لقد حقق الرئيس نصرا كبيرا فى نجاحه فى انتخابات الرئاسه ضد المرشح الجمهورى (ميت رومنى), وهذا سوف يدفع الرئيس القديم الجديد , ان ينصرف بشرعيه جديده متقدمه للاهتمام بالقضايا التى قد اجلت الى مابعد الانتخابات. ولاشك فان العراق مابعد صدام حسين هو احد النتائج للسياسة الستراتيجيه الامريكيه التى قام بتنفيذها” المحافظين الجدد” بقياده جورج بوش الابن الذى يمكن اعتباره من اسؤ الرؤساء الامريكان اطلاقا. جورج الذى اسقطت قواته العسكريه صدام حسين وانهت الدوله العراقيه, واحتلت العراق ووضعته تحت رحمة قوى الارهاب, القاعده وماشاكلها التى اخذت تدريجيا تتوحد طائفيا مع بعض مكونات الشعب العراقى, الذين يعتبرون حكم العراق والسيطره عليه واستغلاله وقفا شرعيا لهم, وبذلك فقد قدموا لهم الوسط الاجتماعى الجغرافى واللوجستى لتنفيذ المخططات الجبانه بتحويل العراق الى ساحة حرب/ مفخخات وتفجيرات وقنابل مؤقته واغتيالات وانتحاريين فى الاسواق والميادين العامه والمدارس ومراكز التطوع للقوى الامن. لقد وصلت العمليات الارهابيه درجة الحرب الاهليه الطائفيه, ومع كل الاجراءات وبناء قوات الامن والدفاع فان العمليات الارهابيه يمكن ان تنطلق فى بغداد العاصمه او فى اى قريه ومدينه عراقيه وفى اى وقت.
ان الوضع فى العراق معطل ويراوح فى مكانه وفى احسن الاحول يدور حول ذاته فى حلقه مفرغه دون الوصول الى نتيجه, وفى جميع المجالات, انه وضع لا يحسد عليه حقا, ليس فقط فى مجال البنى التحتيه التى اخذت تنافس مداعبات جحا وقصص الف ليله وليله, وانما فى صراع النخب التى استلمت مقاليد الحكم والتى تجاوزت انانيتها ومصالحها الفئويه على الدوله ومصالح وطموحات الشعب, فى الفوضى العارمه للاقتصاد القائم على بيع النفط الخام وفتح اسواقه للمصانع الاجنبيه, فى الاخذ بمبدأ اقتصاد السوق دون توفير الشروط الضروريه الملائمه ووضع خطط تدريجيه وتوفير الكوادر الكفوءه التى تشرف على هذه العمليه الخطيره, فى الدعوات المستمره للاستثمار فى العراق والتى لم تتحقق لحد الان,علما بان العراق فى الظروف الحاليه المسيطره لا يعد دوله مشجعه للاستثمار, اما عن الفساد المالى والادارى فقد اخذ حركيه ذاتيه قويه جدا وفى جميع مرافق الدوله واصبح من الصعب التاثير فيه وايقافه ان الحاله العراقيه التى وصفنا جانبا بسيطا منها تتحمل مسؤليته الولايات المتحده الامريكيه والنخب العراقيه التى جاءت مع قوات الاحتلال والتى استلمت مقاليد الحكم, هذا بالاضافه الى ديمقراطية المحاصصه القوميه والطائفيه. ان سحب القوات الامريكيه من العراق لم يعفيها من واجباتها كدوله محتله تجاه امن العراق ومستقبله, وقد كان سحب القوات الامريكيه فى صالح الولايات المتحده وليس فى صالح العراق, وذلك لوضعه بين كماشة الارهاب والصراعات القوميه الطائفيه وفى غياب وجود مؤسسات الدوله التقليديه. ان الولايات المتحده ما زالت مطالبه باداء واجباتها تجاه الدوله العراقيه والشعب العراقى الذى تراجع فى بعض المجالات الى مستوى التطور الذى كان سائدا فى بدايه تاسيس الدوله العراقيه فى العشرينات من الفرن الماضى.
