يبدو ان الامم المتحدة ماضية في جهودها لمكافحة تغير المناخ وفقا لاتفاق باريس، فصحيح ان اعلان الرئيس الامريكي دونالد ترامب خروج بلاده من اتفاقية باريس قد اربك حسابات باقي الدول، لكنه لم يعق سعيها لإيجاد سبل لتحقيق ما تم الاتفاق بشأنه، قمة المناخ 23 التي مضى على انطلاقها ثلاثة ايام في مدينة بون غرب المانيا دعت للتحرك بصورة عاجلة ضد الاحتباس الحراري في الوقت الذي بدأ فيه ارتفاع منسوب مياه المحيطات يشكل تهديدا حقيقا لبعض الدول الجزرية كجزر المالديف وجمهورية فيجي التي تترأس هذه القمة والعديد من الجزر المأهولة بالسكان والمتناثرة عبر محيطات العالم، فإلى اي مدى يمكن تطبيق مقررات اتفاق باريس رغم انسحاب الولايات المتحدة منه؟ وهل تملك الدول الصناعية الكبرى الارادة الحقيقة لكبح جماح ارتفاع درجة حرارة الارض؟.
ربما من السابق لأوانه الحديث اليوم عن النتائج والمقررات لهذا القمة التي آلت اليها المفاوضات الدولية لحد الآن، فلا تزال اروقة المؤتمر تحتضن في طياتها وغرفها المغلقة منها والمفتوحة اجتماعات ومناقشات مكثفة بين الوفود الدولية للتوصل الى آليات واجندات عمل يمكن من خلالها تنفيذ اتفاق باريس.
يرى المراقبون هنا في مدينة بون تفاؤلاً حذراً يرتسم على وجوه الوفود المشاركة وسط ترقب للموقف الامريكي خاصة وان الولايات المتحدة الامريكية قد اعلنت انسحابها من اتفاق باريس في حزيران الماضي، ووفقا للخارجية الأمريكية، فإن هذه المشاركة “تشمل المفاوضات الجارية بشأن المبادئ التوجيهية لتنفيذ اتفاق باريس” الذي تم التوصل إليه في العام 2015. وأوضحت الخارجية أن هذه المشاركة ستتم من أجل “ضمان مصالح الولايات المتحدة” والانسحاب الامريكي هذا سيدخل حيز التنفيذ في العام 2020 اذا ما اصرت الولايات المتحدة الامريكية على موقفها دون تراجع، فعام 2020 سيكون عاما كارثيا بحسب رأي المختصين في مجال المناخ بسبب تملص الولايات المتحدة من الاتفاقيات الدولية وهي ثاني اكبر باعث لغاز ثاني اوكسيد الكربون بعد الصين، وهو العام نفسه الذي تتطلع اليه شعوب العالم ان يكون العام الاخير الذي ترتفع فيه درجة الحرارة على هذا النحو، وان يكون عام العمل على كبح جماح ارتفاع درجات الحرارة من خلال التخفيف من انبعاثات غازات الدفيئة.
لاتزال الدول الفقيرة المتأثرة بتغير المناخ والدول الجزرية المهددة بالغرق تطالب الدول الصناعية الكبرى بالعمل على تنفيذ مخرجات اتفاق باريس وبذل المزيد من العطاء لهذه الدول للتكيف والصمود بوجه شبح تغير المناخ، وقال رئيس وزراء جمهورية فيجي ورئيس قمة المناخ 23 “طلبنا الجماعي الى العالم هو ان يحافظ على الوجهة التي حددت في باريس في العام 2015″، كما قال طارق ابراهيم رئيس تحالف الجزر الصغيرة “لحسن الحظ، نرى كل الدعم الذي قدم لاتفاق باريس منذ 2015 من مستوى الميدان الى اعلى المستويات، ونرى دولاً كبرى تعلن عن مبادرات طموحة، نأمل بأن تتواصل هذه الديناميكية”.
قبل ايام من انعقاد قمة المناخ 23 حذرت دراسة صادرة عن الامم المتحدة من الفارق الكارثي بين الافعال والحاجات، في نهاية عام شهد كوارث طبيعية كبرى رجح خبراء المناخ انها قد تتواصل في ظل تغيرات المناخ، ومن بينها اعصاري ايرما وهارفي، ومن المتوقع ان يكون العام 2017 العام الاشد حراً بين الاعوام التي لم تشهد ظاهرة “النينو”، وهي ظاهرة تحدث كل ثلاث الى سبع سنوات وتتسبب بارتفاع درجات الحرارة بحسب ما اعلنته المنظمة العالمية للأرصاد الجوية الاثنين 6|11|2017 في بون، وقال الامين العام للمنظمة بيتري تالاس ان ” السنوات الثلاث الاخيرة هي الاعوام الاكثر حرا على الاطلاق وهي تندرج في إطار ميل الكوكب الى الاحترار على المدى البعيد”. فإلى اي مدى سيتنبه القرار السياسي الدولي لهذه التصريحات التي تنبؤ بالخطر؟ والى اي حجم ستكون ردة الفعل الدولية بالاستجابة لنداءات الاستغاثة التي تطلقها الشعوب الفقيرة كل حين جراء الكوارث البيئية التي حدثت وربما تحدث في اي وقت؟
لذلك يتطلع الجميع اليوم الى مخرجات قمة المناخ 23 والعالم في ترقب لأيامها الاخيرة التي من المكن ان تشهد تمثيلاً دولياً رسمياً على مستوى عالٍ لإعلان الحسم عن هذه القمة والتي ستعطي الضوء الاخضر لقمة 24 في بولندا العام المقبل والتي من المتوقع ان يتم فيها وضع لائحة عقوبات على الدول التي لا تلتزم بالقرارات الدولية ازاء تغير المناخ وحماية كوكب الارض.