خاص : ترجمة – محمد بناية :
وضعت المملكة العربية السعودية اليوم نفسها في تناقض ظاهر.. فهي تحتاج من جهة إلى الهدوء الذي يساعدها على تنفيذ السياسات الاصلاحية، ومن جهة أخرى هي في غاية الاحتياج إلى التناغم والانسجام الاجتماعي في مساعيها لتجاوز مرحلة الأخطاء السياسية – الاجتماعية، وأزمة الوريث، وآلام المخاض الناجمة عن التطورات الاجتماعية وتراكم المطالب الشعبية إلى غير ذلك، وهي تعمل في سبيل ذلك إلى تثبيت وتقوية اللحمة الداخلية عبر إعلان العداء وتفعيل مشروع “إيران فوبيا” بالتعاون مع أعداء إيران.
السياسة الخارجية السعودية في الشرق الأوسط وصلت إلى طريق مسدود..
رغم أن التطورات السعودية على الصعيدين الداخلي والخارجي، بحسب مقال “نصرت الله تاجيك” المنشور حديثاً على موقع “الدبلوماسية الإيرانية” – المقرب من وزارة الخارجية، هي نتاج أخطاء وأزمات الحرب على السلطة، وتنفيذ الاصلاحات الاجتماعية التي تحول دون التداعي والسقوط، لكن السياسة الخارجية السعودية السلبية في الشرق الأوسط وصلت إلى طريق مسدود. وأحد أهم المشروعات الجديدة لتلكم السياسية هو استمرار “حرب الوكالة” في لبنان.
لأن الاستراتيجية السعودية تقوم على عدم المواجهة المباشرة أو الدخول في حرب مع إيران. وبعد جمود السياسة العسكرية السعودية في الشرق الأوسط، وتحديداً العراق وسوريا، وإلى حد ما اليمن، التي استنفذت فيها كل إمكانياتها. والسياسة الخارجية السعودية في الشرق الأوسط بصدد القضاء على أدوات السياسة الخارجية للقوة الإيرانية في الشرق الأوسط.
“الحريري” دمر مستقبله السياسي في سبيل أداء ديونه المالية للسعودية..
يتوصل “نصرت الله تاجيك”، بهذه المقدمة، إلى فهم لماذا لا يريد “سعد الحريري” استقالة أفلاطونية !.. فقد دمر مستقبله السياسي في سبيل أداء ديونه المالية للسعودية.
إن توقيت تراجع تنظيم “داعش” في العراق وسوريا لم يكن مناسباً للاستقالة. لم يربط “الحريري” باستقالته، غير المبررة، مصيره السياسي بملف التطورات الإقليمية، بينما سعى قبل ست سنوات إلى تشكيل خلافة بالمنطقة.
أضحى “الحريري” أسيراً للسعوديين بشكل سيء !.. فالسياسي أو الشخصية الوطنية لا يستقيل من دولة أجنبية !.. والحقيقة أن التوقيت والمكان الخاطئ للاستقالة له أسبابه ودوافعه !.. فهذه الاستقالة بمثابة تأكيد آخر على تدخل السعودية في زعزعة المنطقة عبر “داعش”. إن الحد الأدنى من تداعيات هذا الخطأ “الحريري” المركب؛ هو توجيه صفعة كبيرة إلى مستقبله السياسي، وأقل تداعياته هو التدشين لحرب بالوكالة على الصعيد السياسي اللبناني. وقد خلى بيان الاستقالة – الذي أذاعته فضائية (العربية) بلهجة غير دبلوماسية – أي موضوعات جديدة، ولم يبحث في داخل لبنان أسباب الاستقالة. وهذا الإجراء خطير أيضاً من حيث التوقيت، لأنه جاء في مرحلة ما بعد “داعش”، وعملية تكوين حوادث أخرى بالمنطقة ينم عن احتمالات تحرك “داعش” مجدداً في اتجاه العودة.
السعودية تريد دفع لبنان إلى “حرب بالوكالة” ضد إيران..
يمكن القول إن لبنان أحد وجهات “داعش”، ويعيش من الناحية الجيوسياسية وضعاً خطيراً. ومع ازدياد احتمالات فرص تنامي الصراعات في هذا البلد، لكن أنا متفائل بالحد من الصراعات حال تعاون الفصائل السياسية والعناصر المؤثرة، بحسب تعبير الكاتب الإيراني.
فالشعب اللبناني يضع سوريا نصب عينيه، وسوف يرد اندلاع أزمة مشابهة إن شاء الله. لكن تجدر مطامع الكيان الصهيوني لأنه قد يشعل فتنة جديدة في لبنان. ومن حسن الحظ أن رئيس الوزراء أساء بنفسه إلى سمعته. وعليه فالأوضاع الفعلية بالمنطقة وسيادة الاستقرار والهدوء وخصوصاً في سوريا والعراق يزيد قلق المتخوفين. إن إعلان الاستقالة من داخل الأراضي السعودية يؤشر إلى حجم تدخل الأخيرة في الأوضاع الداخلية والقضايا المصيرية لدول المنطقة بما فيها لبنان. ولقد فشلت مساعي السعودية باعتبارها أحد المتحالفين مع أميركا، خلال السنوات الست الماضية، في تهيئة أجواء حرب الوكالة في سوريا والعراق ونشر الإرهاب والعنف، وهى الآن مجبرة على تنفيذ اصلاحات لن تمر دون تبعات.
ويدعو “نصرت الله تاجيك” الإيرانيين إلى عدم اللعب داخل الأراضي السعودية، واحتواء الأزمات التي يقذفون بها إلى وسط الملعب.
على سبيل المثال إن لم يكن للسعوديون قدرة على الحرب أو حتى الصراع السياسي الواسع مع إيران، فإن ما نُشر بوسائل الإعلام بشأن اطلاق صاروخ “أنصار الله” يحمل في معظمه جوانب دعائية للإستهلاك الداخلي ويدشن نسبيًا لمشروع “إيران فوبيا”. لأنه لا العقل ولا المنطق الصحيح يدعم نسبة عملية “أنصار الله” إلى إيران.
لأنه، أولاً: لا أحد يعتبر أميركا وأوروبا مسؤولا عن العمليات التي تنفذها الدول التي تشتري أسلحتها. ثانياً: حصلت “أنصار الله” قبلاً على صواريخ الجيش اليمني، والتي هي في الغالب روسية الصنع ونجحت عناصر الحركة في تحديث وتطوير مدى هذه الصواريخ.
والواقع أن حصار اليمن لم ينجح سوى في تأزيم أوضاع الشعب اليمني الذي يعاني من القحط، ولن يكون من نتائج لذلك سوى تشديد الصراع وتقويض الأمن والاستقرار بالمنطقة.