من ناحية اخرى فان العراق يعانى من عزلة سياسيه كبيره , ان السعوديه بشكل خاص تديرحربا خفية ضد العراق ويتبعها فى تصوراتها وطموحاتها دول الخليج بدرجات متفاوته, ان الكويت تمثل حالة خاصه من العلاقه مع العراق القائمه على الانتقام والاذلال, اما تركيا التى اصبحت دوله اقليميه قويه ولها اقتصاد متنوع ومزدهر تبحث عن مراكز قوى واسواق, ولها تاريخ طويل مع العراق وقد اصبحت قطبا مهما فى الصراع حول العراق خاصة من المنطلق الطائفى, كانت سوريا قبل عمليات التمرد القائمه حاليا مصدرا للارهاب الذى يصدر الى العراق, علما بان سوريا كانت ولا زالت حليفا لايران والقياده العراقيه الشيعيه لها تاريخ طويل فى ايران ومع القياده السياسيه الدينيه ويجمعهم تجانس وتوافق فكرى ومذهبى, ولكن ايران لم تقوم فى التاثير على سوريا فى الحد من تصدير الارهابين الى العراق, اما عن الاردن فقد استطاعت ان تفرض شروطها على العراق وضمنت توريد النفط العراقى باسعار التراب من اجل ان يوقف تدفق الارهابين من شاكله الزرقاوى واخوانه.
ان الاشكاليه الاكثر اهميه هى العلاقه العراقيه ـ الايرانيه المتطوره فى مختلف المجالات, خاصه فى مجال استيراد البضائع الاستهلاكيه ومواد البناء والسيارات والبنزين والطاقه الكهربائيه, هذا بالاضافه الى عمل الشركات الايرانيه فى مختلف المشاريع الكبيره وحتى فى مجالات لا تملك هذه الشركات خبره كبيره تؤهلها لانجاز مثل هذه الاعمال, محطات توليد الطاقه, مشاريع النفط, حتى ان عددا من المشاريع تحال على الشركات الايرانيه باثر التدخل السياسى الايرانى, من دون ان تعرض كمناقصات عالميه او محليه, ان قيمة البضائع المستورده سنويا يبلغ 17 مليار دولار وهذا المبلغ يعبر فى حد ذاته على التوافق والتعاون بين النخبه العراقيه الحاكمه والقيادات السياسيه الدينيه فى ايران.,وليس هذا فحسب وانما التاثيرالسياسى والامنى الايرانى على مواقع اتخاذ القرار فى النخبه العراقيه, والحقيقه فان هذا التأثير يكاد ان يكون شاملا ومؤثرا فى جميع المجالات ما هى الامكانيات المتوفره لرئيس الوزراء العراقى فى الحركه للتوفيق بين المصالح المتناقضه الامريكيه ـ الايرانيه فى العراق والشرق الاوسط الكبير. ان العلاقات الامريكيه ـ الايرانيه قد اصبحت فى تناقض وصراع منذ انتصار الثوره الاسلاميه وسقوط الشاه واخذ هذا الصراع فى تصاعد مستمر واصبحت امريكا توصف بالشيطان الكبير والاستكبار العالمى, وكانت احد المجابهات احتجاز الرعايا الامريكيين فى السفاره فى طهران لمد طويله وفشل جميع المساعى لاطلاق سراحهم, لقد تطورت ايران الاسلاميه الى قوة اقليميه واستطاعت تطوير نفوذها الى حكم البعث فى سوريا وحزب الله فى لبنان. فى اطار الصراع والتهديد المستمر لاسرائيل ككيان سياسى وقوة حزب الله فى المجابهه العسكريه مع اسرائيل. ان التناقض الذى تصاعد فى السنه الاخيره هو محاوله ايران الاسلاميه الحصول وتطوير “السلاح النووى” وهذا ما يخالف الستراتيجيه الامريكيه, على الرغم من امتلاك اسرائيل لسلاح نووى منذ زمن طويل. وقد اضيف الى مجمل التناقضات بين ايران والولايات المتحده خاصه بعد عمليات حلف الاطلسى فى ليبيا التى ادت بشكل دموى وكارثى الى تدمير ليبيا,ثم مايدار حول سوريا منذ عام تقريبا لاسقاط نظام الاسد الموالى والمدعوم عسكريا وماديا من طهران وتنصيب نظام جديد مؤيدا للستراتيجيه الامريكيه وحماية اسرائيل الذى تخطط له وتنفذه السعوديه وقطر بتايد من الولايات المتحده والاتحاد الاوربى بشكل عام.
هل سينجح السيد المالكى فى التوفيق بين هذه التناقضات والعبور بالعراق الى شاطىء الامان؟ هل يستطيع تقليص حجم التاثير” التدخل” الايرانى فى شوون العراق, ان يتخلص من الشعارات الرنانه ( الاستكبار العالمى والشيطان الكبير) فى الوقت الذى عاشت جناحات واسعه من النخبه الحاكمه فى زمن الاقامه فى ايران او فى المهجر على هذه الافكار وما زالت احد ركائز ثقافتها السياسيه, هل يمكن ان يكون السيد المالكى والنخبه السياسيه مع ايران ومع امريكا فى نفس الوقت؟, ان يساعد نظام الاسد ويتوسع فى علاقاته مع ايران فى كل المجالات ويكون حليفا لامريكا؟, هل يمكن فى اطار التكتلات الدوليه الراهنه واوضاع العراق المتازمه ان يتجاهل الدور الامريكى ويتخذ مثل هذا الموقف؟ ثم الى اين يسير بالعراق والى متى؟. اذا كانت السياسيه لاتعرف سوى المصالح فان السياسه بين الاطراف المشتركه تقوم على الثقه والولاء التام, ولنا فى تطور المانيا الغربيه وكوريا الجنوبيه وتركيا مثالا ساطعا, هذه الدول قد سارت فى الفلك الامريكى, والنتائج التى توصلت اليها كانت مفيده فى كل المقاييس.
