحساب الاستراتيجي في المنطقة والعالم ،لا ان تمارس عملية الهدم الذاتي المستمر من اجل حماية ديمومة كراسي الحكم فقط…

أحدث المقالات