يقال أن الزعطوط كلمة أرامية قديمة معناها “الولد الصغير” الذي لا يعي مايقول، ولعل مطحنة – المزعطة – المتواصلة التي لاترحم في العراق جعلتني أشتاق وبقوة الى أيام الفولغا والباص اﻷحمر بصرف النظر عن شخوصها وشعارتها !!
في هذه الدوامة ومع أن العمل في معظم دوائرها عبارة عن بطالة مقنعة وواتس آب وفايبر وغيبة ونميمة طيلة ساعات الدوام الرسمي من غير إنتاج يذكر ، إﻻ أن متسبيها أسوة بالطلاب هم من أشد الناس فرحا بـ…العطلة !
في هذا الوادي السحيق ومع أن مواطنيه يعلمون علم اليقين بأن الشعوب التي يمشي أفرادها بسرعة ، هي شعوب نشطة ، منتجة ، حريصة على الوقت وعلى المصالح العليا والدنيا للبلاد فضلا عن المصالح الشخصية ، إﻻ أنهم يذهبون الى أعمالهم ببطئ السلاحف وكأنهم يتجولون في متحف !!
في هذا النفق المظلم عندما ترغمك الحياة على مرافقة مريض عراقي ﻻ حول له ولا قوة للذهاب الى طبيب إختصاص وترى بأم عينيك مئات المرضى البائسين من حولك وكيف تجري بحقهم عمليات الإبتزاز والإستخفاف والحلب عبر مراحل ﻻ مناص منها ،ﻷن المستشفيات الرسمية – هب بياض- بمصاعد إن وجدت فنصفها عاطل عن العمل أو مشغول طوال الوقت وأسفنيك وديتول ومرافق غير صالحة للبشر ، ليبدأ المسلسل المر ” التحليل ، اﻷشعة ، السونار، المفراس ، الرنين ، الصيدلي ، المضمد ، التاكسي ، الاسعاف = 500 الف دينار في يوم واحد ” على أمل أن ﻻ تعقبها عملية جراحية ﻷن المسألة ستتطور الى ( 5 – 15) مليون دينار ﻻ قبل ﻷحدهم بها ، أما عن الحكومية منها – فمت ياوديع حتى يأتيك الربيع – وعندما ترى اﻷحزاب السياسية وقادتها – 350 حزبا – وهم يتحدثون عن النزاهة واﻷخلاق والشفافية في وسائل الإعلام مع أن البلد غارق في الفساد ومن سيء الى أسوأ وفضائح السرقات تعلن على ألسنتهم تباعا ضد بعضهم بعضا من غير حرج ، وعندما يخرج عليك معمم فضائي بخواتمه العشرة في اليمين واليسار كأنه منجم و يرفع عباءته 100 مرة ليضعها على كتفه ومن ثم لتسقط مجددا ليعيد الكرة – ليش مايلبسها ويدخل يده فيها ..لا أدري، ليتحدث لنا في أمور ﻻ علاقة لها بهموم المواطنين وﻻ بواقعهم المأساوي الذي يبكي الصخور الصماء ووو عرب وين ، طنبورة وين وان انتقدته إنبرى لك بعضهم بأن لحوم – الاخطبوط مسمومة الى آخر النقد الذي مللنا سماعه لكثرة ما تردد على مسامعنا !
وعندما تذهب الى المحكمة وترى بأم عينيك الالاف من حالات الطلاق والخصومات – والعركات – بحضور شهود زور تحت الطلب مقابل دراهم معدودة ، وعندما ترى العاطلين يفترشون اﻷرصفة في بلد النفط ليبيعوا – البراغي الصدئة ، الكتيبات والمجلات القديمة التي سبق أن باعها لهم كادحون أمثالهم بعشر ثمنها ليشتروا بها خبزا ودواء – وعندما تنظر الى الاف المتسولين واﻷطفال المشردين في تقاطعات الطرقات وعند الإشارات المرورية وعندما تشاهد المدارس ذات الدفع الرباعي – اقصد الدوام الرباعي – واكوام النفايات من حولها ومساطر العمال والكسبة وشاشات التلفزة الغارقة بالدماء والدخان والعنف والمعارك والحروب والسجالات بين الكتل ولافتات الموتى التي تملأ الجدران ، تشتاق الى عصر الفولغا حين كانت الدراسة بالمجان ، العلاج بالمجان ، الجامعة بالمجان ، المواصلات والتيار الكهربائي والمياه ، الغاز ، النفط ، شبه مجانية ، ﻻ أحزاب متناحرة ، ﻻ سياسيين فوضويين ، آمان ، أمن ، – تحبه ماتحبه – أفضل من هذه الفوضى العارمة بكثير جدا ، نعم أنا أشتاق لعصر الباص – أبو الطابقين اﻷحمر – وسيارات الفورد والشوفر والفولغا واللادا والمسكوفيج والكرونا والكراون ولن أخجل من قول الحقيقة ، أما اليوم فلا نحن نظام إشتراكي وﻻ رأسمالي وﻻ – بشطمالي – نحن بقايا بشر بنظام اقتصادي عجيب غريب نعيش على بقايا أرض في العصر الحجري ..تسمى العراق والحبل على الجرار !!
منذ عقود وأنا أسمع عبارة”إن اﻷيام المقبلة حبلى باﻷحداث” ويبدو أن الرحم العراقية والشرق أوسطية بحاجة إما الى إجهاض أو عملية قيصرية أو تعقيم خشية الحمل بكوارث أخرى جديدة ﻻ قدرة لنا عليها ستأتي على ماتبقى من عامر في بلادنا لتحيله خرابا فوق الخراب !أودعناكم أغاتي