لا بد من الاشاره الى ان امريكا التى اسقطت وانهت صدام وحكمه الاجرامى قد قامت بذلك وفقا لمصالحها الستراتيجيه, وقد كلفها ذلك 4488 قتيلا وبضعه عشرات الالاف من الجرحى والمعوقين جسميا ونفسيا, على اقل تقدير, وامريكا التى سحبت قواتها العسكريه من العراق فى عام 011 2 , الا انها ما زالت تتمتع بحضور دبلوماسى قوى ومؤثر الى حد كبير جدا, كما ان قواها الخفيه تكاد ان يصل امتدادها نحو جميع القوى السياسيه وليس مبالغة فى الامر فى القول من انها مازالت تمسك فى زمام الامور فى العراق. واذا كانت امريكا لم تبدى نشاطات كبيره واضحه على الساحه العراقيه فى الاشهر الماضيه, كان من نتائجها ان الصراع بين حكومة المركز وحكومة اقليم كردستان ما زالت قائمه وتتصاعد وتائرها وكذلك الخلافات مع الكتل السياسيه الاخرى, فقد اصبحت الازمه السياسيه القائمه بين اعضاء النخبه والحكومه وديمقراطيه المحاصصه حالة مستديمه لا امل فيها.
اين سيكون دور ومستقبل العراق فى الصراع القائم فى الشرق الاوسط,؟ ان الحرب الدائره منذ قرابة السنه حول سوريه تشكل حلقه فى سلسلة التغيرات التى حصلت فى مصر وليبيا واليمن والتى كانت بداياتها حركات جماهيريه شعبيه تتطلع الى انظمه ديمقراطيه وعدالة اجتماعيه وتوفير فرص العمل والحياه لشعوبها التى قد عانت من سفاهة ودكتاتوريه وجبروت السلطات الحاكمه, قد انتهت فى نهاية الامر بيد فرق الاسلام السياسى الذى يحتكر الحقيقه والسلطه والمستقبل, انها لا تتورع فى اقامة نظام ديكتاتورى قمعى وعلى استعداد تام للتعامل مع الشيطان للبقاء فى السلطه, تماما كما كانت الطبقه الحاكمه السابقه فى اساليبها البوليسيه وتحالفاتهاالمعهوده. ان الصراع حول ايران ما زال مستمرا وسوف ينتقل الى لبنان والى عدد من الدول الافريقيه.
المفروض ان العراق بعد الاحتلال الامريكى فى عام 2003 قد تجاوز المرحله التى تمر بها حاليا سوريه وايران..الخ وان يتم تركيز جهود القياده العراقيه نحو مستقبل العراق فى اطار المسؤليه الامريكيه اتجاه العراق. ان العراق فى ظروفه الحاليه بحاجه الى الدعم السياسى والمعنوى من الولايات المتحده الامريكيه اكثر من حاجة امريكا الى العراق, ان البند السابع ما زال طوقا قويا يتم بواسطه ابتزاز العراق بعنف, هذا بالاضافه الى العزله السياسيه للعراق مع جيرانه العرب, اشكاليات السياسه التركيه تجاه العراق وخاصه فيما يتعلق بالموارد المائيه المشتركه, وليس اخيرا الوضع العراقى المعطل وصراعات الكتل السياسيه , خاصه علاقةالاقليم بالمركز, والتنميه المتوقفه منذ سنين. ان الولايات المتحده يمكن ان تلعب دورا ايجابيا فى هذه القضايا الخطيره, ولكن من اجل ان تلعب الولايات المتحده هذا الدور الايجابى يجب على القياده السياسيه وبشكل خاص السيد نورى المالكى رئيس الوزراء ان يحدد موقفه فى الطراعات الدائره. هل ينجح السيد المالكى فى اتخاذ الموقف الصحيح الذى يمكن ان يدفع العراق الى الامام, ام انه سوف لا يقوى على هذا القرار, وبذلك سوف يستمر الضياع والعجز والارهاب الى اجل غير مسمى.
[email protected]